خطبة النزاهة والأمانة ومحاربة الفساد
حسين بن حمزة حسين
1447/06/12 - 2025/12/03 12:21PM
اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَاعْبُدُوهُ، وَابْتَغُوا عِنْدَهُ الرِّزْقَ وَاشْكُرُوهُ، وَاذْكُرُوا آلَاءَ اللهِ وَتَحَدَّثُوا بِفَضْلِهِ وَلَا تَكْفُرُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، فَعَلَيْكُمْ بِالطَّيِّبِ مِنَ الرِّزْقِ الْحَلَالِ، وَاحْذَرُوا الْمُحَرَّمَ مِنَ الْمَالِ، فَإِنَّهُ دَخْلٌ مَشْؤُومٌ، وَأَخْطَرُ عَلَى الْأَبْدَانِ مِنَ السُّمُومِ، لِأَنَّهُ يَقْصِمُ الْأَعْمَارَ، وَيُخَرِّبُ الدِّيَّارَ، وَيُورِثُ الْخِزْيَ وَالْعَارَ، وَيَكُونُ وَقُودًا عَلَى صَاحِبِهِ فِي النَّارِ، «الْمَالُ الْحَرَامُ» يَمْنَعُ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، وَيُورِثُ الشَّقَاءَ، وَيَجْلِبُ أَنْوَاعَ الْبَلَاءِ، وَيُقَسِّي الْقُلُوبَ وَيُغْرِيهَا بِالْإِثْمِ وَالْفَحْشَاءِ، «الْمَالُ الْحَرَامُ» لَا تُقْبَلُ مِنْهُ الصَّدَقَاتُ، وَلَا يُبَارَكُ لِصَاحِبِهِ فِي تجارته، ممحوق الأجر بنفقتهِ، عَلَيْهِ غُرْمُهُ وَلِغَيْرِهِ غُنْمُهُ.
عِبَادَ اللهِ: «التَّعَدِّي عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ»، نَوْعٌ مِنْ أَخْطَرِ أَنْوَاعِ الْمَالِ الْحَرَامِ، لِأَنَّه غُلُولٌ، وَقَدْ تُوُعِّدَ الْغَالُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْعُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ، يَقُولُ جلّ جلاله: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ: عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ»، ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ (قَالَهَا ثَلاَثاً)»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقيامَةِ، حَتَّى يُقَادَ للشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وتَحَرَّوْا الرِّزْقَ الطَيِّبَ الْحَلَالَ، وَاحْذَرُوا الْغُلُوُلَ وَالتَّعَدِّيَ عَلَى الْحُقُوقِ وَالْأَمْوَالِ، فَكُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، وَنِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ.
أَقُوْلُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا.
الخطبة الثانية:
إخوة الإيمان: أَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ فالأمانةُ ليست أوراقًا تُوقَّع، ولا وظائفَ تُمارَس؛ بل هي دِينٌ وعَقيدةٌ يُسألُ عنهُ العَبدُ بينَ يَدَيِ الله عز وجل يوم القيامة، فما ضاعَت أُمَّةٌ، ولا انهارَت دَولةٌ، إلَّا حينَ فَشا فيها الفَسادُ، وتلاعَبَ النّاسُ بالحقوقِ، واعتَدَوا على المالِ العامِّ، فالفسادُ ليس أموالاً تُنهَب، بل مُستقبلٌ يُدمَّر، وأجيالٌ تُضيَّع، واللهُ تعالى يقول: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾،
وبِلَادُنَا - حَرَسَهَا اللهُ - قَامَتْ بِمُحَارَبَةِ الْفَسَادِ والْمُفْسِدِينَ، حِفْظًا لِلْمَالِ الْعَامِّ مِنَ الْخَائِنِيْنَ، وَحِفْظًا لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ أَخَذَ مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ يَكُونُ فِيهِ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، قَالَ نَبِيُّنَا ﷺ: (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ!! أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
كَمَا يَجِبُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُوَاطِنُ وَالْمُقِيمُ: أَنْ تَكُونَ قُدْوَةً فِي حِفَاظِكَ عَلَى الْمَالِ الْعَامِّ، وَعَوْنًا لِلْدَّوْلَةِ فِي الإِبْلَاغِ عَنِ الْمُفْسِدِينَ؛ فَمَنْ سَتَرَ عَلَى فَاسِدٍ فَقَدْ شَارَكَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَنْ خِيَانَةٍ فَقَدْ رَضِيَ بِهَا، وَمَنْ بَلَّغَ عَنْ فَسَادٍ فَقَدْ أَعَانَ عَلَى إِقَامَةِ الْعَدْلِ، وَنَالَ أَجْرَ النَّصِيحَةِ وَصِدْقَ الْوَلَاءِ لِلدِّينِ وَالْوَطَنِ، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، وَلَا تُجَامِلْ أَحَدًا أَوْ تَخْشَاهُ، فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ، وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِيْنَ مُعِينًا وَلَا ظَهِيرَاً، فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله وَاقْنَعُوا بِالْحَلَالِ، وَتُوبُوا إِلَى اللهِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَالْآثَامِ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنِ اسْتَغْنَى عَنْ شَيْءٍ أَغْنَاهُ اللهُ عَنْهُ.