خطبة عيد الأضحى، التسليم لله
فهد السعيد
1446/12/09 - 2025/06/05 17:19PM
الحمد لله حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه، حمداً يملأ البحر والتراب، ويَسَعُ السُّهولَ والهِضَابَ، حَمْدَاً يَلِيقُ بعظمته، ويَبْلُغُ القَبَولَ والثَّواب.
لكَ الحمدُ حَمدًا نستلذُّ بهِ ذكرا ... وإن كنتُ لا أُحْصي ثَناءً ولا شُكْرا
لكَ الحمدُ حَمدًا طيبًا يَمْلَأُ السَّما ... وأقطارَها والأرضَ والبَرَّ والبحرا
لكَ الحمدُ حمدًا سرمَديًّا مُباركًا ... يَقِلُّ مِدادُ البحْرِ عن كُنهِهِ حَصْرا
لكَ الحمدُ تَعظيمًا لوجهِكَ قائِمًا ... بحقِّكَ في السَّرَّاء مِني وفي الضرَّا
لكَ الحمدُ مقرُونًا بشكرِكَ دائمًا ... لكَ الحمدُ في الأولى لكَ الحمدُ في الأُخرى
لكَ الحمدُ حمدًا طيبًا أنت أهلهُ ... على كلِّ حالٍ يَشْمَلُ السِرَّ والجهْرا
لكَ الحمدُ موصُولًا بغيرِ نِهايةٍ ... وأنت إلهي ما أحقَّ وما أحْرَى
لكَ الحمدُ يا ذا الكبرياءِ ومن يكُن ... بحَمدِكَ ذا شُكرٍ فقد أحْرَزَ الشُّكْرا
اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كبيراً
والْحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، وسُبْحَانَ اَللَّهِ بِكُرَةٍ وَأَصِيلاً.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ حَقٍّ، قَامَ بِهَا الْقَلْبُ صِدْقًا، وَأَفْصَحَ بِهَا اللِّسَانُ نُطْقًا، وَاسْتَقَامَتْ لَهَا الْجَوَارِحُ وَخَضَعَتْ لَهَا الْأَرْكَانُ شوقاً.
وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، النَّبِيُّ الْكَرِيمُ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا صَلَّى مُؤْمِنٌ وَأَنَابَ، اللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا رَجَعَ مُذْنِبٌ وَتَابَ، اللَّهُ أَكْبَرُ كُلَّمَا عَادَ الْعِيدُ وَآبَ. اللَّهُ أَكْبَرُ مَا تَرَدَّدَ التَّكْبِيرُ لِلَّهِ فِي طُولِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَعُرْضِهَا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ. اللَّهُ أَكْبَرُ مَا كَانَ عِيدٌ، وَمَا كَانَتْ أُضْحِيَّةٌ. اللَّهُ أَكْبَرُ مَا كَانَتْ ذِكرَى الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَتَجَدَّدُ كُلَّ عَامِ. وَأُمَّةُ وَرَسُولُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى النَّاسُ بِدِينِهِ؛ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾
الله أكبر تُحْيي الروحَ أحرفُها اللهُ أكبرُ تُرْوي القلبَ توحيدا
أَمَّا بُعْدُ: فيا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ: اتُّقُوا اللَّه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لاَتُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى يَزِدْكُمْ ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾
معاشرَ المسلمين: أنتم في يومِ الحجِّ الأكبر ويومِ النحر ويَومِ العيدِ المبارك، يومٍ عظيم يُطِلُ علينا كلَّ عامٍ ليذكرَنا بتاريخ الأُمة المجيد وتراثها العَريق، يَرْبِطُ حاضرَ الأمة بماضيها ويَصِلُ آخرُها بأولها، يُذكرنا بِحَدَثٍ من أحداث التاريخ وقصة عجيبة، ألا وهي قصةُ إبراهيمَ الخليلِ المُتَجَذرةُ في عُروق الزمن، نَتَذكَّر الخليلَ وأسرته عند رؤية المناسك، وعند الطوف والسعي بين الصفا والمروة، ونتذكره حين نستقي من زمزم، ونتذكره عن ذبح الأضاحي، وعند رمي الجمرات.
