خُطبَة بعنوان: وَقَفَاتٌ مَعَ اسمِ الله العَلِيمِ.
رمضان صالح العجرمي
1447/01/22 - 2025/07/17 10:59AM
خُطبَة بعنوان: وَقَفَاتٌ مَعَ اسمِ الله العَلِيمِ.
1- مقدمة.
2- مظاهر اسم الله تعالى العليم وآثاره.
3- الثمرات المرجوَّة لمطالعة اسم الله تعالى العليم.
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ)
التذكير بهذه الآثار الإيمانية العظيمة المترتبة على مطالعة اسم الله تعالى العليم، وبيان الثمرات المرجوَّة من ذلك.
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، نُعطر أسماعكم بوقفات مع اسم من أسماء الله عز وجل الحسنى؛ فهل هناك حديث أحسن من الحديث عن الله تعالى؟ وهل هناك علم أشرف من العلم بأسماء الله تعالى وصفاته؟
•ولا شك أن من أفضل وأشرف العلوم: العلم بالله عز وجل؛ وهو أن يتعرف العبد على الله عز وجل بأسمائه وصفاته؛ فهو من أشرف وآكد العلوم وأهمها على الإطلاق؛ وكما قيل: [شرف العلم بشرف المعلوم] فما ظنك بعلم يتعلق بذات الله جل في علاه!
•والله عز وجل له من الأسماء الحسنى التي تليق بجلاله سبحانه وتعالى وردت في كتاب الله عز وجل، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}
•والعلم والإيمان بأسماء الله وصفاته، ومعرفتها وإحصاؤها من أسباب دخول الجنة؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مِئَةً إلاَّ واحِدًا؛ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ.))
•فهيا بنا، نقف مع اسم من أسماء الله الحسنى، له آثار عظيمة في حياتنا اليومية وقد لا يشعر الكثيرُ منا بها !! ولكن عندما نتعرف على هذه الآثار والمعاني العظيمة سندرك بإذن الله تعالى أهمية ومكانة وعظم هذا الاسم من أسماء الله الحسنى
•موعدنا مع اسم الله تعالى: [العليم] نتعرف على معانيه ومظاهر هذا الاسم وآثاره، والثمرات المرجوَّة من مطالعة هذا الاسم من أسماء الله الحسنى.
•فإن مما أثبته الله تعالى لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، أنه عليم بعلم وأن علمه محيط بجميع الأشياء، ومعناه: أنه تعالى علم ما كان وما هو كائن وما سيكون مستقبلًا، وأن علمه قد أحاط بكل شيء؛ كما قال تعالى: ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾، وقال تعالى: ﴿قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾
•واسم الله تعالى العليم ورد ذكره في القرآن الكريم في مائة وسبعة وخمسين موضعًا؛ منها قوله تعالى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾، وقوله تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾
•فإن الله تعالى العليم علم جميع أحوال خلقه وأرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وشقاوتهم وسعادتهم، ومَن هو منهم مِن أهل الجنة ومَن منهم مِن أهل النار؟ وعلم عدد أنفاسهم ولحظاتهم وجميع حركاتهم وسكناتهم أين تقع؟ ومتى تقع؟ وكيف تقع؟ كل ذلك بعلمه ومرأى منه ومسمع؛ كما قال تعالى: ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾
الوقفة الثانية: مظاهر اسم الله تعالى العليم وآثاره:
1- أنه يعلم ما يجري في هذا الكون من كبير وصغير؛ فما من شيء يحدث في هذا الكون، لا في الأرض ولا في السماء، ولا في البر ولا في البحر إلا ويقع بعلمه سبحانه وتعالى؛ كما قال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾
2- بل إنَّ الله تعالى العليم يعلم خفيات الأمور وبواطنها؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾، وقال تعالى: ﴿يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾، وقال تعالى: ﴿سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾
3- ومن مظاهر علمه سبحانه وتعالى أنه عالم ومُطَّلع على جميع أحوال خلقه؛ تصرفاتهم وحركاتهم وسكناتهم وكل ما يصدر عنهم من قول أو فعل؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾
4- بل إنه يعلم ما في السرائر وما تُكِنُّه الضمائر وما تخفيه الصدور؛ فكثيرًا ما نقرأ قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، وقوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾، وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾
