خطبة عيد الأضحى 1446هـ (وصايا خطبة الوداع - من أحكام الأضحية)

الْـحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا أُرِيقَ مِنْ دِمَاءِ الْأُضْحِيَاتِ، وَالْـحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا لَبَّى مُلَبٍّ قَائِلًا: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ"، وَالْـحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ، وَرَضِيَ لَنَا الْإِسْلَامَ دِينًا، وَشَرَعَ لَنَا عِيدًا نُكَبِّرُ فِيهِ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَانَا. أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهَا وَصِيَّةُ اللهِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[.

إِخْوَةَ الإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ .. هَذَا يَوْمُ الْعِيدِ، يَوْمُ الْفَرَحِ بِالطَّاعَةِ، وَالْقُرْبِ مِنَ اللهِ، وَالْبَذْلِ فِي سَبِيلِ مَرْضَاتِهِ، فَهَنِيئًا لِمَنْ أَطَاعَ، وَتَقَرَّبَ، وَأَقْبَلَ عَلَى اللهِ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

نَقِفُ الْيَوْمَ فِي يَوْمٍ مِنْ أَعْظَمِ أَيَّامِ اللهِ، يَوْمِ النَّحْرِ، يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، نَسْتَذْكِرُ فِيهِ أَعْظَمَ خُطْبَةٍ خُطِبَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، خُطْبَةَ النَّبِيِّ ﷺ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فِي ذَلِكَ الْمَشْهَدِ الْعَظِيمِ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ أَمَامَ أَكْثَرَ مِنْ مِئَةِ أَلْفِ مُسْلِمٍ، يَخْطُبُ فِيهِمْ خُطْبَةً خَالِدَةً تُعَدُّ إِعْلَانًا عَالَمِيًّا لِحُقُوقِ الإِنْسَانِ، قَبْلَ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِئَةِ سَنَةٍ.

ابْتَدَأَ خُطْبَتَهُ، بَعْدَ الْحَمْدِ للهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، بِقَوْلِهِ: "أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا قَوْلِي، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا" فَكَانَتْ كَلِمَاتُ الْوَدَاعِ، وَوَصَايَا الْخِتَامِ، الَّتِي ضَمَّتْ أُسُسَ الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ وَالْحِفَاظِ عَلَى الْحُقُوقِ.

فِي هَذَا الْمَوْقِفِ أَنْصَتَ النَّاسُ، وَبَدَأَ النَّبِيُّ ﷺ يُلْقِي دُرَرًا مِنَ الْوَصَايَا، فَكَانَتْ مِنْ أَعْظَمِ مَا قِيلَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ.

قَالَ ﷺ: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا".

إِعْلَانٌ بِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ، وَالأَمْوَالِ، وَالأَعْرَاضِ؛ فَلَا يَجُوزُ ظُلْمُ النَّاسِ، لَا فِي دِمَائِهِمْ، وَلَا فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَا فِي أَعْرَاضِهِمْ. لَا قَتْلَ، لَا سَرِقَةَ، لَا غِيبَةَ، لَا نَمِيمَةَ. الإِسْلَامُ دِينُ أَمَانٍ وَعَدْلٍ وَسَلَامٍ.

وَقَالَ ﷺ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، كُلُّكُمْ لِآدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِأَعْجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى".

وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ لِلقَضَاءِ عَلَى التَّفْرِقَةِ وَالعُنْصُرِيَّةِ، لَا يُنْظَرُ لِأَلْوَانِ البَشَرَةِ وَلَا لِلأَنْسَابِ، بَلِ الْمِعْيَارُ ]إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[.

وَمِنْ وَصَايَاهُ ﷺ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ: الوَصِيَّةُ بِالنِّسَاءِ، قَالَ ﷺ: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ، لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنَّ شَيْئًا".

نَعَمْ، هَذِهِ وَصِيَّةٌ نَبَوِيَّةٌ أَنْ نُحْسِنَ إِلَى النِّسَاءِ، نَرْفُقَ بِهِنَّ، نُكْرِمَهُنَّ، لَا نَظْلِمَهُنَّ، لَا نُهِينَهُنَّ. وَفِي هَذَا إِعْلَانٌ بِأَنَّ حُقُوقَ الْمَرْأَةِ مَحْفُوظَةٌ فِي الإِسْلَامِ مُنْذُ أَوَّلِ يَوْمٍ.

وَقَالَ ﷺ: "وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللهِ" وَفِي رِوَايَةٍ: "كِتَابُ اللهِ وَسُنَّتِي".