أيها المسلمون: في مَشْهدٍ عجيبٍ يُصوره القرآنُ كأنَّا نَرَاه رَأْيَ العَيْن، ولولا ثُبُوتُه في القرآن لم تُصَدُقه العُقولُ، إنَّه مَشْهدٌ من مَشاهدِ التَّسْليمِ ومَشْهدٌ من مشاهدِ اليقين والرضا، والاستجابةِ لأَمرِ اللهِ يُجَسِّدُه إبراهيمُ عليه السلامُ وابنُه إسماعيلُ، في حَادثةٍ وقِصةٍ لا يَنْتهي منها العَجَبُ، حَدَّثَنا عنها القرآنُ رَمْزُها شَيخُ كبيرُ كان مَقطوعاً من الأهلِ والقَرابةِ بَلَغَ الكِبرَ ولا وَلَدَ له يُعِينُه، وكان يدعو اللهَ أنْ يَرْزقَه بِوَلَدٍ فيقول: (رب هب لي من الصالحين) حتى إذا رُزِقَ بِوَلدٍ على كِبَرٍ وَهَرمٍ، ولدٍ طالما كان يَنْتظرُه بفارغ الصبر تَمَثَّل لِلهِ بالشكر قائلا: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء) فمَا أنْ بَلَغَ الولدُ شَبَابَه واسْتَوى على أَشُدِّه وبَلَغَ معه السَّعي – أي: بلغَ السِّنَ الذي يُمكنه أنْ يَسَعَى مع أَبيه في أشغاله وحَوائجه- (قال إني أَرَىَ في المنام أني أذبحك) ورُؤيا الأنبياء وحي وحق.
وهنا يَقِفُ المَرءُ متسائلاً، كَيفَ يا تُرى كان شُعورُ إبراهيم؟ وكيف اسْتقبلَ إسماعيلُ هذا الأمر؟ أَهِيَ سَاعةِ الفِراقِ ولَحْظَةُ الوداع؟
أمَّا إبراهيمُ فإنه لم يتردد ولم يُخالجِه إلا شُعورُ الرضى والتسليم دُونَ أَنْ يَسألَ أَو يُناقشَ، بلِ اسْتَقبلَ أَمْرَ رَبِّه بطمأنينة وهدوء.
جاء الأمرُ الرباني إلى إبراهيم بِذْبِح ابنه الوحيد، فسارعَ مُبادراً إلى أَمْرِ ربه: (يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك) لا خَيَارَ ولا تَرَدُّدَ ولا انْزِعَاجَ ولا هَواجسَ رَدِيئةً، بل هو التسليم والطاعة والانقياد.
أمَّا الابنُ فكان مَوقِفُهُ لا يَقِلُّ ثَبَاتاً واسْتِسْلاماً عن موقف أَبيه الذي رَبَّاه وَغَذَّاه بالخُضوع لأمرِ الله قبل أنْ يُغَذِيهُ بالطعام والشراب (قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين).
وهذا مَحَكُّ الاسْتسلام، تأملوا قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).
فيَمْضِي إبراهيمُ قُدُمَاً لينفذ أَمرَ اللهِ بابْنِه إسماعيلَ طَوْعَاً ورِضَاً ويَكُبُه على وَجْهه لئَلا يَرَى شَفْرَة الموتِ وسَيْفَ القتل، وهنا تَمَّ الابتلاءُ وَوَقَعَ الامتحان، وعَرَفَ اللهُ من إبراهيم وابنِه الصدقَ بامْتثالِ الأَمرِ، ومَضَتْ بذلك سُنَّةُ النَّحر في الأَضْحَى سُنَّةً باقيةً إلى يوم الدين ليتذكرَ المُضَحي هذا الحدثَ العظيمَ والآيةَ الخالدة (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ).
(فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم) أَسْلَمَ إبراهيمُ وَلَدَه وأَسْلَمَ إسماعيلُ نَفْسَه، وتَمَّ أَمْرُ اللهِ وامْتِحَانُه وابتلاؤُه، وَتَمَّت للأَب وابنِه الرِّفعةُ والدرجةُ الرفيعة (إنا كذلك نجزي المحسنين) أي: هَكَذا نَصْرِفُ عَمَّنْ أَطَاعَنا المَكَارهَ والشدائد، ونَجْعلُ لهم من أمرهم فَرَجَاُ ومَخرجاً، وهذه سنةُ الله (ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) ثُمّ إنَّ اللهَ أَبْقَى لإبراهيمَ ذِكْرَاً حَسَنَاً بين الناسِ فَكَانَ الناسُ من كل أُمَّةٍ ومِلةٍ يُحِبونُه ويُجِلونه، وهذا معنى قوله: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) تِلكَ عَاقبةُ المتقين وهذه خَاتمةُ الصادقين.
