خُطبَة بعنوان: (قِصَّـــةُ نَجَـــاةٍ.)
رمضان صالح العجرمي
1447/01/08 - 2025/07/03 10:55AM
خُطبَة بعنوان: (قِصَّـــةُ نَجَـــاةٍ.)
1- إِشَارَاتٌ مُختَصَرَةٌ لِقِصَّةِ مُوسَىٰ عَليْهِ السَّلَام.
2- فَضْلُ صِيَامِ يَوْم عَاشُورَاء، وَمَرَاتِبُ صِيَامِه.
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ)
التذكير بقصة نجاة موسى عليه السلام وهلاك فرعون، والتذكير بفضائل يوم عاشوراء، والحث على صيامه.
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فإن يَوْمَ عَاشُورَاء يومّ عظيمٌ من أيام الله، قد ارتبط بقصة نبي من الأنبياء وهو موسى عليه السلام؛ فصار هذا اليومُ تخليدًا لذكراه؛ لأن الله تعالى قد كتب له فيه النَّجَاةَ؛ فهو اليوم الذي نجَّى اللهُ تعالى فيه موسى عليه السلام، وأغرق فرعون وجنده، وفرَّق فيه بين الحق والباطل.
•وتبدأ قصة النَّجَاةِ: برؤيا رآها فِرعونُ، رُؤيَا قد هَالَتْهُ، وفُسِّرتْ لهُ بِأنَّ هَلَاكَهُ وذَهَابَ مُلكِهِ، سَيكُونُ على يَدِ غُلامٍ يُولدُ مِنْ بَني إِسْرائِيل؛ (وبنو إسرائيل هم من نسل ذرية يعقوب عليه السلام كانوا في مصر، وكان فرعونُ يستضعفهم، ويرفع من شأن الأقباط وحاشيته وجنوده)؛ فلما قيل له ذلك، أَمَرَ بِذَبْحِ كُلِّ مَولُودٍ مِنَ الذُّكُورِ!
•ومع ذلك يُولَدُ مُوسَى عليه السلام، وتُكتَبُ له النَّجَاةُ رُغمَ تِلْكَ الظُّرُوفِ والأجواء من الإرهاب والاضطهاد من فرعون لبنى إسرائيل؛ قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}
•وتَحتارُ أمُّ موسى عليه السلام، ويُوحِي إليها رَبُّها وحي إلهام بأن تأخذ بأسباب النَّجَاةِ؛ قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ ۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ}، وفي الآية الأخرى: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ}
•ويَستقرُّ تَّابُوتُ النَّجَاةِ أَمامَ قصرِ فِرعَونَ، ويُلْقِي اللهُ تعالى محبةَ مُوسى عليه السلام في قَلْبِ امْرأَةِ فِرعَونَ، فتعلَّقتْ به، وكانت سببًا في ترك قتله من فرعون؛ قال تعالى: {فَٱلْتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِـِٔينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}
•ويتربي موسى عليه السلام في قصر فرعون بعد أن هيأ الله تعالى له أسباب النجاة؛ قال تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰٓ أَهْلِ بَيْتٍۢ يَكْفُلُونَهُۥ لَكُمْ وَهُمْ لَهُۥ نَٰصِحُونَ فَرَدَدْنَٰهُ إِلَىٰٓ أُمِّهِۦكَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
•ثم تستمر رحلة النجاة بالخروج من مصر خَائِفًا يَتَرَقَّبُ يلتمسُ أسباب النجاة؛ قال تعالى: {وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍۢ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِۦ ۖ فَٱسْتَغَٰثَهُ ٱلَّذِى مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِى مِنْ عَدُوِّهِۦ فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَٰنِ ۖ إِنَّهُۥ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ}، ثم قال تعالى: {وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ ٱلْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ إِنِّى لَكَ مِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ * فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِى مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ}
•وتصل وتستقر رحلة النجاة في مدين؛ قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِى حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍۢ فَقِيرٌ * فَجَآءَتْهُ إِحْدَىٰهُمَا تَمْشِى عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍۢ قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ}
•بشائر النجاة والنُّبُّوة: الزواج من ابنة الرجل الصالح، وقضاء الأجل والرجوع إلى مصر؛ قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ ٱمْكُثُوٓاْ إِنِّىٓ ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّىٓ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ * اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ}
•فأرسله الله بهذه المهمة الدعوية الشَّآقة؛ وهي دعوة فرعون؛ قال تعالى: {اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ * قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ * فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ * إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ}
•فما كان من فرعون إلا الاستكبار والاستهزاء والوعيد والتهديد؛ قال تعالى: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، وقال تعالى: {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِين}
•ثم العلامات والمعجزات والبراهين الدالة على صدقه ونبوته عليه السلام؛ قال تعالى: {فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ}، وقال تعالى: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى}، وقال تعالى: {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}
•فلَجَأَ فِرْعَونُ إِلَى القوةِ والبطشِ، وهدَّدَ وتوعَّدَ؛ قال تعالى: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ}
•فقالوا لفرعون حين توعدهم وقد امتلأت قلبهم إيمانًا ويقينًا: {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ * وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ}
•ثم الختام مع مشهد النجاة؛ قَالَ تَعَالَى عَنِ هَذَا الْحَدَثِ العظيم: {فَلَمَّا تَرَ ٰۤءَا ٱلۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَـٰبُ مُوسَىٰۤ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ * قَالَ كَلَّاۤۖ إِنَّ مَعِیَ رَبِّی سَیَهۡدِینِ * فَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَىٰ مُوسَىٰۤ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡبَحۡرَۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقࣲ كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِیمِ * وَأَزۡلَفۡنَا ثَمَّ ٱلۡـَٔاخَرِینَ * وَأَنجَیۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥۤ أَجۡمَعِینَ * ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا ٱلۡـَٔاخَرِینَ}، وقال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}
•لَقَدْ حَصَلَ هَذَا الْحَدَثُ الْعَظِيمُ فِي اليومِ العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ، فصامه موسى عليه السلام وقومُهُ شكرًا لله تعالى، وصامه اليهودُ من بعده؛ فصامه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه؛ فَفِي الصَّحِيحَينِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟)) فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ)) فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ."
