خُطبَةٌ مُختَصَرَةٌ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

رمضان صالح العجرمي
1446/12/09 - 2025/06/05 10:45AM
خُطبَةٌ مُختَصَرَةٌ عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
 
1- مَنزِلَةُ وَمَكَانَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
2- أَعمَالُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. 
 
(الهَدَفُ مِنَ الخُطبَةِ) 
خطبة مختصرة للتذكير بفضائل ومنزلة وأعمال أيام التشريق.
 
•مُقَدِّمَةٌ ومَدَخَلٌ للمُوْضُوعِ:
•أيُّهَا المُسلِمُونَ عِبَادَ اللهِ، مازلنا في رحاب هذه الأيام المباركة حيث أدَّى الحجيجُ حجَّهم وذبح المضحُّون أضاحيهم، واجتمع لنا في يومنا هذا عيدان: عيد الأضحىٰ وهو يوم الحج الأكبر، وعيد الأسبوع وهو يوم الجمعة، ثم تبدأ أيام التشريق وهي أيام عظيمة لها منزلة عظيمة عند الله تعالى؛ فهيَّا بنا نقف هذه الوقفات مع منزلة ومكانة أيام التشريق، والأعمال المشروعة فيها:
أولًا:- ما هي أيام التشريق؟
•أيام التشريق؛ هي الأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر (الحادي عشر من شهر ذي الحجة، والثاني عشر، والثالث عشر)؛ وسبب التسمية بأيام التشريق: قيل: لأن صلاة العيد إنما تُصَلَّى بعد أن تشرُقَ الشمسُ. وقيل: لأن الهدايا والضحايا لا تُنحر حتى تشرُقَ الشمسُ. وقيل: لأن الناس كانوا يُشرِّقون فيها لحوم الهدي والأضاحي؛ أي: يقددونها ويملِّحونها ويعرضونها للشمس؛ لحفظها من الفساد، وذلك لعدم وجود مثل هذه الوسائل الحديثة لحفظ اللحوم.
•ولكل يوم اسم خاص:
اليوم الأول: (يوم القَر)، وسُمِّي بذلك؛ لأن الحُجاج يَقرُّون ويبيتون فيه بمنى، ويقال له: (يوم الرؤوس)؛ لأنهم يأكلون فيه رؤوس الأضاحي؛ وهو أفضلها.
اليوم الثاني: (يوم النفر الأوَّل)، ويجوز النَّفر فيه لِمَن تعجَّل بعد رمي جمرات العقبة الأولى والثَّانية؛ قال الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}
اليوم الثالث: (يوم النفر الثاني)، وهو يأتي بعد رمي الجمرات في اليوم الثالث من أيام التشريق.
ثانيًا:- مَنزِلَةُ وَمَكَانَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ:
•أيام التشريق: هي الأيام المعدودات التي ذكرها الله تعالى؛ فقال: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتّقَىَ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوآ أَنّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الأيام المعدودات: أيام التشريق".
•وأيام التشريق: هي الأيام التي يبيت فيها الحجيجُ بمنىً كواجب من واجبات الحج عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، يَلْزَمُ الدَّمُ لِمَنْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وهي الأيام التي يرمي الحجيجُ فيها الجمرات الثلاث (الصغرى، والوسطى، والكبرى) لكل جمرة سبع حصيات، ويكبر الله مع كل حصاة. 
•ويُسمّى اليوم الأول منها بيوم القر؛ لأن الحاج يقرُ فيها بمنى؛ وهو أفضل أيام السنة بعد يوم النحر؛ للحديث: ((أعظمُ الأيامِ عند اللهِ يومُ النَّحرِ، ثم يومُ القُرِّ)) [رواه أحمد] ويوم القر هو: اليوم الحادي عشر؛ لأن الناس يقرون فيه بمنى؛ أي: يقيمون بها أيام التشريق.
•وأيام التشريق: هي أيام عيد للمسلمين؛ عَن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ ‌يَوْمَ ‌النَّحْرِ ‌وَيَوْمَ ‌عَرَفَةَ ‌وَأَيَّامَ ‌التَّشْرِيقِ، هُنَّ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهُنَّ أَيَّامُ أَكَلٍ وَشُرْبٍ.)) [رواه الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.]
•وأيام التشريق: هي أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل؛ ففي صحيح مسلم عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وذكرٍ لله.)) وفي رواية: ((من كان صائمًا فليفطر فإنها أيام أكل وشرب.))
•ولذلك يحرم صيام هذه الأيام؛ ففي صحيح البخاري عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: "لم يرخِّص النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أيام التشريق أن يُصَمنَ إِلَّا لمن لم يجدِ الهدي"؛ فمن كان مُعتادًا عَلَىٰ صيام الأيام البيض؛ فليعلم أن يوم الْثَّالِث عشر من ذي الحجة يوم لا يصح صيامه، وَإِنَّمَا يبدأ صيام أيام البيض من يوم الرَّابِع عشر، وَالخَامِس عشر، ويعوض ذلك بيوم السَّادِس عشر.
 