أيها المسلم: إنّ مَعْنَى انْتمائِكَ للإسلام أَنْ تَسْتَسْلمَ وتَنْقَادَ لأَوامرِ الإسلام، وأَنْ لا تُنَازعَ في شيءٍ من تلك الأحكام، لأَنّ تلكَ الأَوامرَ مِنْ لُدِنْ حَكيمٍ خَبيرٍ، شَرْعُهُ حَقُّ وحُكْمُه حَقُّ (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًاً)، أما المنافقونَ والكافرونَ فَهُمْ في غياهب المُنازعةِ والمعارضة (إذا دُعُوا إلى اللهِ وَرَسُولُه لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقُ مِنْهمْ مُعْرِضُونَ وإنْ يَكُنْ لَهُمُ الحَقُّ يَأْتُوا إليه مُذْعِنِين)
أيها المسلمون: مَنْزلةُ الرِّضا والتسليمِ مَنْزلةٌ عاليةٌ ومَقَامٌ عظيمٌ من مَقَاماتِ العبودية، إذا بَلَغَها العَبْدُ اسْتَراحَ ضَميرُه واطْمَأنَّ خَاطِرُه، وسَكَنَتْ نَفْسُه وانْشَرحَ صَدْرُه، وأشْرَقَتْ رُوحُه، ومَنْ تَرَكَ شَيئاً للهِ لم يَجِدْ فَقْدَه.
إن مبدأ التسليم لم ينفرد به إبراهيم بل كانَ للأنبياءِ الكرامِ كلِّهم قَصَبُ السَّبْق؛ واقتفى طريقتهم المؤمنون والمتبعون لهم بإحسان (ومَا كانَ لمؤمنٍ ولا مُؤْمنةٍ إذا قَضَىَ اللهُ أَمْراً أَنْ يَكونَ لهم الخِيَرةُ مِنْ أَمْرِهم) .
الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيرا
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين والمؤمنات من كل الذنوب والخطيآت، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد للهِ المُبْدئِ المُعيدِ، الحَميدِ المَجيد، نَقولها في كل عيد، والله أكبر على مَرِّ الأيامِ في تجديد.
اللَّهُ أَكْبَرُ مَا اِجْتَمَعْنَا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَحُبِّهِ وَطَاعَتِهِ إِيمَانًا بِهِ، وَاحْتِسَابًا لِوَجْهِهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا هَوَتِ الْقُلُوبُ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، فَأَتَاهُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ اللَّهُ أَكْبَرُ مَا طَافَ طَائِفٌ حَوْلَ الْبَيْتِ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا سَعَى سَاعٍ بَيْنَ الصَّفَا وَاَلْمَرْوَةَ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَاَ وَقَفَ وَاقِفٌ عَلَى صَعِيدِ عَرَفَاتٍ يَتَذَكَّرُونَ الْوُقُوفَ الْأَعْظَمَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا نَحَرَ الْمُسْلِمُونَ أَضَاحِيَّهُمْ طَاعَةً لِرَبِّهِمْ وَإِحْيَاءً لِشَعَائِرِهِ، ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾، اللَّهُ أَكْبَرُ مَا تَزَاوَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْكَرِيمِ وَقَدَّمَ غَنِيُّهُمْ لِفَقِيرِهِمْ، وَصَحِيحُهُمْ لِمَرِيضِهِمْ، وَقَوِيُّهُمْ لِضَعِيفِهِمْ.
اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
أيها المسلمون: ما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ أَنْ تَمُرَّ بأَسماعهم أَمثالُ هذهِ الروائعِ القرآنيةِ، وتُتْلَى عليهم هذه القَصَصُ النبويةُ دَون أَنْ تُحْدثَ لهم تأثيراً، أَو تَصْنعَ فيهم تَغييراً.
إنَّ أَولَ ما يَسْتوقفُ المسلمَ وهو يَسْمعُ هذه القصةَ الخَالدةَ أو يَقْرأها في كتاب ربه، يُلْفتُ نَظَره مَبدأُ التسليم لِلهِ العليمِ الذي تمثله إبراهيمُ وابنُه إسماعيلُ.
