خطبة بعنوان (ما الفقر أخشى عليكم) مختصرة
سعيد الشهراني
خطبة ( ما الفقر أخشى عليكم )
سعيد سيف ال حلاش الشهراني-جامع عمر بن الخطاب-تندحة
الخطبة الأولى:
إن الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلى النِّعَمِ والْهِبَاتِ، وَأَشْهَدُ أن لا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ ربُّ البريات، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَتَمَ بِهِ الرِّسَالاتِ، صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد: فاتقوا اللهَ عبادَ الله، فإنَّ مَن اتَّقى اللهَ وَقَاه، وكَفَاهُ عَذَابَ آخِرَتِه وفِتَنَ دُنيَاه.
أيها المسلمون: عن عمرو بنِ عوفٍ الأَنْصاريِّ رضيَ اللَّهُ عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ أَبا عُبيدةَ بنَ الجرَّاحِ رضيَ اللَّهُ عنه إلى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجزْيَتِهَا، فَقَدمَ بِمالٍ منَ البحْرَينِ، فَسَمِعَت الأَنصَارُ بقُدومِ أبي عُبَيْدَةَ، فوافَوْا صَلاةَ الفَجْرِ مَعَ رسولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا صَلى رسولُ اللَّهِ ﷺ، انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ.. فَتَبَسَّمَ رسولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ رَآهُمْ، ثُمَّ قالَ: (أَظُنُّكُم سَمِعتُم أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ)؟ فقالوا: أَجَل يا رسولَ اللَّهِ فقــال ﷺ(أَبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسرُّكُمْ، فواللَّهِ ما الفقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلكنّي أَخْشى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُم كما بُسطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتَهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ).
عباد الله: هذا أمانٌ من النبيِ ﷺ أن الفقرَ ليسَ منه خوفٌ على هذه الأمةِ، وإنما الخوفُ عليها من الغنى وانفتاحِ الدنيا ثم التنافسِ عليها ثم الهلاكِ والعياذُ باللهِ تعالى، ولو رجعنا بذاكرتِنا إلى الوراءِ قليلاً لنتذكرَ أيامَ الفقرِ في بلادِنا لوجدنا ذلك ظاهراً ولكن كيفَ كانت حياتُهم؟ كان الناسُ متفائلينَ، شاكرينَ، حامدينَ، لربِهم عابدينَ، كانَ الغالبُ على حالِهم كما وصفَه النبيُ ﷺ (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)، كانَ عندَهم القليلُ، ويشكرونَ كثيراً، كان التقى والخشيةُ والصلاحُ هو الشعارُ الظاهرُ في ذلك الزمانِ، وكانت نعمةُ الأمنِ لا تعادلُها نعمةٌ بعد أن رأوا الخوفَ بأعينِهم، كان الناسُ يحبون لغيرِهم ما يحبونَه لأنفسِهم، فلا تجد الظلمَ ولا الحسدَ ولا الغشَ، بل لم تكن هناك محاكمُ لندرةِ القضايا بين الناسِ حيث كانت النفوسُ صافيةً، وكانت القلوبُ سليمةً، حالُهم كما قالَ النبيُ ﷺ (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ـ وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ـ).
عباد الله: كانت المساجدُ عامرةً، من يَغِبْ عنها يُعادُ إن كان مريضاً، ويُحفظُ في أهلِه إن كان مسافراً، وينصحُ إن كان مقصراً، كان برُ الوالدينِ وصلةُ الأرحامِ هي السمةُ الظاهرةِ في المجتمعِ على قلةِ المواصلاتِ والاتصالاتِ ، فلم يكنِ الناسُ يقبلون عاقاً أو قاطعاً بينَهم مستشعرينَ قولَ النبيِ ﷺ (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ)، كانت الأسرةُ تجتمعُ على وجبةِ الغداءِ والعشاءِ، (صحنٌ صغيرٌ، لكنه مُشاركٌ)، (أكلٌ قليلٌ، لكنه مباركٌ)، كان ذلك الاجتماعُ اليوميُ لا يتغيبُ منه أحدٌ، فيه الأدبُ، وفيه النصيحةُ، وفيه الاستشارةُ، وفيه الفائدةُ، كان الأبُ هو رجلُ البيتِ يعملُ في مزرعتِه أو سوقِه أو وظيفتِه ثم يرجعُ وقد أنهكَه التعبُ فتستقبلَه زوجُته وأولادُه بالشوقِ والفرحِ، يأكلُ حلالاً ولا يقبلُ الحرامَ ولو ماتَ هو وأسرتُه من الجوعِ، إذا تكلمَ سُمعَ له، وإذا أمرَ يُطاعُ، يتعلمون منه العبادةَ والأخلاق الفاضلة، ويحذرهم من الوقوع في الحرام والأخلاق الرذيلة.
