خطبة بعنوان ( الأثرُ الجميلُ بعدَ الرّحيلِ )مختصرة

سعيد الشهراني
1447/05/21 - 2025/11/12 09:19AM

خطبة ( الأثرُ الجميلُ بعدَ الرّحيلِ )

سعيد سيف ال حلاش الشهراني-جامع عمر بن الخطاب-تندحة

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي خلَق وأفنى، وأمات وأحيا، وكلُّ شيء عندَه بأجل مُسمًّى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي زادُ العبد، وبها فَلاحُه في الدنيا والآخرة.

أيها المسلمون: "مات فلان" كلمة تتردد في كل وقتٍ وآنٍ، وتطرُق الأسماعَ في كل حين؛ تُغيِّر مجرى الأحداث، وتُشكِّل منعطفًا في الواقع، وصدمةً في الحال؛ ففلانٌ هذا كان قبلُ يروحُ ويجيء، يَحْلُم ويتمنَّى، ويأمُلُ ويُطِيلُ الأملَ، ويتقلَّبُ في دنياه وفي بيته بين أولاده وأسرته، فإذا به قد أسلَم الروحَ إلى باريها، وغدَا جثةً هامدةً، شاخصَ البصرِ، لا يَملِكُ لنفسه شيئًا، ولا يَقدِرُ على شيء (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ).

تزَودْ من التقوى فإنكَ لا تدري ** إذا جنَّ ليلٌ هلْ تعيشَ إلى الفجر؟
فكمْ من صحيحٍ ماتَ من غيرِ علةٍ ** وكمْ من عليلٍ عاشَ حينًا من الدهرِ
وكمْ من صغارٍ يرتجى طولَ عُمْرَهْم ** وقدْ أُدْخِلَتْ أجسادَهُمْ ظُلمَة القبرِ
وكمْ من عرُوسٍ زَينوها لِزَوجها ** وقدْ قُبضَتْ أَرْواحَهُم ليلةَ القدرِ
وكمْ من فتىَ أمسى وأصبحَ ضاحكًا ** وقدْ نُسِجَتْ أكفَانَهْ وَهوَ لا يدري

عبادَ الله: إنَّ الأعمار محدودةٌ، والآجالُ مقسومةٌ، وَكُلُّ واحدٍ قد كُتِب له حظُّه في هذه الحياة، وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ، أَنْ يُوَفِّقَهُ فَيَجْعَلَ لَهُ أَثَرًا طَيِّبًا فِي حَيَاتِهِ فَيَصِيرَ ذَلِكَ أَثَرًا حَسَنًا بَعْدَ مَمَاتِهِ، يُمِدُّ بِهِ عُمْرَهُ، وَيَزِيدَ بِهِ فِي حَسَنَاتِهِ؛ وَهَؤُلاَءِ وَإِنْ مَاتَتْ أَجْسَادُهُمْ، فَحَسَنَاتُهُمْ لَمْ تَمُتْ، وَإِنْ وَارَى التُّرَابُ أَجْسَامَهُمْ فَأَفْعَالُهُمُ الطَّيِّبَةُ وَآثَارُهُمُ الْحَسَنَةُ، لَا زَالَتْ تَرْسُمُ صُوَرًا ذِهْنِيَّةً لَدَى الْمُجْتَمَعِ، يَذْكُرُونَهُ فِيهَا بِخَيْرٍ وَيَحْتَذُونَ بِهَا، ولا يكونُ الأثرُ الحميدُ والذكرُ الجميلُ بالعلمِ أو المالِ فقط، وإنَّما يكون كَذَلِكَ بالرحمةِ والإحسانِ إلى الخلقِ، وما أجمل أنْ يجدَ الإنسانُ في صحيفتِه، حسناتٍ لم يتعب في تحصيلها، وأن يملأ ميزانه ويرتقي درجاتٍ بطاعاتٍ عَمِلَهَا غيره، فَهَذِهِ وَغَيْرُهَا مِنَ اَلأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ، لَيْسَتْ إِلَّا مِنْ ذَلِكَ الذِّكْرِ الْحَسَنِ وَالْأَثَرِ الطَّيِّبِ بعد الممات، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَّ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ قَالَ « إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ ».ويقول نبينا محمد ﷺ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ، مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»، فاتقوا الله عباد الله ولنحرصْ على الأثرِ الطيّبِ الذي نتركه بعدَ موتِنا لننعمْ بعظيمِ الأجرِ من ربِّنا، جعلنا الله جميعاً مفاتيح خيرٍ مغاليقَ شرّ.

 أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 الحمد لله الذي تفرَّد بالحياة والبقاء، وكتب على عباده الموت والفناء، والصلاة والسلام على من خُتمت به الرسل والأنبياء، وعلى آله وأصحابه وأتباعه الأولياء.

أما بعد: اتقوا الله واعلموا أن المرء هو بين عمر ماضٍ، وزمن باقٍ، وما مضى من العمر وإن طالت أوقاته، فقد ذهبت لَذَّاته، وبقيت تبعاته، وكأنه لم يكن إذا جاء الموت وميقاته، ولكن يبقى الأثر بعد وفاته؛ فتأمَّل يا عبدالله مشوارَ حياتِك وأثرك في الدنيا قبل الممات، فقد يُرزق الإنسانُ عُمَراً مَدِيدا ومالاً عَديداً، وَيَمُوتُ يوم يموتُ بِلا أثَرٍ يذكرُ، أو عملٍ عليه يشكر، وهذا منَ الحرمانِ والـخُسرانِ، وقد يعيش بعضُهم عُمُراً قصيراً، ويرحلُ بأثرٍ طيِّبٍ يـُخَلِّدُ ذكراه، فشمّرْ عن ساعدِ الجدِّ، ولا تَذْهَبْ من الدنيا، قبل أن تكون لك بصمةٌ في صلاحِ مجتمعِك، ومن الدُّعاةِ لدينك، بالتخلقِ بأخلاقِه الكريمةِ الطَّيِّبةِ، وبالقدوةِ الحسنةِ في سلوكِك وأفعالِك، فبهذه الأعمالِ الطيبةِ تضيفُ إلى عمرِك الحقيقي عمرٌ ثاني، نسأل الله تعالى أن يَجْعلنا مِمّنْ طابَ ذِكْرُهُم، وحَسُنَتْ سِيرَتُهُم، وَخَلُصَ عَمَلُهُم وَاسْتَمَرَّ أجْرُهُمْ فِي حَياتِهِمْ وَبَعْدَ مَوْتِهِم، إنه سميعٌ قريبٌ مجيب .

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد....(الدعاء مرفق)

المرفقات

1762928318_خطبة بعنوان (الأثرُ الجميلُ بعدَ الرّحيلِ)مختصرة.docx

المشاهدات 1560 | التعليقات 0