التسليمُ الكاملُ والانْقيادُ المُباشرُ والاسْتجابةُ السريعة، وهذا هو شعار المؤمنين والمؤمنات، ومعنى ذلك: أَنْ تَرَضَى باللهِ رَبَّاً ومُدَبراً، وحَاكماً ومُشَرعاً لا تَتَقدمُ بين يَديْ أَوامِره وأَحكامِه ولا تتأخر، (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلا الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون) تَرْضَى بِرَبِك حَاكماً على أَفعالك وأقوالك وتَصرفاتِك، مؤتمراً بأوامره، مُنتهياً عن نواهيه.
يَتَلَقَّى المسلمُ والمسلمةُ أَوامره بِصْدرٍ رَحْبٍ وَنَفْسٍ مُطْمئنةٍ دُونَ حَرَجٍ أو مُعَارضةٍ، فهو الذي أَمَرَك بتوحيده وافْتَرضَ عليك خَمْسَ صَلواتٍ في اليومِ والليلة بأَوقاتها وأركانها وشُروطها، وأَوجَبَ في مالك زكاةً تُبْذُلها للفقراءِ طَيَّبةً نَفْسُكَ بها، وفَرَضَ عليك صيامَ رَمضانَ كاملاً، وفَرَضَ حَجَّ بيتِه الحرامِ، وفَرَضَ عليك فرائضَ وحُدُوداً كلُّها أَمَانٌ ورحمة.
وأَنْتُنَّ أَيتها المُسلماتُ الشَّريفاتُ، والحَرائرُ المَصُونات لَكُنَّ في هذا المبدأِ نَصِيبٌ، تَمَسَكْنَ بالحِجابِ الشرعي السَّاتر، تَلَفَّعْنَ بالحياء وتَدَثرْنَ بالعَفاف، فإنها عبادة عظيمة في هذا الزمن العجيب.
احْذَرْنَ طُرقَ الغِوايةَ وأَسبابَ الانْحرافِ فما أَكثرَ تلكَ الطُّرقِ في هذا الزمن الذي اشتبه فيه الحق بالباطل، وما أَكثرَ الهَاوياتِ في هذا المُنْحَدَرِ الخطير (وطُوبَى للغُرَبَاءِ الذين يَصْلُحُونَ إذَا فَسَدَ النَّاسُ).
اعْلمي أيتها المُسْلمةُ أنَّ التَزامَكِ بالحجاب ومن ذلك تَغْطيةُ الوَجْهِ تَسليمٌ لِلهِ، حتى وإنْ كان فيه نَوع مَشَقَّةٍ، وطَاعتَكِ لزَوجِكِ تَسليم لِلهِ، والنأيَ عن مَواطنِ الاختلاطِ عِبادةٌ وتسليم.
ومُحَافَظتَكِ على بَيْتِكِ وتَربيةَ أَبناءَكِ تَربيةً إيمانيةً والصَّبرَ على ذلك كلُّه من صَميمِ التسليم لرب العالمين، وسوف تَنَالينَ به خيرَ الدنيا ونعيمَ الآخرة التي ليس بعدها نعيم، فَطِيبيْ نَفْسَاً وانْشَرِحي صَدْراً فَمَا كَلَّفَكِ اللهُ شَيئاً لَيَشُقَّ عليك ولا أَمَركِ بشيْء ليُحَرجَك ولا شَرَعَ شَيئاً إلا لِيُخَفَّفَ عَنْكِ.
أيها المسلمون: أَنْتم في يوم العيد، يومِ البهجة والفرحة والشكر لِلهِ على ما يَسَّرَ من الطاعة، وما أَنعم به من الأمن والاستقرار.
وغداً تبدأ أَيامُ التشريق التي قال عنها ربنا: (واذكروا الله في أيام معدودات) وقال رسولنا: (أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللهِ) (رواه أحمد وأصله في مسلم) فاكثروا فيها من ذكر الله وحمده وشكره استجابة لأمر الله واتباعا لسنة نبيه.
اللهم اجعلنا لك مسلمين لأوامرك خاضعين
اللهم تقبل من الحجاج حجهم ومن الصائمين صومهم ومن المضحين أضحياتهم
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين، وردهم إلى دينك ردا جميلا، اللهم أطعم جياعهم واحمل حفاتهم وآوي شريدهم.
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين
تقبل الله طاعتكم وأدام أفراحكم، وجمع شملكم، وكل عام وأنتم بخير