خطبة الجمعة (يوم النحر وأيام التشريق)
إبراهيم بن سلطان العريفان
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَشْكُرُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا. مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا عِبَادَ اللَّهِ، هَذَا يَوْمُ النَّحْرِ، أَعْظَمُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَيُسَمَّى يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فِيهِ تَجْتَمِعُ أَعْمَالُ الْحَجِّ الْكُبْرَى، وَيُؤَدِّي فِيهِ الْحُجَّاجُ مَنَاسِكَهُمْ مِنْ رَمْيٍ وَنَحْرٍ وَحَلْقٍ وَطَوَافٍ.
وَهُوَ يَوْمُ الْأُضْحِيَةِ، شَعِيرَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَبْحِ الْأَنْعَامِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ، تَأَسِّيًا بِخَلِيلِ الرَّحْمَٰنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حِينَ فَدَى اللَّهُ وَلَدَهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ ﷺ: "مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ".
فِي الْأُضْحِيَةِ تَجْسِيدٌ لِمَعَانِي الْإِيمَانِ وَالتَّسْلِيمِ وَالطَّاعَةِ، فَهِيَ إِعْلَانٌ عَنْ حُبِّ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَتَقَدُّمٌ عَمَلِيٌّ يُعَبِّرُ عَنِ الِاسْتِعْدَادِ لِبَذْلِ النَّفِيسِ مِنْ أَجْلِ رِضَا اللَّهِ. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْأُضْحِيَةِ اللَّحْمُ وَالدَّمُ، بَلْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، قَالَ تَعَالَى ]لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ[ وَهِيَ فُرْصَةٌ لِبَذْلِ الْخَيْرِ، وَإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ، فِي أَيَّامٍ جَعَلَهَا اللَّهُ أَيَّامَ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ.
فَلْيَحْرِصِ الْمُؤْمِنُ عَلَىٰ إِحْيَاءِ هَذِهِ السُّنَّةِ الْعَظِيمَةِ، بِمَا فِيهَا مِنْ إِخْلَاصٍ لِلَّهِ، وَامْتِثَالٍ لِسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَرَحْمَةٍ بِالْخَلْقِ، وَشُكْرٍ لِلرِّزْقِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، اِذْبَحُوا وَاسْتَشْعِرُوا نِيَّةَ الْقُرْبَةِ، وَكُلُوا وَأَطْعِمُوا وَتَصَدَّقُوا، كَمَا قَالَ تَعَالَىٰ ]فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ[.
نَفَعَنِيَ اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِهَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ .. غَدًا – بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ – تَبْدَأُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ الْمُبَارَكَةِ، الْأَيَّامِ الَّتِي أَتَمَّ اللَّهُ بِهَا نِعْمَتَهُ عَلَىٰ عِبَادِهِ، وَجَعَلَهَا أَيَّامَ فَرَحٍ وَعِبَادَةٍ، يُكْثِرُ فِيهَا الْعَبْدُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَيُجَدِّدُ فِيهَا صِلَتَهُ بِأَهْلِهِ وَأَقَارِبِهِ.
وَهَذِهِ الْأَيَّامُ الْفَاضِلَةُ هِيَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِلتَّسَامُحِ وَالْعَفْوِ، وَتَصْفِيَةِ الْقُلُوبِ، وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَزِيَارَةِ الْأَقَارِبِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، فَفِيهَا تَتَجَلَّىٰ مَعَانِي الْأُخُوَّةِ وَالْمَوَدَّةِ، وَتَسْمُو فِيهَا النُّفُوسُ عَلَى الْأَحْقَادِ وَالضَّغَائِنِ.
وَقَدْ قَالَ ﷺ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ" فَكَيْفَ بِمَنْ يَصِلُ رَحِمَهُ، وَيَسْعَىٰ فِي مَرْضَاةِ رَبِّهِ، وَيُطَهِّرُ قَلْبَهُ مِنَ الْكَرَاهِيَةِ؟
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ .. اعْلَمُوا أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ نُهِيَ عَنْ صِيَامِهَا، فَهِيَ لَيْسَتْ مَوْضِعَ صِيَامٍ، بَلْ مَوْضِعَ ذِكْرٍ لِلَّهِ، وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" فَلَا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَصُومَهَا، بَلْ يُشْرَعُ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ فِيهَا الْفَرَحَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ، وَيُكْثِرَ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَيَحْمَدَ اللَّهَ عَلَىٰ مَا وَفَّقَهُ مِنْ طَاعَاتٍ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ هَذِهِ الْأَيَّامَ أَيَّامَ خَيْرٍ وَرَحْمَةٍ عَلَيْنَا، وَاغْفِرْ لَنَا فِيهَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَاجْعَلْنَا فِيهَا مِنَ الْمَقْبُولِينَ الْمَرْحُومِينَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْمَطْرُودِينَ الْمَحْرُومِينَ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَىٰ عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
المرفقات
1749121120_يوم النحر وأيام التشريق.pdf
1749121135_يوم النحر وأيام التشريق.docx