خطبة في الوسطية والاعتدال في حياة الأمة
صالح محمد السعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في الوسطية والاعتدال في حياة الأمة
بقلم وتأليف/ صالح بن محمد السعوي
الحمد لله جعل الوسطية والاعتدال في الدين نهج أمة الإسلام، والملازمة لها سبيل الهداة الأعلام.
أحمده تعالى على الفضل والإنعام.
وأشكره سبحانه والشاكر لربه يفوز بالمزيد والإكرام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك القدوس السلام.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله أفضل مبعوث من الأنام.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة الكرام وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى، وأطيعوه وتذكروا منن الله سبحانه وتعالى حيث شرع لنا دينًا جمع الفضائل واليسر والسهولة والوسطية والاعتدال ونفي الحرج والتكليف فيما لا وسع للمسلم فيه والعفو عن الخطأ والنسيان والإكراه لما لا يجوز فعله على سبيل الاختيار، والفضل والرحمة من إذ يقول سبحانه: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)) [يونس الآية ٥٨].
وقال عز وجل: ((قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) [آل عمران الآيتان ٧٣،٧٤].
وفي اليسر والتيسير والسهولة يقول الله جل وعلا: ((يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)) [البقرة الآية ١٨٥].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ" رواه البخاري.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ خيرَ دِينِكُمْ أيسَرُه، إنَّ خيرَ دِينِكُمْ أيسَرُه إنَّ خيرَ دِينِكُمْ أيسَرُه" وقال في لفظ آخر: "إنكم أمة أريد بكم اليسر" رواه الإمام أحمد وقال الحافظ: سنده صحيح.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "إن اللهَ يُحبُّ أن تُؤتَى رُخصُه كما يكرهُ أن تُؤتَى معصيتُه" رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح.
وفي الوسطية يقول ربنا سبحانه: ((وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) [البقرة الآية ١٤٣]
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الهديَ الصالحَ والسمتَ الصالحَ والاقتصادَ جزءٌ من خمسةٍ وعشرينَ جزءًا من النبوةِ" رواه أبو داود وإسناده حسن.
وقال عليه الصلاة والسلام: "علَيْكُم بما تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا وكانَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيْهِ مَادَامَ عليه صَاحِبُهُ" متفق عليه.
ونفى الله الحرج والتكليف فيما لا وسع للمسلم فيه فقال: ((لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)) [البقرة الآية ٢٨٦].
وقال سبحانه: ((وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) [الحج الآية ٧٨].
دين أمر بالاعتصام بحبل الله والاجتماع على الحق ونصرته وعدم التفرق والاختلاف، قال عز وجل: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا))
[آل عمران الآية ١٠٣] وقال تعالى: ((وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)) [العصر الآية ٣].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، ويَكْرَهُ لَكُمْ: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةِ المالِ" رواه مسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "يدُ اللهِ مع الجماعةِ" رواه الترمذي وهو حديث حسن بشواهده.
دين أمر بالتعاون على البر والتقوى ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان. قال عز وجل: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)) [المائدة الآية ٢]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إنَّ من النَّاسِ مفاتيحَ للخيرِ، مغاليقَ للشَّرِّ، وإنَّ من النَّاسِ مفاتيحَ للشَّرِّ، مغاليقَ للخيرِ. فطُوبَى لمن جعل اللهُ مفاتيحَ الخيرِ على يدَيْه، وويلٌ لمن جعل اللهُ مفاتيحَ الشَّرِّ على يدَيْه" رواه ابن ماجه وهو حديث حسن.
دين جاء بالنصح وعم به، فعن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قُلْنا: لِمَنْ؟ قالَ: "لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ" رواه مسلم.
دين جاء بالحقوق بين الناس من قادتهم إلى أفرادهم بما فيهم ما ملكت أيمانهم.
قال سبحانه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)) [النساء الآية ٥٩].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "عَلَيْكَ السَّمْعَ والطَّاعَةَ في عُسْرِكَ ويُسْرِكَ، ومَنْشَطِكَ ومَكْرَهِكَ، وأَثَرَةٍ عَلَيْكَ" رواه مسلم
وقال عز وجل: ((وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا)) [النساء الآية ٣٦].
وفي دين الله تحمل المسؤولية، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، الإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ في أهْلِهِ ومسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِها ومَسْؤولَةٌ عن رَعِيَّتِها، والخادِمُ راعٍ في مالِ سَيِّدِهِ ومَسْؤولٌ عن رَعِيَّتِه فكُلُّكُمْ راعٍ ومسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ" متفق عليه.
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأصلح لنا وللمسلمين الزوجات والأولاد، اللهم أصلح إمامنا وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين واجعلهم عونًا له.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)) [النساء الآية ١٢٥] بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
خطبة أخيرة في الوسطية والاعتدال في حياة الأمة
الحمد لله الذي جعل الهداية بيده، والتوفيق والعون يستمد منه وحده.
أحمده تعالى وله الحمد في الأولى والآخرة، وأشكره سبحانه على المزيد من فضله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله أفضل أنبيائه ورسله.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه والزموا الوسطية والاعتدال في جميع أموركم وأحوالكم، في لفظات ألسنتكم وأعمالكم وأفعالكم واستنيروا بالوحيين الكتاب والسنة ولا تغتروا بما عليه أهل الغلو والتطرف والإرهاب والانحراف عن المنهج الحق، واحذروا الوقوع في الشبهات والشهوات، وكونوا قدوة صالحة في أقوالكم وأعمالكم ومظاهركم وبواطنكم وتذكروا دائماً أن كلاً منا لهم من يقتدون بهم من زوجات وأولاد وإخوان وخدم وعمامة بني المجتمع، فكونوا قدوة صالحة تؤجرون بمن يسلك نهجكم الصالح وينكف كثير من الشرور ولا تتوالد، ووفوا لذوي الحقوق حقوقهم واشكروا لهم حسن صنيعكم فكل عامل بالخير محسن على غيره مقدم على من دونه.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد بعد الأنفس والأنفاس والحركات واللفظات.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الستة الباقين من العشرة المفضلين وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين وعن بقية الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان واجعلنا ممن تبعهم ومات على هديهم واحشرنا في زمرتهم يا ذا الفضل والإحسان.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالحفظ والعون والتسديد، وأصلح له البطانة من ولي العهد والعلماء وخيرة المؤمنين المؤتمنين الصلحاء المصلحين.
اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا وعم بالصلاح والهداية والزوجات والأولاد والمربين والمربيات وجميع المسلمين.
اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه واحفظ علماءنا وقادتنا ورجال الحسبة والدعوة ورجال الأمن وحراس الحدود والمنافذ والمرافق والطرق واحم دماءهم وأعراضهم وعتادهم واغفر لمن مات منهم وأحسن الخلف على من خلفوا.
اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
واهد ضال المسلمين ورد شاردهم وادفع عنا جميعًا كل بلاء وأذى وفتنة وشبهة وشهوة ومحنة يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعفو عنا وأكرمنا ولا تهنا وكن لنا حيث كنا، واغفر لوالدينا ولمن دلنا إليك ورغبنا فيما عندك ولمن أحسن إلينا وله حق علينا وجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والأموات.
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.