خطبة في صفة النار وأعمال أهلها
صالح محمد السعوي
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة في صفة النار وأعمال أهلها
بقلم وتأليف/ صالح بن محمد السعوي
في ٣٠/ ٥/ ١٤٤٧هـ
الحمد لله الذي أمر باتقاء النار، ذات التوقد والاستعار.
أحمده تعالى على تيسير أسباب الوقاية من العذاب والخزي والعار.
وأشكره سبحانه ومن شكره سعد في دار القرار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار.
وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأتقياء الأبرار وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة وتذكروا ما فيها من شدة الالتهاب، وما يلاقيه أهلها من العذاب والنكال، وما يمكثون به في النار فلا يموتون فيستريحون من العذاب، ولا يحيون الحياة المعهودة، وما يجري عليهم من أنواع العذاب فيها.
قال الله عز وجل: ((وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ)) [إبراهيم الآيات ١٥،١٦،١٧].
والعذاب متواصل قال الله جل وعلا: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)) [النساء الآية ٥٦].
نار جمعت أنواع العذاب قال الله سبحانه: ((وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) [التوبة الآيتان ٨١،٨٢].
نار تتضاعف عن نار الدنيا، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "نارُكم هذه ما يُوقِدُ بَنُو آدمَ جزْءٌ واحدٌ مِن سبعينَ جزءًا مِن ناو جهنَّمَ" قالوا: واللهِ إنْ كانت لكافيةً يا رسولَ اللهِ. قال: "فإنَّها فُضِّلَت عليها بتسعةٍ وستِّينَ جزءًا، كلُّهن مثْلُ حَرِّها" متفق عليه.
ويصف رسول الله ﷺ قطرة الزقوم في النار، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قرأ هذه الآية: ((اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) [آل عمران الآية ١٠٢].
قال رسول الله ﷺ: "لوْ أنَّ قطْرَةً من الزَّقُومِ قَطَرَتْ في دارِ الدُّنيا لَأفْسَدتْ على أهْلِ الدنيا مَعايِشَهُمْ، فكيْفَ بِمَنْ يَكونُ طعامَهُ" رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح وسنده صحيح.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "يُؤْتَى بجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لها سَبْعُونَ ألْفَ زِمامٍ، مع كُلِّ زِمامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَها" رواه مسلم.
نار قال الله عنها: ((عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) [التحريم الآية ٦].
نار أعدت للذين شقوا كما قال الله سبحانه: ((فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)) [هود الآيتان ١٠٦،١٠٧].
وقال: ((وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ)) [السجدة الآية ٢٠].
وقال: ((وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ)) [الحجر الآيتان ٤٣،٤٤].
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: يُلقى على أهلِ النارِ الجوعُ، فيعدل عندهم ما فيه من العذابِ، فيستغيثونَ بالطعامِ، فيُغاثونَ بالضريعٍ الذي لا يُسمنُ ولا يُغني من جوعٍ، فيستغيثونَ بطعامٍ ذي غُصَّةٍ؛ فيذكرون أنهم كانوا يُجيزون الغُصة بالشرابِ، فيستغيثونَ بالشرابِ فيغاثون بالحميمُ؛ يتناولونه بكلاليبِ من حديدِ، فإذا دنَا منهم شوى وجوهِهم؛ وإذا دخل بطونَهم، قطع ما في بطونِهم، فيطلبون إلى خزنةَ جهنَّم: أن ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب فيجيبونهم: أولم تكُ تأتيكم رسلُكم بالبيناتِ قالوا: بلى قالوا: فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال؛ فيقولون : سلوا مالكًا، فيقولون: يا مالكُ لِيقضِ علينا ربُّك، فيقول: إنكم ماكثون فيقولون : ادعُوا ربَّكم فلا أحدَ خيرٌ مِن ربِّكم، فيقولون: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون؛ فيقول عز وجل: ((اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)) [المؤمنون الآية ١٠٨] فعند ذلك ييأسون مِن كلِّ خيرٍ، ويأخذون في الشهيق والويلِ والثبور انتهى.
نسأل الله أن يجيرنا من النار ويصلح قلوبنا وقلوب الذراري والنساء.
اللهم أصلح إمامنا واحفظه وانصر به الدين وأصلح ولي عهده والعلماء والأمناء والمستشارين وشد عضده بهم يا رب العالمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)) [النساء الآية ١٤].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه فإنه هو الغفور الرحيم.
خطبة أخيرة في صفة النار وأعمال أهلها
الحمد لله الذي جعل الإخلاص له في القول والعمل وسيلة للنجاة من موقد النيران.
أحمده تعالى على نعم العقل والتعقل والاتزان، واشكره سبحانه والفوز بالنعيم لذوي الشكران.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له اللطيف المنان.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله للإنس والجان.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي التقى والعرفان وسلم تسليما كثيرًا الى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها الناس اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وقوا أنفسكم وأهليكم من النار التي قضى الله ورودها.
قال سبحانه: ((وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)) [مريم الآيتان ٧١،٧٢].
والشرك بالله والكفر به، والنفاق الاعتقادي من أعظم الوسائل والأسباب الموجبة لدخول النار والخلود فيها.
قال الله عن المشركين ومصيرهم: ((إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)) [المائدة الآية ٧٢].
وقال سبحانه عن الكفار: ((لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)) [آل عمران الآيتان ١٩٦،١٩٧].
وقال عن المنافقين: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)) [النساء الآية ١٤٢].
ثم ذكر سبحانه مصيرهم فقال: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)) [النساء الآية ١٤٥].
وذكر عن مصير التاركين للصلاة المضيعين لها فقال: ((مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)) [المدثر الآيتان ٤٢،٤٣].
وقال: ((فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)) [مريم الآية ٥٩].
وعن الطاغين المؤثرين الدنيا على الآخرة قال: ((فَأَمَّا مَن طَغَىٰ (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ)) [النازعات الآيات ٣٧،٣٨،٣٩].
وكل عمل يخالف أوامر الله وأوامر رسوله ﷺ أو ممن توعد عليه بالنار فاحذروا عباد الله من ارتكاب أعمال توجب النار، واسألوا الله التوفيق لصالح الأعمال والعون عليها والسلامة من أعمال أهل النار.
واعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على أفضل الخلق على الإطلاق محمد بن عبد الله فقال: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد بعد الأنفاس وحبات الرمل والقطرات.
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الستة الباقين من العشرة المفضلين وعن بنات نبينا وزوجاته أمهات المؤمنين وعن جميع الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان وعنا معهم يا ذا الإحسان والفضل العميم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح قادة المسلمين وولاة أمرهم، وخص إمامنا بالتوفيق والحفظ وأصلح بطانته من ولي عهده وصالح المؤمنين.
اللهم ادفع عنا الغلا والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم أعذنا من مضلات الفتن ووساوس الشيطان ودواعي الكفر والفسوق والعصيان.
اللهم احفظ لنا إيماننا وثبتنا عليه واحفظ لنا قادتنا بالعلم والسلطة واحفظ أمننا والقائمين عليه.
اللهم اغفر لنا أجمعين، واغفر لوالدينا ولأموات المسلمين.