خُطبَة بِعنوان: الإِخْبَارُ بَأَسبَابِ نُزُولِ، وَغِيَابِ الأَمْطَار.

رمضان صالح العجرمي
1447/05/22 - 2025/11/13 13:12PM
خُطبَة بِعنوان: الإِخْبَارُ بَأَسبَابِ نُزُولِ، وَغِيَابِ الأَمْطَار.
 
1- أَسبَابُ نُزُولِ الأَمْطَار.
2- أَسبَابُ غِيَابِ الأَمْطَار.
 
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ) 
التذكير بأسباب نزول، وغياب الأمطار، وحث الناس على التوبة والاستغفار، والرجوع إلى الله تعالى.
 
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فَإنَّ من أعظم مظاهر رحمة الله تعالى نعمةَ نزول الأمطار؛ كما قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}، وقال تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} 
•ومن مظاهر رحمته سبحانه وتعالى أنه تكفَّل بقِسمتها على عباده؛ كما قال الله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا}
•فلن تستطيع قوة بشرية أن تحبِسَ رحمة الله تعالى بالعباد إذا أرادها، أو تُرْسِلَها إذا أمسكها؛ قال الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
•ومن رحمته سبحانه وتعالى أنه جعل للأمطار أسبابًا تُستنْزَل بها، ومفاتيح لهذه الرحمات؛ فمَن طلبها وجدها، ومن أخذ بأسباب الحصول عليها نالها، وحصل عليها في أي مكان وزمان؛ ومن هذه الأسباب التي تُستمطر بها الرحمات:
1- التوبة إلى الله تعالى؛
•فإن الله تعالى لم يكن مُغيِّرًا نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يُرفع إلا بالتوبة، فتوبوا إلى الله تعالى، واستقيموا على أمره؛ فإن ذلك من أسباب نزول الأمطار، وسَعَةِ الأرزاق؛
•قال تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}
•فالذنوب سبب لغياب الأمطار؛ كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}
2- ومن هذه الأسباب: كثرة الاستغفار؛
•فهذا نبي الله نوح عليه السلام يبيِّن لنا ثمرات وكنوز الاستغفار؛ كما قال الله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}
•وهذا نبي الله هود عليه السلام يكشف لنا سرًّا من أسرار الاستغفار في نزول الغيث وزيادة القوة؛ فقال مخاطبًا قومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}
•وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من لَزِمَ الاستغفارَ، جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همٍّ فَرَجًا، ورَزَقَهُ من حيث لا يحتسب))؛ [رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وضعفه الألباني].
•وتأمل إلى التدابير والإصلاحات الاقتصادية التي اتخذها أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، في عام الرمادة في السنة الثامنة عشرة من الهجرة؛ حيث حصل قحط شديد، وقلَّ الطعام، واستمر ذلك تسعة أشهر، وسُمِّيَ عام الرمادة؛ لأن الريح كانت تَسفي ترابًا كالرماد، فما هي التدابير والإصلاحات الاقتصادية التي قام بها عمر رضي الله عنه؟
أولًا: حث الناس على كثرة الصلاة، والدعاء، واللجوء إلى الله تعالى، والتوبة والاستغفار.
ثانيًا: خرج يصلي بالناس صلاة الاستسقاء، وصعِد المنبر فما زاد على الاستغفار، وتلاوة الآيات في الاستغفار ثم قال: "طلبت الغيث بمخارج السماء التي يُستنزَل بها المطر".
•ذكر الإمام القرطبي رحمه الله: "أن رجلًا شكا إلى الحسن البصرى رحمه الله الجَدْبَ، فقال له: استغفرِ الله، وشكا آخر إليه الفَقْرَ، فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادعُ الله أن يرزقني ولدًا، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفافَ بستانه، فقال له: استغفرِ الله، فلما سُئل عن ذلك، قال: إن الله عز وجل يقول في سورة نوح: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ..} الآيات.
3- ومنها: تقوى الله تعالى؛
•فإن مِفتاح بركات السماء، وخيرات الأرض تقوى الله عز وجل؛ كما قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}
4- ومنها: مداومة الدعاء والإلحاح على الله تعالى؛ فقد قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، وفي الحديث: ((ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدعاء)).
•ومن صور الدعاء: دعاء الخطيب على المنبر يوم الجمعة؛ ففِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ أن يُغِيثَنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، فَقَالَ: ((اللهمَّ أغِثْنا، اللهمَّ أغِثَنا، اللهم أغِثْنا)) قَالَ أَنَسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةً وَلَا شَيْئًا، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا. قال: ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ أن يُمْسِكَهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ((اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللهمَّ على الآكامِ والظِّراب، وبُطونِ الأوديةِ، ومنابتِ الشَّجرِ)) قَالَ: "فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ."
5- ومنها: الرحمة بالعباد، والشفقة عليهم؛
•فإن مما تُستجلَب به رحمة الله وتُستنزَل به من السماء: أن يتراحم من في الأرض ويُشِيعوا الإحسان فيما بينهم، وأن يعطف بعضهم على بعض، ويرفُق بعضهم ببعض؛ واسمع لهذه الأخبار: عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض، يرْحَمْكم من في السماء))؛ [رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني]. قال الطيبي رحمه الله: "أتى بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق؛ فيرحم البَرَّ والفاجر، والناطق والبُهُم، والوحوش والطير".
•بل إن الرحمة حتى بالحيوان سبب من أسباب رحمة الله تعالى.
•وتأمل هذه المرأة البغي التي لم تعمل خيرًا قط، وكيف رحمها الله تعالى؟
•وهذا الرجل الذي كان يمشي في فَلَاةٍ، فوجد كلبًا يلهث من العطش؛ فغفر الله تعالى له ورحِمه.
6- ومنها: الصَّدَقَاتُ والإِنْفَاقُ فِي سبِيلِ الله تعالى؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ، قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ (لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ) فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟! فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ؛ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ.))
7- ومنها: الخروج إلى الخَلاء لصلاة الاستسقاء؛
•فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، فَخَرَجَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ وَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ قَالَ: ((إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدَبَ دِيَارِكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ اللَّهُ أَنْ تَدْعُوَهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ)) ثُمَّ قَالَ: ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ)) ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبِلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً، فَرَعَدَتْ، وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: ((أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ.))؛ [رواه أبو دَاوُد]
•والاستسقاء: هو طلب السَّقْيِ من الله تعالى عند حاجة العباد إليه، على صفة مخصوصة؛ وذلك إذا أجدبت الأرض، وقحط المطر؛ لأنه لا يسقي ولا يُنزل الغيث إلا الله وحده.
•وحكمها: أنها سُنَّة مؤكَّدة؛ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومواظبته عليها عند انحباس المطر.
•فإذا أراد الإمام الخروج لها، وَعَظَ الناس، وأمرهم بالتوبة، والخروج من المظالم، وترك التباغض والتشاحن؛ لأنه سبب في منع الخير من الله سبحانه وتعالى.
•ويُستحَب أن يخرج الإمام إلى مكان صلاة الاستسقاء، ومعه أهل الدين والصلاح، والشيوخ من كبار السن؛ لأنه أسرع لإجابتهم، والصبيان المميزون لأنهم لا ذنوب لهم؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟)).
•ويُستحَب الخروج إليها بخضوع، وخشوع، وتذلُّل؛ فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذلِّلًا، متواضعًا، متخشِّعًا، متضرِّعًا.
•ويُستحبُ أن يحول رداءه؛ فيجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن؛ كما في الحديث: "ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ." وفي رواية: "حوَّلَ رداءه حين استقبل القبلة."، ويفعل الناس كذلك.
•والحكمة من ذلك: تفاؤلًا بأن يُحَوِّلَ اللهُ تعالى الحال إلى الأفضل.
 