5- ويعلم سبحانه وتعالى ما في نفوس العباد من الخواطر والأسرار؛ فالسر عنده علانية سبحانه وتعالى؛ كما قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾
6- ومن مظاهر اسم الله تعالى العليم أنه اختصَّ لنفسه علم الغيب، وهو كل ما غاب عنا من الماضي والحاضر والمستقبل فلم يطَّلِع عليه أحد، لا ملك مُقرَّب ولا نبيٌّ مرسل؛ فضلًا عن ولي أو عالم أو شيخ؛ قال الله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾
•فالملائكة لا يعلمون الغيب؛ كما قال تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾، وكذلك الرُّسُل والأنبياء؛ كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾، وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾، والجن أيضًا لا يعلمون الغيب؛ كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾؛ فمن علم ذلك تمام العلم كيف له أن يتصوَّر أو يُصدِّق أن هناك مَن يعلم الغيب من السحرة والكُهَّان والعرَّافين والمُنجِّمين؟! فكل ذلك من الشرك والعياذ بالله؛ فإن هؤلاء لا يعلمون الغيب إلا ما ينقله لهم مسترقو السَّمْع من الجن الذين يسمعون الخبر والأمر من السماء فينقلها للساحر أو العرَّاف فيكذب معها مائة كذبة؛ وقد يكون علم ما هو كائن الآن في مكان آخر، وذلك عن طريق الجن الذي أعطاه الله تعالى القدرة على التنقُّل من مكان لآخر في لحظات؛ كما قال الله تعالى عنهم: ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾
7- ومن مظاهر اسم الله تعالى العليم أن له العلم المطلق؛ فقد علم سبحانه وتعالى ما كان وما هو كائن وما سيكون مستقبلًا؛ فأمَّا علمه لما كان: فقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن أحوال الأمم السابقة وعن أدقِّ تفاصيل إهلاكهم؛ كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾، وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا﴾، وأمَّا علمه لما هو كائن: فتأمَّل ثمانية مليار من البشر على سطح هذه الأرض، يعلم سبحانه وتعالى من هو متحرك أو ساكن، ومَن هو نائم أو مستيقظ، ومَن هو يأكل أو يشرب، مَن هو في طاعة أو معصية؛ كل ذلك بعلمه ومرأى منه؛ كما قال سبحانه وتعالى: ﴿لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾، وأمَّا علمه لما سيكون: فقد أطلعنا الله تعالى في كتابه على أدَقِّ تفاصيل وأهوال يوم القيامة وتفاصيل ما يجري في هذا اليوم العظيم؛ فقال تعالى: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ...﴾، وقال تعالى: ﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ...﴾
•واسمع لهذا الخبر: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾
•واسمع لدقة تفاصيل هذا المشهد: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾
8- بل وعلم سبحانه وتعالى ما لم يكن لو كان كيف سيكون؟ سواء من الممكنات أو المستحيلات؛ فهناك أشياء لم يكتبها الله تعالى ولم يقدرها، ومع ذلك علم كيف ستكون لو وقعت؟ فمن أمثلة الممكنات: هو تخلُّف المنافقين عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعذرهم بأعذار واهية؛ كما قال تعالى: ﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، فقال الله تعالى عنهم: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾، فهؤلاء لم يقدر الله تعالى لهم الخروج لعلمه ما في قلوبهم من نفاق، ومع ذلك فقد علم نتيجة خروجهم إذا خرجوا؛ فقال تعالى: ﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾، ومنها قول الله تعالى عن أهل النار عندما يتمنون الخروج منها: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾، ومنها قوله تعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾
وأمَّا أمثلة المستحيلات؛ فمن المستحيل أن يكون هناك إله أو آلهة أخرى مع الله تعالى؛ فهذا لا يكون ومع ذلك أخبرنا جل في علاه نتيجة ذلك لو كان؛ فقال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾، وقال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾
نسأل الله العظيم أن يُقوِّي إيماننا.
