خطبة ( عاشوراء قصة وعبرة ) مختصرة

سعيد الشهراني
1447/01/07 - 2025/07/02 09:06AM

خطبة ( عاشوراء قصة وعبرة )

سعيد سيف الشهراني-جامع عمر بن الخطاب-تندحة

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَنَا لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، أَحْمَدُه سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّم عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَعَظِّمُوهُ وَخَافُوهُ وَرَاقَبُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اتَّصَفَ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ وَالْعَظَمَةِ وَالْإِفْضَالِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنِ الْأَنْدَادِ وَالْأَمْثَال.

عِبَادَ اللهِ: يوم غداً السبت هو اليوم العَاشِرِ مِنْ شهر محرم؛ وهُوَ يَومُ عَاشُورَاءَ؛ وَفِيهِ وَقَعَ حَدَثٌ عَظِيمٌ، وَنَصْرٌ لِلمُؤمِنينَ مُبِينٌ، وَذُلٌ للطُّغَاةِ الكَافِرِينَ، أعْلَى اللهُ تَعَالَى فِيهِ الحَقَّ وَأظْهَرَه، وَأزْهَقَ البَاطِلَ وَدَحَرَهُ، نَصَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ عَلى عَدُوِّهِ فِرْعَونَ وَجُنُودِه، وَقِصَّةُ مُوسَى وَفِرْعَونَ يا عباد الله مِنْ أَشْهَرِ مَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى مِنْ قَصَصِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ؛ وَفِيهَا ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ، وَعِبَرٌ لِلمُعْتَبِرِينَ{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .

أيها المسلمون: وأَمَّا قِصَّةُ مُوسَى عِلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ؛ فَلِعِظَمِهَا وَكَثْرَةِ عِبَرِهَا؛ وَرَدَتْ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ كَثِيرًا، فَجَاءَتْ مَبْسُوطَةً مُفَصَّلَةً فِي مَوَاضِعَ؛ كَمَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَطَهَ، وَالشُّعَرَاءِ وَالْقَصَصِ، وَجَاءَتْ مُخْتَصَرَةً مُجْمَلَةً فِي مَوَاضِعَ أُخْر؛ وَمِنْ أَخْصَرِهَا قُولُهُ تَعَالى{ وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ، فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ}. 

عِبادَ اللهِ: أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَبْرَزِ الْعِبَرِ فِي هَذِهِ القِصَّةِ: بَيَانُ كَمَالِ قُدْرَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلا؛ يُصَرِّفُ الكَونَ كَيفَ يَشَاءُ؛ جَعَلَ البَحْرَ لِمُوسَى طَرِيقًا يَبَسًا، ولِفِرْعَونَ هَلَاكًا وغَرَقًا؛ فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، ومِنْ أَبْرَزِ الْعِبَرِ أيضاً: أنَّ النَّصْرَ بِيَدِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَهُوَ نَاصِرٌ أَوْلِيَاءَهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}؛ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، الخَلْقُ خَلْقُهُ وَالمُلْكُ مُلْكُه؛{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ومِنْ أَبْرَزِ الْعِبَرِ أيضاً: أَنَّ البَاطِلَ مَهمَا عَلا زَبَدُهُ، وَارتَفَعَ دُخَانُهُ، إِلاَّ أَنَّهُ وَاهٍ وَمَهزُومٍ، فَفِرعَونُ أَطغَى الطُّغَاةِ! مَا تَرَكَ شَيئًا مِن الْفَسادِ إلَّا فَعَلَهُ وَلا سُوءً إلَّا نَشَرَهُ والنتيجة أن الله قد (أَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولى* إِنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لِمَن يَخشَى).

عِبَادَ الله: وَقَدْ يَتَخَلَّفُ النَّصْرُ عَنِ المُؤمِنِينَ زَمَنًا يُقَدِّرُهُ اللهُ عَزَّ وجلَّ؛ وَلِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا سُبْحَانَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ}.وَكذلك قَد يَتَخَلَّفُ النَّصْرُ لِأسْبَابٍ مِنَ العِبَادِ؛ كَالعُجْبِ بِالقُوَّةِ وَالاغْتِرَارِ بِهَا، وَكَالتَّقْصِيرِ فِي الوَاجِبَاتِ وارتِكَابِ المُحَرَّمَاتِ، وَتَرْكِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنكَرِ؛ قَالَ تَعَالَى{ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، فاتقوا الله رحمكم الله واعلموا أَنَّ النِّعَمَ تُقَابَلُ بِالشُّكْرِ؛ وَالشُّكْرُ سَبَبٌ لِدَوَامِ النِّعَمِ؛ فكُلَّمَا تَجَدَّدَتْ لَكَ نِعْمِةٌ، وَانْدَفَعَتْ عَنْكَ نِقْمَةٌ؛ فَأَحْدِثْ لَهَا عِنْدَ ذَلِكَ لِلهِ تَعَالَى شُكْرًا؛ نَصَرَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ فَصَامَ شكرًا للهِ تَعَالى .جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الشَّاكِرِينَ السُّعَدَاءِ، وَجَنَّبَنَا الشَّقَاءَ وَأَهْلَهُ .

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية: 

الحمد للهِ وليِّ الصالحين، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ سيد الأولين والآخرين، والسلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين.

أَمَّا بَعْدُ: اتقوا الله واعلَمُوا أنَّ هُنَاكَ أُمُورًا تَتَعَلَّقُ بصيام هذا اليوم يوم عَاشُورَاءَ:

فَمِنهَا: اسْتِحْبَابُ صِيَامِهِ، يَقُولُ ﷺ (وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَمِنْهَا: أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ مَعَهُ، لِتَحْقِيقِ مُخَالَفَةِ اليَهُودِ؛ فَإِنْ لَمْ يُفْعَلْ فَالحَادِيَ عَشَر؛ لِقَولِهِ ﷺ (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَكذلك أنَّهُ لَا يُشرَعُ فِي عَاشُورَاءَ وَلَا فِي غَيرِهِ أيُّ عَمَلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ والذي ثَبَتَ فِي هَذَا اليومِ إنَّمَا هُوَ الصِّيام، وَمِنْهَا: أَنَّهُ ينَبَغِي لِلمؤمنِ أنْ يَفْرَحَ بِكُلِّ نَصْرِ لِلإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، وَخُذْلَانٍ لِلكُفْرِ وَأَهْلِهِ، يَفْرحُ عِندَمَا يَرْتَفِعُ الحَقُّ وَيَظْهَرُ، وَعِنَدمَا يُزهقُ الباطلُ ويُدحَر؛ قال تعالى {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}، فاتّقوا اللهَ رحمَكم اللهُ وصوموا يومَ عاشوراء، وحُثّوا أهليكم ومَن تحتَ أيديكم على صيامِه، فإنّها فرصةٌ ساقها اللهُ إليكم، ليغفرَ لكم ذنوبَكم ويَتوبَ عليكم، واحذروا ما أُحدثتْه بعضُ الفِرَقِ الضّالةِ في يومِ عاشوراءَ مِن بدعٍ ما أَنزلَ اللهُ بها مِن سلطان، كاتّخاذِ ذلك اليومِ عيدًا، والزموا ما شرعَه اللهُ لكم وما سَنَّه لكم نبيُّكم وما كانَ عليه سلفُكم، ففي ذلك فلاحُكم وسعادتُكم.

هذا وصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نبيكم محمد...(الدعاء مرفق)

المرفقات

1751437563_خطبة ( عاشوراء قصة وعبرة ) مختصرة.docx

المشاهدات 2670 | التعليقات 0