نسأل الله العظيم أن يرحمنا برحمته الواسعة، وأن يُغيث العباد والبلاد.
 
الخُطبَةُ الثَّانِيَةُ: أَسبَابُ غِيَابِ الأَمْطَار.
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فكما أنَّ للمطر أسبابًا جالبة، فإن هناك أسبابًا أخرى مانعة لنزوله؛ ومنها:
1- الذنوب والمعاصي؛
•قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}
•عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: ((يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا؛ إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ؛ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ؛ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ؛ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ؛ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ.))؛ [رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني].
•فقد جاء في هذا الحديث سببان بهما يُمنع القطر من السماء، ويحصُل الجَدْبُ والقحط في الأرض:
السب الأول: في قوله صلى الله عليه وسلم: ((وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ؛ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ))، والأخذ بالسنين أحد أنواع البلاء والعذاب؛ كما قال تعالى عن عذاب آل فرعون في الدنيا: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}
‏السبب الثاني: في قوله صلى الله عليه وسلم: ((وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ؛ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ؛ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا))، هذا هو السبب الثاني لتأخُّر نزول الغيث من السماء.
2- ومن الموانع أيضًا: المكاسب غير الطيبة؛ لأن الكسب الحرام يمنع من إجابة وقبول الدعاء، ويَحُول بين العباد وبين ربهم، ولو أتَوا بجميع آداب الدعاء، وتحرَّوا جميع أوقات إجابة الدعاء؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}، ثم ذكر الرجل يطيل السفرَ، أشعثَ أغْبَرَ، يمُدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومَطْعَمُه حرام، ومَشْرَبُه حرام، ومَلْبَسُه حرام، وغُذِّيَ بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟!)).
•ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص، عندما سأله أن يكون مستجاب الدعوة: ((يا سعدُ، أطِبْ مطعمك تكُنْ مستجاب الدعوة)).
3- ومن الموانع أيضًا: القسوة بالعباد وعدم الرحمة بهم؛ فإن ذلك سبب لكل شر وبلاء، وغياب للرحمة من السماء؛ ففي الحديث الصحيح: ((من لا يرحمِ الناس، لا يرْحَمْه الله)).
 
•فاللهم أغِثْنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.
•اللهم أسْقِنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريعًا، مريئًا غدقًا، مجللًا عامًّا، نافعًا غير ضار، عاجلًا غير آجل.
•اللهم لتُحييَ به البلاد، وتُغيثَ به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والبادِ.
•اللهم سُقْيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا هدم، ولا بلاء، ولا غرق.
•اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء، والوباء والربا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
 
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل، هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام:
https://t.me/khotp
 
 
 
المرفقات

1763028755_الإِخْبَارُ بَأَسبَابِ نُزُولِ، وَغِيَابِ الأَمْطَار..pdf

المشاهدات 307 | التعليقات 2

.


.