خيرُ أيامِ الدنيا
محمد محمد
خيرُ أيامِ الدنيا-3-12-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ نواف الحارثي
الـْحَمْدُ للهِ ذِي الْـجَلالِ وَالْكَرَمِ، أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَأَتمَّ لَنَا النِّعَمَ، وَجَعَلَنَا خَيْرَ أُمَّـةٍ أُخْرِجَتْ لِلْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللـهُ وَحْدَهُ لا شَرِيـكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللـهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ-صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بعدُ: فيا أيها الكرامُ:
قالَ رجلٌ مِنَ اليَهُودِ لعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ-رضي اللهُ عنهُ-: "يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ؛ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ (اليومَ أَكملتُ لكم دينَكم وأَتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ دينًا) قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ، يَوْمَ جُمُعَةٍ".
إِنَّ يوم عَرَفَةَ من أَيَّامِ اللهِ الجليلةِ، فهو من أَيَّامِ عَشْرِ ذي الحجَّةِ ذاتِ الفضيلةِ، ولهُ مع ذلك فضائلُ أُخرى جَزِيلَةٌ.
فمنها: أَنَّ اللـهَ أَكْمَلَ فيهِ الدِّينَ، وأَتَمَّ فيهِ النِّعْمَةَ.
ومن فضائلِ يومِ عَرَفَةَ: أَنَّ اللـهَ أَقسمَ بهِ، ولا يُقْسِمُ اللـهُ إِلَّا بعظيمٍ، قال أَبو هريرةَ-رضي الله عنه-في تفسيرِ قولِهِ-تعالى-: (وشاهدٍ ومشهودٍ) "الشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجـُمُعَةِ، وَالْمـَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ".
وفَسَّرَ ابنُ عبَّاسٍ-رضي الله عنهما-الوَتْرَ في قولِهِ-تعالى- (والشفعِ والوَترِ) بيومِ عَرَفَةَ.
ومن فضائلِ يومِ عَرَفَةَ: أَنَّ دعاءَهُ خيرُ الدُّعاءِ، قالَ الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمـُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
فأكثروا من تردادِ هذا الدعاءِ، فهو دعاءُ عبادةٍ وثناءٌ على اللهِ، واستكثروا من دعاء المسألةِ كذلك، ولكمْ في رسولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فقدِ استقبلَ القِبْلَةَ بعدَ أَنْ صلَّى الظهرَ والعصرَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ في يومِ عرفةَ، فما زالَ يَدْعُو الله حتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قال أُسامةُ بنُ زيدٍ-رضي الله عنهما-: "كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-بِعَرَفَاتٍ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو، فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ؛ فَسَقَطَ خِطَامُهَا؛ فَتَنَاوَلَ الْخِطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ الْأُخْرَى".
واعلموا أن هذا الفضل للدُّعاءِ في هذا اليومِ ليسَ خاصًّا بمَن كان واقِفًا بعَرَفَةَ؛ بل يَشْمَلُ باقيَ البِقَاعِ؛ وهو مذهبُ بعضِ السَّلَفِ، فالفضلُ للزمانِ؛ لا للمكانِ، ولا شكَّ أَنَّ مَن وقَفَ بعَرَفَةَ فقد جمعَ بين فضلِ المَكانِ وفضلِ الزمانِ.
ولقد جاءَ عن بعضِ السلفِ-رحمهم اللهُ تعالى-بأنهم يدخرونَ حاجاتِهم ليومِ عرفةَ، فتعرضوا لنفحاتِ اللـهِ، وتفرغوا للدعاءِ والتضرعِ بين يدي اللـهِ.
ومن فضائلِ يومِ عرفةَ: أَنَّهُ أَكثرُ الأَيامِ الَّتي يُعْتِقُ اللـهُ فيها عَبِيدَهُ من النَّارِ، ويَدْنُو اللـهُ من الحَجِيجِ بعَرَفَةَ، ويُبَاهِي بهم ملائكتَهُ، قالَ الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللـهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَـرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْـمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟!".
قال ابنُ رجبٍ-رحمهُ اللهُ-: "العتقُ من النَّارِ عامٌّ لِجميعِ المسلمينَ بحمدِ اللهِ-تعالى"، قالَ الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "ما رُؤِيَ الشيطانُ يومًا؛ هو فيه أَصْغَرُ، ولا أَدْحَرُ، ولا أَحْقَرُ، ولا أَغْيَظُ منه يومَ عرفةَ، وما ذاك إلا لِمَا يَرَى من تَنَزُّلِ الرحمةِ وتَجَاوُزِ اللهِ–تعالى –عن الذنوبِ العِظَامِ...".
ومن فضائلِ يومِ عرفةَ: أَنَّ صيامَهُ يُكفِّرُ سنتينِ، قالَ الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ".
فاغتنموا هذا اليومَ العظيمَ، فالعاقلُ مَنِ اغتنمَ مواسِمَ الخَيْرَاتِ، ونافسَ على الحسناتِ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبةُ الثانية
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمدٍ سيدِ العالَمينَ، أما بعدُ:
فمِنْ فجرِ يومِ عرفةَ يبدأ التكبير المُقَيَّدِ لغيرِ الحاجِّ، وهو الَّذي يتقيَّدُ بأَدبارِ الصَّلَواتِ، وهو لا يمنعُ من التكبيرِ المُطْلَقِ في كلِّ وقتٍ، بل يتصاحبانِ إِلى آخرِ أَيَّامِ التشريقِ، فأكثروا من التهليلِ والتحميدِ والتكبيرِ.
إخواني: يومُ العيدِ من أفضلِ الأيامِ عندَ اللهِ، بلْ قالَ بعضُ العُلَماءِ: إنَّهُ أَفضَلُ الأيامِ على الإطلاقِ، قالَ الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللّهِ-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ".
ويُسَنُّ لَنَا في يوم العيد: الاغتِسَالُ والتَّطيُّبُ، ولُبسُ أَحْسَنِ مَا نَجِدُ، أَمَّا النِّساءُ فَيَخرُجنَ مُحتَشِمَاتٍ غيرَ مُتَطَيِّبَاتٍ.
والسُّنةُ الذهابُ للصلاة ِمَشْيًا على الأَقدَامِ، ورفعُ الصوتِ بالتَّكْبِيرِ، وعدمُ الأكلِ قَبلَ الصَلاةِ حتى يُؤْكُلَ من الأُضحيةِ بعدَ الصلاةِ، وعلى المسلمِ أنْ يصليَ صلاةَ العيدِ، ويشكرَ اللهَ على نعمِهِ، ويفرحَ فيه، فإنَّ الفرحَ فيه، مِنْ مَحَاسِنِ هذَا الدِّينِ وشَرَائِعِهِ، قالَ الرسولُ-صلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ-: "فَإِنَّ اللَّـهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ".
اللَّهمَّ لكَ الحمدُ، وإِليكَ الـمُشتكى، وأَنتَ الـمُستَعانُ، وبِكَ الـمُستغاثُ، وعليكَ التُكْلان، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بكَ.
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا الـمُرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بينَ قلوبِ الـمُسلمينَ، وأصلحْ بينهم.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبالـمِسلمينَ على كُلِّ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ أحسنْتَ خَلْقَنا فَحَسِّنْ أخلاقَنا.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والـمُسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ، والهُدى والسَّدادَ، والبركةَ والتوفيقَ، وَصَلَاحَ الدِّينِ والدُنيا والآخرةِ.
اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والـمسلمينَ والـمسالِمين.
اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالـمينَ.