خطبة في النزاهة ومحاربة الفساد وحفظ المال
صالح محمد السعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في النزاهة ومحاربة الفساد وحفظ المال
بقلم وتأليف/ صالح بن محمد السعوي
الحمد لله الذي امتن بالرزق الحلال، وأغنى به عما يوجب العتاب والنكال.
أحمد تعالى على نعم تتوال من غير انفصال، وأشكره سبحانه على كل الأحوال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله كريم الفعال.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أفضل صحبٍ وأكرم آل وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وتذكروا نعم الله علينا بما أحل لنا من الطيبات.
قال الله عز وجل: ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)) [الأعراف الآية ١٥٧]
وقال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)) [البقرة الآية ١٦٨].
وخاطب الله المؤمنين بقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)) [البقرة الآية ١٧٢].
وقال عز وجل: ((ولا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ)) [البقرة الآية ١٨٨]
ونهى سبحانه عن البخس والفساد فقال: ((وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)) [الشعراء الآية ١٨٣].
والمال فتنةٌ ويحبه الكبيرُ والصغيرُ، عن كعب بن عياض رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إن لكُلِّ أمَّةٍ فتنةٌ وفتنةُ أمَّتي المالُ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي.
والله هو الرزاق والمطلوب من كل مسلم ومسلمة القناعة والاكتفاء بالحلال الطيب عن الحرام، قال عز وجل: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)) [الذاريات الآيات ٥٦،٥٧،٥٨]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "ليسَ الغِنَى عن كَثْرَةِ العَرَضِ، ولَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ" متفق عليه.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: "قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ" رواه مسلم.
والفساد في الأرض أمر وخيم وعاقبته عذاب أليم ومنه الفساد في المال بالاختلاس وغيره قال جل وعلا: ((وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)) [الأعراف الآية ٥٦].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: «يَأْتي علَى النَّاسِ زَمانٌ لا يُبالِي المَرْءُ ما أخَذَ منه؛ أمِنَ الحَلالِ أمْ مِنَ الحَرامِ» رواه البخاري.
وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي ﷺ يقول: «إنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللَّهِ بغيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ» رواه البخاري.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "لا يدخُلُ الجنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ من السُحْتٍ وكل لَحْمٌ نَبَتَ من السُحْت كانت النَّارُ أَوْلى به" رواه الإمام أحمد والدارمي والبيهقي في شعب الإيمان.
ودافع المال لمن يُبلِّغه بما ليس له بحق أو ترتب ظلم أيًّ كان نوعه فاللعن لكلا الطرفين.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لعن رسول الله ﷺ "الراشي والمرتشي في الحكم" وزاد ابن حبان والحاكم "الرائشَ: يعني الذي يسعى بينهما" رواه الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه ومسند الإمام أحمد.
والمؤمن يمنعه إيمانه أن يختلس المال الحرام ويخون نفسه وما أَتُمن عليه من أموال ومسؤوليةٍ خاصةٍ أو عامةٍ ولا يستهان بالحقوق سواءٌ كانت للأفراد أو للدولة.
قال جل وعلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)) [الأنفال الآية 27].
وفي الحق العام الذي هو من خصوصيات أموال الدولة قال فيه رسول الله ﷺ: "ما بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتي فيقولُ: هذا لكَ وهذا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ في بَيْتِ أبِيهِ أو بَيْتِ أُمِّهِ، فَيَنْظُرُ أيُهْدَى له أمْ لا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا ينال أحدٌ منكم منها شيئًا إلَّا جَاءَ به يَومَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى رَقَبَتِهِ، إنْ بَعِيرًا له رُغَاءٌ، أوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أوْ شَاةً تَيْعَرُ" ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَئي بياضُ إبْطَيْهِ يقول: "ألا هلْ بَلَّغْتُ" ثلاثًا. أخرجه البخاري ومسلم.
عباد الله يتأكد في حق الجميع النزاهة ومجانبة الفساد بأنواعه وأشكاله وإبراء الذمة وتخليصها من عواقب التهاون والإقدام على ارتكاب موجبات الآثام حتى ولو كانت من محقرات الذنوب اللهم إنا نسألك صلاح القلوب والأعمال والزوجات والأولاد وقنا مطامع الدنيا ومغرياتها.
اللهم أصلح إمامنا وولي عهده والعلماء والأمناء والمستشارين وشد عضد الجميع لما فيه صلاح العباد والبلاد والدنيا والدين يا رب العالمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)) [آل عمران الآية ١٦١].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة أخيرة في النزاهة ومحاربة الفساد وحفظ المال.
الحمد لله الذي نوع للناس مكتسبات الحلال، وجعل فيها الكفاية والاكتمال.
أحمده تعالى في كل الأحوال، وأشكره سبحانه على جزيل النوال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله السيد المفضال.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أفضل صحب وآل وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وكونوا في ملازمة الترفع بالنفس عن غشيان المال الحرام العام منه والخاص وقدوة صالحة في المجتمع بوجه عام وللأسرة والناشئة بوجه خاص والمسؤولية مترتبةٌ على الجميع بما في ذلك ضرورة الإبلاغ عن جرائم الفساد ومرتكبيها بعد التثبت والله أمرنا بالتعاون على البر والتقوى وأن يكون المسلم مرآة لأخيه المسلم ويحب له من الخير ما يحبه لنفسه، وأن يكون وسيلة خير في الملاحظة وحسن الرعاية والتوجيه والمصلحة للجميع، وهذه الدنيا دار المجاهدة والاعتصام بحبل الله جميعاً والالتفافِ حول ولاة أمورنا سدد الله مساعيهم، ونحقق المنافع فأحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وصنائع المعروف تقي مصارع السوء.
وتذكروا قول الله عز وجل: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [الأحزاب الآية ٥٦]
ومن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحط عنه بها عشر سيئات ورفعة بها عشر درجات، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ما جرت الأغذية في الأجساد.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والستة الباقين من العشرة المفضلين وبنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين وعن سائر الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان واجعلنا ممن تبعهم واحشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين واحم حوزة الدين وانصر عبادك الموحدين وأذل الشرك والمشركين.
ودمر أعداء الدين واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالتوفيق والعون والتسديد والبطانة الصالحة من ولي عهده والعلماء وخيرة المؤمنين المصلحين.
اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى مسلمين. اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك ولا تجعلنا في رزقك خولاً لغيرك.
اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه واحفظ قادتنا بالعلم والسنة والقائمين على شؤون الأمن وحراسة المحارم والحرمات والحدود والمنافذ والمرافق واحم دماءهم وأعراضهم وعتادهم.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات