خطبة بعنوان ( وقفات مع نهاية العام ) مختصرة
سعيد الشهراني
خطبة ( وقفات مع نهاية العام )
سعيد سيف الشهراني-جامع عمر بن الخطاب-تندحة
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، وأشْهَدُ أن لّا إِلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرٍا.
أمَّــا بَعْـدُ: فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).
أَيُّهَا المؤْمِنُونَ: وها نحن على أعتابِ وداع هذا العام، واستقبال عام جديد، فقد مَضَتْ سَنَواتٌ مِنْ أَعْمَارِنَا، كُتِبَتْ فِيهَا صَحَائِفُنَا، وَحَمَلَتْ بَيْنَ طَيَّاتِهَا مَا أَوْدَعْنَاهُ فِيهَا مِنْ عَمَل، ٍيَقِفُ أولو الألبابِ وقفةَ اعتبارٍ وادِّكار، يَتفكّرونَ في سرعةِ انقضاء الأيام وكأنّها ساعةٌ مِن نهار، فَلَيْلٌ يَعْقُبُهُ نَهَارٌ وَعَامٌ يَتْلُوهُ عَامٌ، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ، وَحَوْلَ انْتِهَاء الْعَام الْهِجْرِيّ يا عِبَادَ اللهِ نَسْتَخْلِصُ بَعْضَ الدُّرُوسِ وَمِنْهَا:
أَوَّلًا: فِي تَصَرُّمِ الأَعْوَامِ مُدَّكَرٌ، وَفِي تَعَاقُبِ الأَيَّامِ مُعْتَبَرٌ، فَالأَعْوَامُ وَالأَزْمَانُ مَنَازِلُ يَنْزِلُهَا الناسُ، فَيَشِبُّ الصَّغِيرُ، وَيَشِيبُ الْكَبِيرُ، وَيَجْرِي الْقَلَمُ، وَتُمْلأُ الصُّحُفُ، وَالْعَاقِلُ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُقدُِّمُ في كلِّ مرحلةٍ زادًا يَنْفَعهُ فِي ثَنِيَّاتِ الطَّرِيقِ، قَبْلَ انْقِطَاعِ السَّفَرِ وَمُبَاغَتَةِ الأَجَلِ، قَالَ ﷺ: (اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ) أخرجه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني، وفي تَصَرُّمُ الأَعْوَامِ يا عباد الله تَذْكِيرٌ بِحَقِيقَةِ الدُّنْيَا وَسُرَعَةِ زَوَالِهَا وَتَقَلُّبِهَا بِأَهْلِهَا، لا يَقِرُّ لَهَا قَرَارٌ، وَلا يَدُومُ فِيهَا حَالٌ، صَفَاؤُهَا مَشُوبٌ بِكَدَرٍ، وَصِحَّةٌ يَعْقُبُهَا مَرَضٌ، مَتَاعُهَا قَلِيلٌ وَعُمْرُهَا قَصِيرٌ، وَحَالُ المسْلِم فِيهَا كَمَا قَالَ مُؤْمِنُ آَلِ فِرْعَوْنَ لِقَوْمهِ: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) وَوَصَفَهَا النَّبِيُّ ﷺ بِقَوْلِهِ:(مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إلّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَها) أخرجه الترمذي وصححه الألباني، فَمَتَى عَقِلَ المُسْلِمُ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ هَانَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا، وَتَرَكَهَا لأَهْلِهَا، وَأَقْبَلَ عَلَى الأَخِرَةِ وَجَدَّ فِي طَلَبِهَا، قَالَ تَعَالَى: (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ).
ثَانِيًا: كَمْ مَرَّ عَلَيْنَا فِي هَذَا الْعَامِ مِنْ مَصَاعِب وَشَدَائِدَ؟ وَكَمْ دَاهَمَتْنَا هُمُومٌ وَمَصَائِب فَأَعْقَبَهَا فَرَجٌُ، وَتَلاهَا خَيْرٌ، وَصَرَفَهَا اللهُ عزَّ وجلَّ بِلُطْفِهِ وَكَرَمِهِ، فَلْيُحْسِنِ المسْلِمُ الظَّنَّ بِرَبِّهِ، وَيُوقِنُ بِمَعِيَّتِهِ وَنَصْرِهِ (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).
