خطبة في ذكر الجنة والحث على طلبها

صالح محمد السعوي
1447/06/10 - 2025/12/01 20:56PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة في ذكر الجنة والحث على طلبها

بقلم وتأليف/ صالح بن محمد بن السعوي

في ٢٣/ ٥/ ١٤٤٧هـ

الحمد لله الذي أعد الجنة نزلاً للمؤمنين، ويسر أسباب نيلها لحزبه المفلحين.

أحمده تعالى أن أجزل الثواب للعاملين المخلصين.

واشكره سبحانه والشكر مؤذن بالمزيد للشاكرين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مثيب الطائعين.

وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين.

صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الفضلاء المكرمين وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد، فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه والجنة أعدت للذين آمنوا بالله وعملوا الصالحات قال جل وعلا: ((تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا)) [مريم الآية ٦٣].

قال جل وعلا: ((اقُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۚ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْئُولًا)) [الفرقان الآيتان ١٥،١٦].

وجاءت التقوى مفسرة عن السلف الصالح من الصحابة رضى الله عنهم، والتابعين رحمة الله تعالى عليهم ومن ذلك بأن يطاع الله سبحانه فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.

وتفسير آخر للتقوى وهي: أن يعمل المسلم بطاعة الله على نور من الله يرجو ثواب الله، وأن يترك معصية الله على نور من الله يخش عقاب الله.

والجنة فوق ما يخطر بالبال ويدور في الخيال فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "قال الله عز وجل: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ واقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ {فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهمْ مِن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]" متفق عليه.

والله ذكر عباده المتقين ما أعد لهم في الجنة قال سبحانه: ((مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ)) [محمد الآية ١٥].

في الجنة كلما تشتهيه الأنفس قال سبحانه: ((ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) [الزخرف الآيتان ٧٠،٧١].

وقال عز وجل: ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ (53) كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ ۖ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِّن رَّبِّكَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [الدخان من ٥١ إلى ٥٧]

والأحاديث متوافرة في. فضل الجنة ومنازل أهلها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا يَبْصُقُونَ فِيهَا، ولَا يَمْتَخِطُونَ ، ولَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ومَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ ، ورَشْحُهُمُ المِسْكُ، ولِكُلِّ واحِدٍ منهمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِما مِن ورَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ، لا اخْتِلَافَ بيْنَهُمْ ولَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ واحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وعَشِيًّا" متفق عليه.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: "إنَّ اللَّهَ عز وجل يقولُ لأهْلِ الجَنَّةِ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ والخَيْرُ في يَدَيْكَ، فيَقولُ: هلْ رَضِيتُمْ؟ فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضَى يا رَبِّنا وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ، فيَقولُ: ألا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ، فيَقولونَ: وأَيُّ شيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ، فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا" متفق عليه

وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ عز وجل: هل تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ. ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ} [يونس: 26]" متفق عليه

والحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة.

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: عن النبي ﷺ إنَّ مُوسَى عليه السَّلامُ سَأَلَ رَبَّهُ، ما أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً، فقالَ: "رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ ما دْخِلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، فيُقالُ له: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فيَقولُ: يا رَبِّ، كيفَ وقدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنازِلَهُمْ، وأَخَذُوا أخَذاتِهِمْ، فيُقالُ له: أتَرْضَى أنْ يَكونَ لكَ مِثْلُ مُلْكِ مِن مُلُوكِ الدُّنْيا؟ فيَقولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فيَقولُ: لكَ ذلكَ، ومِثْلُهُ ومِثْلُهُ ومِثْلُهُ فقالَ في الخامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فيَقولُ: هذا لكَ وعَشَرَةُ أمْثالِهِ، ولك ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، ولَذَّتْ عَيْنُكَ، فيَقولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قالَ: رَبِّ، فأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرامَتَهُمْ بيَدِي، وخَتَمْتُ عليها، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، ولَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، ولَمْ يَخْطُرْ علَى قَلْبِ بَشَرٍ، "مِصْداقُهُ في كِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهمْ مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ} [السجدة: 17]" رواه مسلم.

 

خطبة أخيرة في ذكر الجنة والحث على طلبها

الحمد لله الذي جعل الأعمال الصالحة وسيلة لرضاه.

أحمده تعالى على فضله وكرمه.

وأشكره سبحانه والمزيد موفوراً منه من شكره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعد الدرجات العلى لمن آمن به وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله الذي دل أمته على منافع الدين والدنيا والآخرة صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أتباع ملته وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه ((وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) [آل عمران الآيتان ١٣٣،١٣٤].

والجنةٌ رحمةٌ الله التي يرحمُ بها من شاء من عباده ورحمهم بأن وفقهم للأعمال الصالحة التي هي وسيلة لدخولهم الجنة، والتنعم بها، ورحمهم بأن ثبتهم على الإسلام وتوفاهم عليه، والجنة خلقت وهيئت لكل عبد آمن بالله وعمل الصالحات.

وكل من أطاع الله ورسوله ﷺ فهو من أهل الجنة، ومن عصاهما فهو في النار، والله يقول: ((وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) [النساء الآيتان ١٣،١٤].

وصلوا على من أمرتم بالصلاة عليه فالله يقول: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [الأحزاب الآية ٥٦] ومن صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشراً اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد عدد من صلى وسلم وبارك عليه وعدد من أطاع ذلك.

وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين، وعن باقي الصحب والتابعين وتابعيهم وعنا معهم أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين واكفنا شر الأشرار وكيد الفجار وأعذنا من شياطين الإنس والجان، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلح ولاة أمورنا وكل من تولى للمسلمين أمراً، وخص إمامنا بالحفظ والتوفيق والعون والتسديد، وأصلح بطانته من ولي عهده والعلماء وخيرة المؤمنين الصلحاء المصلحين.

اللهم أصلح أحوالنا وجميع المسلمين، وألف على الحق بين قلوبنا، واجعلنا إخوة متحابين متعاونين على البر والتقوى، متآزرين لما فيه السعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وطهر قلوبنا من النفاق والغل والحقد والحسد، وإرادة السوء، وألسنتنا من الكذب والغيبة والنميمة والهمز واللمز والتنابز والفحش والبذاء.

وصلاح النيات والذراري والأزواج، واغفر لنا وارحمنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واحفظ رجال أمننا اللهم اغفر لمن سكن القبور من المسلمين، وافسح لهم فيها ونورها عليهم يا رب العالمين.

اللهم منَّ علينا بالهداية والاستقامة وبلغنا الجنة دار النعيم والكرامة، وأصلح الأولاد والنساء، وقهم الفتن والأسواء.

اللهم أصلح إمامنا وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والحراس والمستشارين واجعلهم عونًا له.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((هَٰذَا ذِكْرٌ ۚ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ)) [ص من ٤٩ إلى ٥٤].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

.

المشاهدات 107 | التعليقات 0