وفي رواية: ((هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى عليه السلام فنحن نصومه، فقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((نحن أَحَقُّ وأولى بِمُوسَى مِنْكُمْ))، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
•لأن النبي صلى الله عليه وسلم، والذين آمنوا معه أولى الناس بالأنبياء السابقين؛ كما قال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أحق وأولى بموسى من اليهود لأنهم كفروا به وحرَّفوا وانحرفوا.
•وقيل أيضًا: أنه اليوم الذي أنجى الله فيه نوحًا عليه السلام وقومَهُ واستوت فيه السفينةُ على الجودي؛ كما في رواية الإمام أحمد وزاد: ((وهو الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوحٌ شكرًا))
•وهو يوم جليل قدره حتى عند أهل الجاهلية، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام فزاده فضلًا وقدرًا؛ ففي صحيح البخاري عن عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها قالت: "كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ."
•وذكر ابن رجب رحمه الله في كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف، قال: "ومن أعجب ما ورد في عاشوراء أنه كان يصومه الوحش والهوام."، وقد روي مرفوعًا: أن الصُّرَد أول طير صام عاشوراء؛ [أخرجه الخطيب في تاريخه، وقد روي ذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه]، وروى عن أحد الزهاد قال: "كنت أفت للنمل الخبز كل يوم، فلما كان يوم عاشوراء لم يأكلوه.!"
نسأل الله العظيم أن يعيننا على صيام يوم عاشوراء، وأن يجعلنا من المقبولين.
الخطبة الثانية: فَضْلُ صِيَامِ يَوْم عَاشُورَاء، وَمَرَاتِبُ صِيَامِه.
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، فقد وردت نصوص كثيرة في فضل الصيام عمومًا، وفضل صيام شهر المحرم، ويوم عاشوراء خصوصًا؛ ومن ذلك:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا))، وعن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مُرْنِي بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ، قَالَ: ((عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ؛ فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ.))
•وكذلك فإن صيامه هو متابعةٌ واقتداءٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم في صومه ومداومته عليه مما جعل صيامه سنة مؤكدة؛ ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء))، وعنه رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس ليوم فضل على يوم في الصيام إلا شهر رمضان، ويوم عاشوراء)) [رواه الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات]
•فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع صيامه حتى مات؛ فعن حفصة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع صيام يوم عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر." [رواه أحمد والنسائي]
•ومما يحثنا على صيامه: وقوع هذا اليوم في شهر الله المحرم الذي يسن صيامه؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ.))
•ومما يحثنا على صيامه أيضًا: ما ورد في فضل صيامه من الأجر العظيم من تكفير ذنوب سنة كاملة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ)) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]؛ وكلنا في حاجة إلى هذه المغفرة في إدبار كل عام وإقبال آخر.
•وأما مراتب صيام عاشوراء: فله أربع مراتب:-
المرتبة الأولى: إفراده وحده بالصوم؛ فقد ورد فيه فضل عظيم كما تقدم؛ لكن كره بعض أهل العلم إفراده ورخص آخرون؛ قال ابن باز رحمه الله: "إن إفراده بالصوم مكروه للنهي عن التشبه باليهود".
•وقد وردت النصوص الكثيرة في النهي عن التشبه بالكفار والأمر بمخالفتهم: ((خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى))، ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر))، ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم))، ((خالفوا اليهود والنصارى فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم))
•ومنها النهي عن التطوع وقت طلوع، وغروب الشمس لعدم مشابهة الكفار في السجود لها.
•بل بلغت مبالغة النبي صلى الله عليه وسلم في مخالفة اليهود أنهم قالوا عنه: "مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ."
المرتبة الثانية: صيام يوم قبله: وهو اليوم التاسع وهذا الذى تمناه النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعله إن عاش إلى العام القادم لكنه مات قبله.
•قال بعض أهل العلم: ومن المستحب للمسلمين أن يجمعوا بين صيام اليوم التاسع مع يوم عاشوراء؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ))، قَالَ: "فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وفي رواية: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع))؛ ولا تنس أن تنتوي بذلك مخالفة اليهود لتحظى بالأجر بإذن الله تعالى.
المرتبة الثالثة: صيام يوم بعده: وهو اليوم الحادي عشر؛ لئلا يفرده بالصيام وعدم مشابهة اليهود.
أما أكمل المراتب: فقد ذكر العلماء صيام يومًا قبله ويومًا بعده؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا عند أحمد وابن خزيمة وغيرهم وحسنه بعض العلماء وضعفه آخرون: ((صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا فِيهِ الْيَهُودَ؛ صوموا قبله يومًا وبعده يومًا)) وفى رواية: ((صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا، أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا))
نسأل الله العظيم أن يعيننا على صيام يوم عاشوراء، وأن يجعلنا من المقبولين.
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل،هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام:
https://t.me/khotp
رمضان صالح العجرمي
عضو نشطنسأل الله العظيم التوفيق للصيام
تعديل التعليق