خطبة في الرقية من الكتاب والسنة
صالح محمد السعوي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خطبة في الرقية من الكتاب والسنة
بقلم وتأليف/ صالح بن محمد السعوي
الحمد لله الذي شرع التداوي بالقرآن والسنة، وبما صنع من الأدوية المباحة النافعة.
أحمده تعالى على نعم الصحة والعافية، وأشكره سبحانه ومن شكره زاده من فضله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العالم بما يصلح عباده.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الرحمة المهداة للأمة.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه وتذكروا ما نتمتع به من الصحة والعافية، والأمن والأمان بوجه عام، وجرت سنة الله أن يكون في الناس من تنتابهم الأمراض، وهي تعم جميع المخلوقات من الأنفس المنفوسه والأشجار والمستنتجات النباتية والشفاء يطلب من الله وحده وهو القائل سبحانه: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام الآية ١٧].
وذكر سبحانه عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه قال: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ [الشعراء الآية ٨٠،٨١].
وأخبر ﷺ أن الله ينزل الداء وينزل له الشفاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "ما أنْزَلَ اللَّهُ داءً إلَّا أنْزَلَ له شِفاءً" رواه البخاري.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه: "إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يُنزِلْ داءً إلَّا أنزَلَ له شِفاءً، عَلِمَهُ مَن عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَن جَهِلَهُ" رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح.
وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: "لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ، فإذا أُصِيبَ دَواءُ الدَّاءِ بَرَأَ بإذْنِ اللهِ تعالى" رواه مسلم، والرقى مأمور بها من القرآن والسنة ومما جاء فيه النص.
عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا نرقى في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لا بَأْسَ بالرُّقَى ما لَمْ يَكُنْ فيه شِرْكٌ" رواه مسلم.
والرسول ﷺ رقاه جبريل عليه السلام حينما اشتكى.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن جبريل أتى النبي ﷺ فقال: يا محَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ فقال: "نعم" قال: "باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِن كُلِّ شَيءٍ يُؤْذِيكَ، مِن شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، باسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ" رواه مسلم، والرسول ﷺ كان ينفث على نفسه.
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ كانَ إذَا اشْتَكَى نَفَثَ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ، ومَسَحَ عنْه بيَدِهِ، فَلَمَّا اشْتَكَى وجَعَهُ الذي تُوُفِّيَ فِيهِ، طَفِقْتُ أنْفِثُ علَى نَفْسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ الَّتي كانَ يَنْفِثُ، وأَمْسَحُ بيَدِ النبيِّ ﷺ عنْه" متفق عليه.
والرسول الله ﷺ إذا زار المرضى دعا لهم بالشفاء، عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله ﷺ إذا أتى المريض يدعو له قال: "أذْهِبِ البَاسَ واشْفِ أنْتَ الشَّافِي، لا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا" متفق عليه.
وضع اليد على الذي يألم والتعوذ بالله من شر ما ألم بالجسد.
عن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله ﷺ وجعاً يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله ﷺ: "ضَعْ يَدَكَ علَى الَّذي تَأَلَّمَ مِن جَسَدِكَ، وَقُلْ: باسْمِ اللهِ، ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ باللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِن شَرِّ ما أَجِدُ وَأُحَاذِرُ" رواه مسلم والرقية فيها نفع للمريض عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: لدغت رجلاً منا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله ﷺ فقال رجل: يا رسول الله أرقي؟ قال: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل" رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت لا ترى بأساً أن يعوذ في الماء ثم يعالج به المريض، رواه في شرح السنة للبغوي.
والقرآن شفاء للأنفس المؤمنة، وربنا سبحانه يقول: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ [فصلت الآية ٤٤].
ومن السور التي يرقى بها المريض سورة الفاتحة وآية الكرسي وأواخر سورة البقرة وسورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس وأدعية القرآن والسنة، ومن أراد أن ينفع إخوانه المرضى فليفعل وليحتسب ومن لم يتطوع بالرقية فليتق الله في المرضى الذين يحتاجون إلى رقيته فلا يجمع عليهم همُّ ما فيهم من أمراض والنفقات التي سيدفعونها له وليتق الله الرقاة من التحايل في مغالات أثمان ما يقرأون فيه من ماء وعسل وزيوت وأدهنة وغيرها وعليهم مراقبة الله ورحمة المرضى وليحمدوا الله أن يكون فيهم وسيلة نفع للناس، و "أحبُّ النَّاسِ إلى اللَّهِ أنفَعُهم للنَّاسِ" وعلى الرقاة أن يلتزموا في رقاهم بما شرع لهم الرقية فيه وعدم التجاوز لأمور محرمة، أو مكروهة أو مشتبهة، ومن لم يحسن الرقية فلا يغرر بالمرضى على سبيل استحصال المال منهم وارفقوا أيها الرقاة بالمرضى ورجوهم بالشفاء ولا تفتحوا عليهم أبواب الهموم والغموم والوساوس، واغرسوا في نفوسهم اليقين الذي يهون عليهم مصائب الدنيا، والله هو الشافي وحده لا شفاء إلا شفاؤه.
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين وأتم لنا وللمسلمين نعمة الصحة والعافية وصلاح الزوجات والأولاد، اللهم أصلح إمامنا واحفظه وانصر به الدين وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين وشد عضده بهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾ [الإسراء الآية ٨٢].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة أخيرة في الرقية من الكتاب والسنة
الحمد لله الذي أنعم بصحة الأبدان، والأمن والأمان، والتوطن والاستيطان. أحمده تعالى وهو المحمود المثنى عليه بكل لسان، وأشكره سبحانه على المواهب الحسان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللطيف المنان، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله للإنس والجان.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أنه لا أنصح للإنسان من نفسه لنفسه، فالأولى بالمريض أن يرقي نفسه كما كان رسول الله ﷺ يرقي نفسه، والمريض يكون اهتمامه وحضور قلبه وتذكر ما به من مرض وتيقنه بشفاء الله وصدقه في الالتجاء لربه ما لا يكن وافيًا عند غيره من الناس مهما كانوا.
فيا أيها المرضى نسأل الله لكم الشِّفاء ولا تبخلوا على أنفسكم بالرقية ودوام الذكر والحوقلة والاستغفار والدعاء الصالح وكونوا مع الله يكن الله معكم، وأحسنوا الظن بالله فإنه عند ظن عبده به.
وخذوا بقول الله عز وجل: ﴿إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ما تصلت عين بنظر وأذن بخبر.
وأرض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين، وعن بقية الصحابة والتابعين وتابعيهم وعنا معهم أجمعين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزه الدين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين واكف المسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والحفظ والعون والتسديد، وصلاح البطانة من ولي عهده والعلماء وخيرة المؤمنين المؤتمنين.
اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم إنا نسألك الصحة والعفة والأمانة وحسن الخلق والرضا بالقدر.
اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه حتى تتوفانا عليه واحفظ لنا الزوجات والأولاد والقادة والعلماء ورجال الحسبة والدعوة والأمن، ومد المرابطين على الحدود بالنصر العاجل واحم دماءهم وأعراضهم وعتادهم واغفر لمن مات منهم وأحسن الخلف على من خلفوا واشف مرضاهم واجزهم عنا خيرًا يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعفو عنا واغفر لوالدينا وأدلائنا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وأنت أرحم الراحمين.