الخطبة الثانية: الثمرات المرجوَّة لمطالعة اسم الله تعالى العليم.
1- اسم الله تعالى العليم رسالة لكل مُبْتلًى ومظلومٍ ومكروبٍ؛ رسالة طُمَأْنينة أن العليم يعلم بأحوالهم ومطَّلِع عليهم، وعالم بأحوال المرضى وعالم بأنينهم وآلامهم وأوجاعهم.
•رسالة تهديد ووعيد لكل ظالم وكل طاغٍ مُتجبِّر؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾، وقال تعالى: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ﴾
•رسالة لكل مظلوم بأنه ليس بغافل عنهم؛ ففي الحديث الصحيح: ((اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنَّك ولو بعد حين))؛ [صحَّحه الألباني].
•رسالة لكل عاصٍ مُسْرف على نفسه بالذنوب والمعاصي أن العليم يعلم بك وبمعصيتك مهما استخفيت وتسترت؛ كما قال تعالى: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾
•رسالة لكل طائعٍ وكل عامل مجتهد أن العليم مُطَّلع على أعمالك، وسيُجازيك إحسانًا؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾، وقال تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾
•رسالة لكل تائب لو علم العليم من قلبك صدقًا وإخلاصًا وخيرًا لوفَّقَك لكل خير؛ كما قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؛ فإذا علم منك صدقًا في ترك التدخين أو أي معصية غيرها، وإذا علم منك صدقًا لتكون من أهل صلاة الفجر وغيرها من أبواب الخير؛ كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾
2- ومن الثمرات المرجوَّة: أنه يُورِث العبد الاستقامة والمراقبة لله تعالى؛ وهذا هو مقام الإحسان الذي أخبر عنه النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)).
3- ومن الثمرات المرجوَّة: أن يُورِث العبد الحياء من الله تعالى، فلا يصدر منه إلا ما يرضيه؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((استَحيوا مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ.)) قال: قُلنا يا نبيَّ اللهِ، إنَّا لنَستَحيي والحمدُ للهِ، قال: ((ليسَ ذلكَ، ولكن الاستِحياءُ مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ؛ أن تحفَظَ الرأسَ وما وَعى، وتحفَظَ البطنَ وما حوَى، ولتذكُرَ الموتَ والبِلَى، ومَن أرادَ الآخرةَ ترَكَ زينةَ الدُّنيا، فمَن فعل ذلكَ؛ فقد استَحيا مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ.)) [رواه الترمذي، وصححه الألباني.]
4- ومن الثمرات المرجوَّة: أنه يقوي في قلب المؤمن عقيدة القضاء والقدر، وأن كل ما أصابه هو بعلم الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾
5- ومن الثمرات المرجوَّة: أن من تعرَّف على اسم الله العليم وعرفه حق المعرفة علم أن علمه قاصر؛ لا يدري أين الخير من الشر؟ كما قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾؛ فالصحيح أن يرد كل شيء إلى علم الله تعالى، فهو الذي يعلم مصالح العباد وما ينفعهم في دُنْياهم وآخرتهم؛ فما حرم الله عليك شيئًا إلا لعلمه أنه يضرُّك في الدنيا والآخرة، وما أفقرك ومنعك من الحرام وما حرمك من الملك والجاه والقوة والسيارة إلا لعلمه أن ذلك سيُطغيك؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾، وما ابتلاك من ضُرٍّ وبلاء ومصائب إلا لعلمه حاجتك لثوابها وأجرها؛ واسمع لهذه الأخبار: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾؛ وتأمَّل في قصة الغلام الذي قتله الخضر بأمر الله تعالى؛ فإنه علَّل قتله بقوله: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من عباده المؤمنين.
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل، هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام:
https://t.me/khotp