خطبة من أخطار برامج التواصل

حسين بن حمزة حسين
1447/04/26 - 2025/10/18 14:41PM
اِتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَرَاقِبُوهُ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى مُطَّلِعٌ عَلَى خَوَاطِرِكُمْ وَأَقْوَالِكُمْ وَأَفْعَالِكُمْ،فإنه يعلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾.
إِخْوَةَ الإِيمَانِ: أَصْبَحَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ مِثْلَ "الفَيْس" وَ"الوَاتْس" وَ"تُوِيتَر" وَ"الإِنْسْتِغْرَام" وَ"التِّيكْتُوك" وَغَيْرِهَا جُزْءًا مِنْ حَيَاتِنَا، مَنَابِرَ مَفْتُوحَةً يَتَكَلَّمُ فِيهَا القَرِيبُ وَالبَعِيدُ، الصغير والكبير، وَالعَالِمُ وَالجَاهِلُ، وَالصَّادِقُ وَالكَاذِبُ. فِيهَا خَيْرٌ عَظِيمٌ لِمَنْ اسْتَعْمَلَهَا فِي طَاعَةِ اللهِ وَأَخَذَ حِذْرَهُ مِنْ شَرِّهَا، وَفِيهَا شَرٌّ عَظِيمٌ وَفِتَنٌ مُهْلِكَةٌ لِمَنْ استخدمها في الشر ولَمْ يَحْذَرْ شُرُورَهَا وَسُمُومَهَا، فَكَمْ مِنْ مَنْشُورٍ أَوْ مَقْطَعٍ أَفْسَدَ القُلُوبَ، وَأَشَاعَ الكَذِبَ، حَتَّى صَارَتْ هَذِهِ البَرَامِجُ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ مَيْدَانًا لِمَنْ يُرِيدُ ضَرْبَ الدِّينِ وَتَمْزِيقَ المُجْتَمَعَاتِ، وَالتَّشْكِيكَ فِي ثَوَابِتِ الدين ونشر العهر والفساد. فمِنْ أَعْظَمِ المَخَاطِرِ فِي بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ مَا تُشِيعُهُ مِنْ سُمُومِ الكُفْرِ وَالإِلْحَادِ، وَمَا تَنْشُرُهُ مِنْ شُبُهَاتٍ وَطُعُونٍ فِي الدِّينِ، عَبْرَ التَّجَرُّؤِ بالكذب عَلَى آيَاتِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ افْتِرَاءً وَزُورًا، بِقَصْدِ زَعْزَعَةِ يَقِينِ المُسْلِمِينَ وَثِقَتِهِمْ بِثَوَابِتِ الدِّينِ الَّذِي أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ عَبْرَ القُرُونِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾، وقال سبحانه: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾، فَالتَّسَاهُلُ فِي مُتَابَعَةِ تِلْكَ الحِسَابَاتِ الإِلْحَادِيَّةِ ومشاهدتها، أَوْ إِعَادَةِ نَشْرِ مَا تَبُثُّهُ مِنْ مَقَاطِعَ وَمَنْشُورَاتٍ، أَوْ حَتَّى التَّنَدُّرِ وَالضَّحِكِ بِهَا، يُعَدُّ مِنْ أَخْطَرِ أَبْوَابِ الفِتْنَةِ وَالزَّيْغِ؛ فالشُّبُهَاتِ إِذَا تَسَلَّلَتْ إِلَى القَلْبِ أَضْعَفَتْهُ، وَإِذَا اسْتَقَرَّتْ فِيهِ أَفْسَدَتْهُ، وقد كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ –رَحِمَهُمُ اللهُ– يَسُدُّونَ مَنَافِذَ الشُّبُهَاتِ كَمَا يُسَدُّ بَابُ النَّارِ، خَشْيَةً عَلَى دِينِهِمْ، وَصِيَانَةً لِإِيمَانِهِمْ، وَحِفَاظًا عَلَى صَفَاءِ قُلُوبِهِمْ. وَمِنْ أَخْطَرِ مَا فِي بَرَامِجِ التَّوَاصُلِ التَّطَاوُلِ عَلَى العُلَمَاءِ؛ فَالعُلَمَاءُ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ ( إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ(صححه الالباني، وَبِهِمْ يُحْفَظُ الدِّينُ، وَتُصَانُ الشَّرِيعَةُ، وَيُعْرَفُ الحَقُّ مِنَ البَاطِلِ، غَيْرَ أَنَّهُ مِنَ البَلَاءِ وفتن فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ نَرَى ونسمع فِي برامج التَّوَاصُلِ مَنْ يَتَجَرَّأُ عَلَى العُلَمَاءِ، فَيَسْخَرُ مِنْهُمْ، وَيُشَكِّكُ فِي نِيَّاتِهِمْ، وَيَقْدَحُ فِي عِلْمِهِمْ وَمَكَانَتِهِمُ الَّتِي رَفَعَهَا اللهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾، وَإِذَا سَقَطَتْ هَيْبَةُ العُلَمَاءِ مِنَ القُلُوبِ، سَقَطَ مَعَهَا الدِّينُ مِنْ حَيَاةِ النَّاسِ، فَصَارَ الجَاهِلُ يُفْتِي، وَالمُغْرِضُ يُوَجِّهُ، وَالمُنَافِقُ يُلَمِّعُ البَاطِلَ، فَاحْذَرُوا –عِبَادَ اللهِ– أَنْ تَكُونَ حِسَابَاتُكُمْ ومشاهداتكم وَسِيلَةً لِلطَّعْنِ فِي عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، فَمَنْ حَارَبَ العُلَمَاءَ فَقَدْ حَارَبَ الدِّينَ، وَمَنْ أَسْقَطَ مَكَانَتَهُمْ فإنه