وَهَذِهِ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ بِالتَّمَسُّكِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَلَا نَجَاةَ مِنَ الْفِتَنِ، وَلَا اسْتِقَامَةَ عَلَى الصِّرَاطِ، إِلَّا بِالرُّجُوعِ إِلَى هَذَيْنِ النُّورَيْنِ.

وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: "أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ" هَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ أَعْظَمِ مَا قِيلَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ، وَتُظْهِرُ أَمَانَتَهُ العَظِيمَةَ، وَحِرْصَهُ عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ بِكُلِّ صِدْقٍ وَإِخْلَاصٍ. كَرَّرَهَا ﷺ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَهُوَ يُخَاطِبُ الأُمَّةَ جَمْعَاءَ، فِي مَوْقِفٍ كَانَ وِدَاعًا، وَكَأَنَّهُ ﷺ يُسَلِّمُ الأَمَانَةَ لِلْأُمَّةِ. وَهُنَا تَوَقَّفَ قَلْبُ كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ، لِأَنَّهُمْ شَعَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يُوَدِّعُهُمْ، وَعِنْدَهَا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا[.

هَذِهِ اللَّحْظَةُ تَجْعَلُنَا نُدْرِكُ أَنَّ الدِّينَ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِنَا، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ أَدَّى دَوْرَهُ، وَأَنَّ عَلَى الأُمَّةِ أَنْ تُكْمِلَ الْمَسِيرَةَ ]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي[ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ، فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ.

فَلْنُجَدِّدِ الْتِزَامَنَا بِهَذِهِ الْوَصَايَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَنَجْعَلْهَا دُسْتُورًا نَعِيشُ بِهِ فِي بُيُوتِنَا، وَأَعْمَالِنَا، وَتَعَامُلِنَا مَعَ النَّاسِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

 

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ بِالْإِيمَانِ، وَجَعَلَ لَنَا فِي كُلِّ مَوْسِمٍ فُرْصَةً لِلتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

مُعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ .. إِنَّ الْأُضْحِيَّةَ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: "مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الْدَّمِ".

فَمِنْ أَهَمِّ أَحْكَامِ الْأُضْحِيَّةِ: أَنْ تُذْبَحَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. وَتُجْزِئُ مِنَ الْغَنَمِ مَا أَتَمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ مَا أَتَمَّ سَنَتَيْنِ، وَمِنَ الْإِبِلِ مَا أَتَمَّ خَمْسَ سِنِينَ. وَلَا تَصِحُّ الْأُضْحِيَّةُ بِالْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوْرَهَا، أَوِ الْمَرِيضَةِ، أَوِ الْعَرْجَاءِ، أَوِ الْهَزِيلَةِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَيُهَدَى وَيَتَصَدَّقَ، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾.

فَلْنَحْرِصْ عَلَىٰ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ فَرَحٍ وَرَحْمَةٍ، يَوْمٌ يُطْعَمُ فِيهِ الْجَائِعُ، وَيُفْرَحُ فِيهِ الصَّغِيرُ، وَيُجْبَرُ فِيهِ خَاطِرُ الْمُحْتَاجِ.

اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا أَعْمَالَنَا، وَأَعِدْ عَلَيْنَا الْعِيدَ أَعْوَامًا مَدِيدَةً، وَأَيَّامًا سَعِيدَةً، وَنَحْنُ فِي صِحَّةٍ وَإِيمَانٍ وَأَمْنٍ وَسَلَامٍ.

اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ حَجَّ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الْحَرَامِ، وَأَعِدْهُمْ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، مَغْفُورًا لَهُمْ، مُتَقَبَّلًا سَعْيَهُمْ، مَشْكُورًا سَعْيَهُمْ، مَغْفُورًا ذَنْبَهُمْ، مَكْفُورًا وِزْرَهُمْ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْ حَجَّهُمْ مَبْرُورًا، وَسَعْيَهُمْ مَشْكُورًا، وَذَنْبَهُمْ مَغْفُورًا، وَعَمَلَهُمْ مَتْقَبَّلًا، وَرُجُوعَهُمْ بِالرِّضْوَانِ وَالْغُفْرَانِ وَالْفَوْزِ بِالْجِنَانِ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمْ مِمَّنْ يُقَالُ لَهُمْ: "ارْجِعُوا مَغْفُورًا لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ"، وَلَا تَجْعَلْ فِيهِمْ مَحْرُومًا، وَلَا فِي رُكْبَانِهِمْ مَطْرُودًا، وَلَا فِي أَهْلِهِمْ مَكْرُوبًا.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَىٰ مَنْ أُرْسِلَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ.

المرفقات

1749121176_خطبة عيد الأضحى 1446هـ.pdf

1749121186_خطبة عيد الأضحى 1446هـ.docx

المشاهدات 447 | التعليقات 0