نسأل الله العظيم أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال. 
 
الخطبة الثانية:- أَعمَالُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ:
أولا:- شُكر الله على ما أنعم به علينا من الأكل من لُحوم الأضاحي؛ لِقولهِ تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
ثانيًا:- يُسنُّ في أيام التشريق الأكل والشرب، وإظهار السُّرور والفرح، والتوسعة على الأهل بيته، وخاصةً في أكل اللحم، بشرط ألا يكونُ في ذلك إسرافٌ وتبذير.
ثالثًا:- الإكثار من ذكر الله تعالى، من التكبير والتحميد والتهليل:
•فإن الحاج وحتى غير الحاج شُرِعَ له طوال هذه الأيام الإكثار من ذكر الله عز وجل؛ قال الله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.))  
•فينبغي أن تلهج ألسنتنا بالتكبير والتهليل والتحميد طوال هذه الأيام وعقب الصلوات؛ قال مالك رحمه الله: "ويكبر في أيام التشريق الرجال والنساء، والعبيد والصبيان، وأهل البادية والمسافرون، وكل مسلم صلى في جماعة، أو وحده، وتُسمِع المرأة نفسها التكبير، كانت في المسجد، أو في بيتها"
•ولقد شرع الله تعالى الذكر في ختام مناسك الحج، وحثَّ على مداومة الذكر لله تعالى وعدم الانقطاع عنه؛ فقال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: " الأيام المعدودات: أيام التشريق، والأيام المعلومات: أيام العشر." 
•وبما أن النفس البشرية قد تميل إلى الفتور بعد أداء العبادات؛ فلذا جاء الأمر بالمداومة على ذكر الله عز وجل بعد قضاء مناسك الحج؛ بل وأمرهم بالمبالغة في الذكر؛ فقال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يُطعم، ويحمل الحمالاتِ، ويحمل الدياتِ ليس لهم ذِكْر غير فِعَال آبائهم فأنزل الله هذه الآية."
•والتكبير أيام التشريق منه ما هو مقيد ومطلق:
فأما المقيد: فهو الذي يكون دبر الصلوات المكتوبات ويبدأ من صلاة الفجر ليوم عرفة وينتهي مع صلاة العصر لثالث أيام التشريق.
وبلغ من أهمية التكبير المقيد بأدبار الصلوات أن العلماء قالوا: يقضيه إذا نسيه، فإذا نسي أن يكبر عقب الصلاة فإنه يكبر إذا ذكر، ولو أحدث أو خرج من المسجد ما لم يَطُلِ الفصلُ بين الصلاة والتكبير.
وأما المطلق: فهو مشروع من فجر أول أيام العشر من ذي الحجة إلى وقت خطبة العيد؛ فيكون في كل وقت؛ فهكذا التكبير المطلق مشروع أيضًا في الأسواق وفي البيوت وفي المساجد وفي الطرقات؛ تعظيمًا لله تعالى وإجلالًا له، وإظهارًا لشعائره.
وقد كان عمر بن الخطاب رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأسواقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى فِرَاشِهِ، وَفِي فُسْطَاطِهِ، وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأيَّامَ جَمِيعًا.
رابعًا:- صلة الأرحام: 
•فالمؤمن يغتنم أيام العيد ليخرج زائرًا لأرحامه، وأقاربه وجيرانه، وأصحابه؛ يبتغي بذلك وجهَ الله تعالى؛ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من سرهُ أن يبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثرة فليصل رحمه.))، وفي الحديث الصحيح: ((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه.))
خامسًا:- ذبح الأضحية لمن لم يذبح يوم الأضحىٰ؛ فإن آخر وقت ذبح الأضاحي هو: غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق.
 
نسأل الله العظيم أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال. 
 
#سلسلة_خطب_الجمعة
#دروس_عامة_ومواعظ
(دعوة وعمل، هداية وإرشاد)
قناة التيليجرام
https://t.me/khotp
 
 
المشاهدات 925 | التعليقات 0