يفَتَحَ بَابَ فِتْنَةٍ عَظِيمَةٍ عَلَى الأُمَّةِ. إخْوَةَ الإِيمَانِ: وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا تُبَثُّهُ بَعْضُ الوَسَائِلِ وَأَخْطَرِهِ عَلَى الدِّينِ وَالدُّنْيَا: الطَّعْنُ فِي وُلَاةِ الأُمُورِ، وَإِثَارَةُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ، وَنَشْرُ الأَكَاذِيبِ وَالإِشَاعَاتِ الَّتِي تُزَعْزِعُ الأَمْنَ، وَتُضْعِفُ اللُّحْمَةَ، وَتَفْتَحُ أَبْوَابَ الفَوْضَى وَالفِتَنِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِطَاعَةِ وُلَاةِ الأُمُورِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، وَحَذَّرَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ شَقِّ عَصَا الطَّاعَةِ فَقَالَ: (مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.فَالنَّصِيحَةُ لِلْحُكَّامِ –عِبَادَ اللَّهِ– تَكُونُ بِالسِّتْرِ وَالْحِكْمَةِ، وَبِالدُّعَاءِ وَالإِشْفَاقِ، لَا بِالتَّشْهِيرِ وَالسَّبِّ وَالتَّحْرِيضِ، فَإِنَّ الطَّعْنَ فِيهِمْ لَا يَضُرُّهُمْ بِقَدْرِ مَا يَضُرُّ الأُمَّةَ، وَيُفْسِدُ أَمْنَهَا، وَيُفَرِّقُ صَفَّهَا، ويفتح عليها أبواب الشر والفتن. إخوة الإيمان: ومن أخطر شرور برامج التواصل نشر الأفلام الإباحية والمشاهد الداعية للفجور، حيث تُعرض فيها نساءٌ عارياتٌ ورجالٌ عراة، شبابٌ وشاباتٌ في أوضاعٍ مخزية بعيدةٍ عن الحشمة والوقار، يراها الصغير والكبير، فتغتال الإيمان، وتقتل الحياء، وتُطفئ نور القلب، وتفتح باب الزنا واللواط وسائر الفواحش، يقود هذه المنكرات بشرٌ فاسدون يتاجرون بالخنا والفجور، يبيعون أعراض الناس لأجل المال، وينشرون الفاحشة بين المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ ، فاتقوا الله عباد الله، واحذروا أن تفتحوا لأبنائكم فيا أيها الآباء، راقبوا بيوتكم، واغلقوا منافذ الشر، واملؤوها بالقرآن والذكر والصلاح، فإن الله سائلكم عن رعيتكم، وعن أبنائكم وبناتكم يوم القيامة. إخوة الإيمان: احذروا الغفلة وضياع الأوقات في متاهات برامج التواصل، فإنها تسرق الأوقات خفية، وتستهلك الأعمار بلا شعور حتى يصبح المرء أسير شاشةٍ تأخذ وقته، وتُضعف همّته، وتشغله عن صلاته وذكره وأهله.قال النبي ﷺ) نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ (رواه البخاري. فلا تجعلوا أوقاتكم ضياعًا في اللهو والجدال والفراغ، بل اجعلوا تواصلكم وسيلةً لطاعة الله، ومنبرًا لنشر الخير، وميدانًا للدعوة والذكر، تُنفق فيه الأوقات فيما يرضي الله وينفع العباد، فلنحذر جميعًا من هذه الفتن الخفية، ولنجعل تواصلنا بابًا للأجر لا للوزر، وللبناء لا للهدم، وللهداية لا للفتنة.
الخطبة الثانية:
وسائل التواصل اليوم هي امتحانٌ عظيم، تظهر صدق مراقبة العبد لربّه، هل يثبُت على دين الله أم ينجرف مع هواه والنفس والشيطان، فتنٌ عظيمة، فبعد أن كانت قنوات عبر شاشات في البيوت، أصبحت قنوات في شاشات مصغرة في الجيوب، وما كان يشاهَد بخُفية صار يشاهد بلا رقابة، ولم يعد هناك أفلام ورقص ومسرحيات وأغنيات فقط، بل مواقع إباحية وأفلام جنسية ودعارة وتهتّك وعهر وفجور، تذيب الحديد والجبال الراسية، كل هذا موجود ومتوفر في الجوالات التي يحملها الآباء والأمهات والأولاد والبنات، والشباب والشابات، فيا أيها الأحبة في الله، إن هذه الوسائل سلاح ذو حدين: من استعملها في الخير رفعه الله، ومن استعملها في الشر أهلكته. فتفقدوا ما تنشرون، وتذكروا أن الله يراكم ويحاسبكم على كل حرف وصورة ومقطع، ورب كلمةٍ كتبها صاحبها أو نشرها تهوي به في النار، ورب كلمةٍ كتبها أو نشرها صاحبها ترفعه درجات في الجنان، اللهم طهر ألسنتنا من الكذب، وقلوبنا من الحسد، وأعيننا من الحرام، اللهم احفظ شبابنا من الإلحاد والزيغ، واهدِ أبناء المسلمين للحق، اللهم اجعلنا من أنصار العلماء والدعاة، لا من خصومهم، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، واحفظ بلاد الحرمين وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين ...
المشاهدات 43 | التعليقات 0