خطبة في الحث على صلة الرحم والتحذير من القطيعة

صالح محمد السعوي
1447/06/10 - 2025/12/01 22:00PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة في الحث على صلة الرحم والتحذير من القطيعة

بقلم وتأليف/ صالح بن محمد السعوي

في ٧/ ٦/ ١٤٤٧هـ

 

الحمد لله الذي شرع الترابط بين بني الإنسان وأمر بالصلة فيما بينهم والإحسان.

أحمده تعالى وله الحمد والثناء مدى الزمان.

وأشكره سبحانه والمزيد منه لذوي الشكران.

 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللطيف المنان.

وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الذي بلغ السنة والقرآن.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي التقى والعرفان وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أنه ما من أحد من الناس إلا وله حقوق على غيره وعليه حقوق لغيره، ومن تلك الحقوق صلة الرحم وهم الأقارب للإنسان بالنسب والمصاهرة من قبل الأب والأم.

قال الله جل وعلا: ((فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [الروم الآية ٣٨].

وقال جل وعلا: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ)) [النحل الآية ٩٠].

وقال عز وجل: ((وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ)) [النساء الآية ١].

وقال ﷺ: "مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" الحديث متفق عليه.

وقال عليه الصلاة والسلام: " يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطْعِمُوا الطَّعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وذكره الألباني في الصحيحة.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: "وصلةُ الرَّحِمِ وحُسنُ الجِوارِ أو حُسنُ الخُلُقِ يُعمِّرانِ الدِّيارَ، ويَزيدانِ في الأعمارِ" رواه البخاري. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " متفق عليه

وعن الطيبي رحمه الله تعالى قال: (إن الله يبقي أثر واصل الرحم طويلاً فلا يضمحل سريعًا كما يضمحل أثر قاطع الرحم) انتهى.

وأفرض الحقوق وأعظمها حق الله على عباده بأن يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئاً وحق رسول الله ﷺ الذي هو الإيمان به ومحبته ومتابعته وحق الوالدين، والله بدأ به في الإحسان لطبقات الناس، ووصى بهذا الحق وأكده ويأتي حق ذوي القربى، وهم مرتبطون بالوالدين.

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "احفظوا أنسابَكم، تصِلُوا أرحامَكم، فإنَّهُ لا بُعد بالرحمِ إذا قُربت، وإن كانت بعيدة، ولا قرب بها إذا بعُدت، وإن كانت قريبة، وكل رحم آتيةٌ يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها وعليه بقطيعة إن كان قطعها" ذكر هذا الحديث في الأدب المفرد مع شرحه ورجاله ثقاة وهو صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "تعلَّموا من أنسابِكم ما تصِلون به أرحامَكم فإن صلةَ الرحمِ محبةٌ في للأهلِ مثراةٌ في المالِ منسأةٌ في الأثرِ" رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب.

والله يصل الواصل، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ" متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ: "ليسَ شيءٍ أُطيعَ الله فيه أعجل ثوابًا منَ صِّلةِ الرحم، وليس شيء أعجلُ عقابًا منَ البغيِ وقطيعة الرحم" رواه البيهقي وذكره الألباني في صحيح الجامع.

وقطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب والله يقول: ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ)) [محمد الآيتان ٢٢،٢٣].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ حتَّى إذا فَرَغَ من خلقه قامَتِ الرَّحِمُ، فقالَتْ: هذا مَقامُ العائِذِ بك مِنَ القَطِيعَةِ، قالَ: نَعَمْ، أما تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَن وصَلَكِ، وأَقْطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالَتْ: بَلَى يا رب. قالَ: فَذاكِ لَكِ" الحديث متفق عليه.

وقال ﷺ: "إنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ متمسكة بالعرش تكلم بلسان ذُلق اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني فيقول الله تبارك وتعالى: أنا الرحمن الرحيم وإني شققتُ للرحم من اسمي فمن وصلها وصلته ومن نكثها نكثه" رواه البزار وإسناده حسن وله أصل في البخاري.

وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "ما مِن ذَنبٍ أحْرى أنْ يُعَجَّلَ الله لِصاحِبِهِ العُقوبةُ في الدنيا مع ما يُؤَخَّرُ له في الآخِرَةِ، مِن بَغْيٍ، أو قَطيعةِ الرحم" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح وذكره الألباني في الصحيحة.

وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قاطِعٌ" يعني قاطع رحم. متفق عليه.

اللهم أعذنا من القطيعة ووفقنا للبر والصلة وأصلح لنا وللمسلمين الأولاد والنساء.

اللهم أصلح إمامنا واحفظه وانصر به الدين وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين وشد عضده بهم يا رب العالمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ۙ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)) [الرعد الآية ٢٥].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر

الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل

ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

خطبة أخيرة في الحث على صلة الرحم والتحذير من القطيعة

 

الحمد لله الذي بفضله أعان الواصلين وأجزل المثوبة للمحسنين.

أحمده تعالى أن جعل البر نهج الصالحين.

وأشكره سبحانه وهو الذي يجزي الشاكرين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر بإيتاء الحقوق للأقربين.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الذي أرسله رحمة للعالمين.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الزاكين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وقوموا بما أوجب الله عليكم من البر والصلة لأقاربكم، ولا تبخلوا عليهم بالزيارة والسلام، والاجتماع بهم ودعوتهم للمناسبات والاجتماعات التي تدعو إلى التوسع فيها وإعطائهم الأولوية في الدعوة، وفي بذل المال لهم إن كانوا فقراء من زكواتٍ وصدقاتٍ ومشاركتهم فيما يلم بهم من مصائب، وإشعارهم بالقرب منهم، وإدخال السرور عليهم، وتكرار الزيارة لهم عندما تدعوا الحاجة إليها، والصلة ليست بالمكافأة

عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "ليسَ الواصِلُ بالمُكافِئِ ، ولَكِنِ الواصِلُ الذي إذا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وصَلَها" رواه البخاري.

ولا تنقطع الصلة بقطع الموصول، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَجُلًا قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ لي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إليهِم وَيُسِيؤُونَ إلَيَّ، وَأَحْلُمُ عنْهمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقالَ: "لَئِنْ كُنْتَ كما قُلْتَ، فَكَأنَّما تُسِفُّهُمُ المَلَّ وَلَا يَزَالُ معكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عليهم ما دُمْتَ علَى ذلكَ" رواه مسلم.

وصلوا على الذي كان بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن الله يقول: ((‎إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) والبخيل من ذكر عنده فلم يصل عليه.

اللهم صل وسلم وبارك على محمد ما تحركت الألسن ونطقت بالكلام وسمعت الأذنان ورأت العينان وخطت القدمان، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الآل وباق الصحب والتابعين وتابعيهم بإحسان، واجعلنا اللهم ممن تبعهم واقتفى أثرهم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين من الكفرة والملحدين والطغاة والمجرمين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا، وأصلح قلوب وأعمال النساء والذراري.

اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى المسلمين أمراً، وخص إمامنا بالحفظ والتوفيق والسداد وصلاح البطانة من ولي العهد وصالح العلماء وخيرة المؤمنين.

اللهم ارحم عبادك المستضعفين، وفرج هم المهمومين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.

وانصر المرابطين على الحدود واجعل سهامهم صائبة لمقاتل أعداء الإسلام والمسلمين. 

اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعفو عنا واغفر لوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين، ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)).

عباد الله إن الله يأمر بالعدل وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلموا ما تفعلون واذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلموا ما تصنعون.

المشاهدات 80 | التعليقات 0