ثَالِثًا: مَنْ كَانُوا بَيْنَنَا في هَذَا الْعَامِ، ثُمَّ هُم الآَنَ تَحْتَ الثَّرَى، أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا، طُوِيَتْ صَحَائِفُهُم، وَرُفِعَتْ أَعْمَالُهُم، وَلا زَالَتْ آَمَالُهُم قَائِمَةً، ومُخَطَّطَاتُهُم مَرْسُومَةً، لكنَّ الموتَ فَاجَأَهُمْ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا لَهُ رَدًّا، فَحَرِيٌّ بِالمسْلِم أَنْ يَعْتَبِرَ بِمَنْ مَاتَ ويُعدَّ الزَّادَ لِمَا هُوَ آَتٍ.
رَابِعًا: إِنَّ التَّاجِرَ اللَّبِيبَ إِذَا شَارَفَ انْتِهَاءُ عَامِهِ التُّجَارِي، جَمَعَ أَوْرَاقَهُ، وَأَعَادَ حِسَابَاتِهِ، وَرَاجَعَ مُدْخَلاتِهِ وَمُخْرَجَاتِهِ، وَهَكَذا المسْلِمُ الْحَصِيفُ فِي عَلاقَتِهِ مَعَ اللهِ عزَّ وجلَّ، يُوَدِّع العَامَ بِجلْسَةِ مُحَاسَبةٍ للنَّفْسِ، كَيفَ حَالهُ مَعَ الْفَرَائِضِ والْوَاجِبَاتِ، وَأَيْنَ هُوَ مِنَ النَّوَافِلِ وَالْقُرُبَاتِ، وَمَا حَالُ أسرته وَمَنْ هُمْ تَحْتَ يده، هَلْ عَلَّمَ وَقَوَّمَ وَشَجَّعَ، أَمْ أَهْمَلَ وَقَصَّرَ وَضَيَّعَ؟! فَإِنْ كَانَ خيرًا حَمِدَ اللهَ وَازْدَادَ، وَإِنْ كَانَ غَيرَ ذَلِكَ، فَلْيُرَاجِعْ نَفْسَهُ، أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرِّجِيمِ: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).
أقولُ قَوْلِي هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَجُودِهِ وَإِكْرَامِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيْرَ رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد: فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ أَفْضَلَ مَا يَسْتَهِلُّ بِهِ المُسْلِمُ عَامَهُ الْجَدِيدَ تَوْبَةٌ صَادِقَةٌ خَالِصَةٌ للهِ سُبْحَانَهُ، تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوب وَتُزِيلُ مَا رَانَ عَلى الْقُلُوبِ، والتَّوْبَةُ أَفْضَل مَا يَسْتَقْبِلُ بِهِ المسْلِمُ يَوْمَهُ وَشَهْرَهُ وَعَامَهُ، قَالَ تَعَالَى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وَقَالَ أَيْضًا:(فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ)، وقَالَ ﷺ:(وَاللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً) أخرجه البخاري، وَلَيْسَت التَّوْبَة قَوْلًا بِاللِّسَانِ فَقَطْ، إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَزْمٌ بِالْقُلُوبِ، وَإِقْلاعٌ عَن الذُّنُوبِ، والنَّدَم عَلى الْعُيُوبِ، وَرَدٌّ لِلْمَظَالِمِ وَالْحُقُوقِ، فَإِذَا وَقَعَتْ التَّوْبَة مَوْقِعها آَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَينِ، فَيُجَازِيهِ الْكَرِيمُ بِالْعَفْوِ، وَيُبَدِّل السَّيِّئَات إِلَى حَسَنَات، قَالَ سُبْحَانَهُ: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا).فاتّقوا اللهَ رحمَكم الله، واشكروا ربَّكم حيثُ أَفسحَ في آجالِكم، وأَمدَّ في أعمارِكم، وحاسِبُوا أنفسَكم فإنّكم عن دنياكم قريبًا راحلون، وبينَ يديِ اللهِ موقوفون، وعن أعمالِكم محاسبون، فاللهم اجعلنا ممن يغتنم أوقاته بالطاعات؛ والإبتعاد عن المعاصي والمحرمات .
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد... (الدعاء مرفق)
المرفقات
1750226163_خطبة بعنوان وقفات مع نهاية العام ^M) مختصرة.docx