كانت الأمُ مدرسةً، وهي لا تقرأُ ولا تكتبُ، لم تكن خرَّاجةً ولاَّجةً، لم يكن لها شغلٌ إلا بيتَها وزوجها وأبنائها، من احتاجَها وجدَها، فتجدها تسهرُ على المريضِ، وتواسي المصابَ، ويتعلم منها بناتُها الحياءَ والحشمةَ والعفافَ، كان الجارُ كأنه من الأقاربِ، لقربِه من جارِه، يتفقدُ حاجَته، ويُعظِّمُ حقَه، ويغضُ بصرَه، ويسترُ عورَته، يشاركُه الطعامَ والشرابَ، متمثلاً قولَ النبيِ ﷺ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ)، كان أوقاتُ الأبناءِ والبناتِ بين حفظِ القرآنِ وبين اللعبِ الشريفِ العفيفِ، فلم تكن هناك قنواتُ التواصل الإجتماعي التي فتحت أعينَهم على ما يهدمُ الفضيلةَ، فكانت فطرتُهم سليمةً، غافلينَ وغافلاتٍ عن كلِ قولٍ جارحٍ، أو فعلٍ فاضحٍ.
كان الكلُ يربي، الأبُ يربي، والأمُ تربي، والأخ يربي، والقريبُ يربي، والجارُ يربي، وإمامُ المسجدِ يربي، والمعلمُ يربي، ومن لم يمنعه دينُه عن معصيةٍ منعَه الحياءُ.
أما الآن فقد تغيرت الأحوالُ إلا ما رحم الله، فأصبحت المساجد من المصلين خاوية، وانتشر العقوق وقطيعة الأرحام، وتشتت الأسر والمجتمعات، فتجد الأب مشغولاً بالتجمع في الإستراحات، وأضاع تربية الأبناء من البنين والبنات، وكذلك الأم تجدها مشغولة في زيارة الأقارب أو الصديقات أو تجدها في الأسواق تبحث عن جديد الموضات أو الحفلات، والضحايا هم الأبناء فقد تيتموا وما زال آبائهم أحياء، فاللَّهُمَّ أصلح أحوالنا وأَقِرَّ أَعْيُنَنَا بِصَلاَحِ أَبْنَائِنَا وَأَزْوَاجِنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي لكم فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد للهِ وليِّ الصالحين، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ سيد الأولين والآخرين، والسلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد: فاتَّقُوا اللهَ تعالى وأُوصيكم بوصيةِ النبيِ ﷺ (أَبْشِرُوا وأَمِّلُوا ما يَسرُّكُمْ)، فلعلَ اللهَ تعالى يريكم ما تَقرُ به عينُكم، فيكونُ لكلِ مواطنٍ سكنٌ، ولكلِ عاطلٍ وظيفةٌ، ولكلِ مريضٍ شفاء وعافية، ولكلِ محتاجٍ إعانةٌ، ولا ننسى نعمَ اللهَ تعالى علينا من الأمنِ والأمانِ، والشريعةِ والإيمانِ، ثم اعلموا أن ما كتبَه اللهُ تعالى لكم من رزقٍ فهو آتيكُم لا محالةٍ (وَاعْلَم أَنَّ الأُمّة لو اجْتَمَعَت عَلَى أن يَنفَعُوكَ بِشيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَك)، وعليك بالرضا بما قسم الله تعالى لك تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ. فاللهُم إنا نعوذ ُبك من زوالِ نعمتِك، وتحوّلِ عافيتِك، وفَجأةِ نِقمتِك، وجميعِ سَخطِك برحمتك يا أرحم الرحمين.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد...(الدعاء مرفق)
المرفقات
1754457651_خطبة بعنوان ( ما الفقر أخشى عليكم ) مختصرة.docx