خَيرُ الْعَامِ حُسْنُ الخِتَامِ 24/12/1446هـ
خالد محمد القرعاوي
1446/12/21 - 2025/06/17 17:59PM
خَيرُ الْعَامِ حُسْنُ الخِتَامِ 24/12/1446هـ
الحمدُ للهِ الكريمِ الفَتَّاحِ، يُعَامِلُ الْمُؤمِنينَ بِالجُودِ وَالسَّمَاحِ. أَشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لَهُ شَهَادَةً تَبعَثُ الانْشِرَاحَ، وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ اللهُ بِالهُدى والتُّقى الصَّلاحِ، اللهمَّ صَلِّ وِسَلِّم وَبَارك عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابه وأتبَاعِهِ بِإحسانٍ مَا بَدا نَجْمٌ وَلاحَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
أيُّها الْمُسلِمُونَ: هذهِ الدّْنيا مَرَاحِلٌ والنَّاسُ فيها بينَ مُسْتَعِدٍّ وَرَاحِلٍ، وَليسَتْ العِبْرَةُ بِطُولِ العُمُرِ وَقِصَرِهِ ف {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} العِبْرَةُ بِحُسْنِ العَمَلِ والخِتَامِ! {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}. نَسْألُ اللهَ أنْ يُحْسِنَ لَنَا العَمَلَ والخِتَامَ. والعَاقِلُ مَنْ حَاسَبَ نَفْسَه، وَرَجا رَبَّهُ، وَخَافَ ذُنُوبَهُ قَبْلَ أنْ تَكُونَ سَبَبَاً فِي هَلاكِهِ. {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} عِبَادَ اللهِ: حُسْنُ الخِتَامِ مَطْلُوبُ الْمُؤمِنينَ. وَالخَوفُ مِن سُوءِ الخَاتِمَةِ هُوَ الذي أَرْهَبَ قُلُوبَ الصَّادِقِينَ! لأنَّهُمْ يُؤمِنُونَ بِقَولِ اللهِ تَعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}. قَالَ الشَّيخُ السَّعدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: يُثَبِّتُ اللهُ عِبَادَهُ الْمُؤمِنينَ الذين قَامُوا بِمَا عَلَيهِم مِنْ إِيمَانِ القَلْبِ التَّامِّ، الذي يَستَلْزِمُ أَعمَالِ الجَوَارِحِ وَيُثْمِرُهَا، فَيُثَبِّتُهُمُ اللهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنيا عِنْدَ وُرُودِ الشُّبُهاتِ بِالهِدَايَةِ إلى اليَقِينِ، وَعِنْدَ عُرُوضِ الشَّهَوَاتِ بِالإرَادَةِ الجَازِمَةِ على تَقْدِيمِ مَا يُحِبُّهُ اللهُ عَلى هَوَى النَّفْسِ وَمُرَادَاتِهَا. وَفِي الآخِرَةِ عِنْدَ الْمَوتِ بِالثَّبَاتِ على الدِّينِ الإسْلامِيِّ وَالخَاتِمَةِ الحَسَنَةِ.
عِبَادَ اللهِ: دَائِمَاً وَأبَدًا اسْألوا اللهَ حُسْنَ الخِتَامِ لأنَّ رَسُولَنا صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلُّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ». ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ».
أيُّها الْمُؤمِنُ: حُسْنُ الخِتَامِ مَعْناهُ أنْ يُوفِّقَكَ اللهُ في الدُّنيا لِلعَمَلِ الصَّالِحِ وَأنْ تَمُوتَ على ذلِكَ. أَخرَجَ الإمُامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللهُ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ قَالَ يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ). وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضيَ اللهُ عنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْ: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا عَسَّلَهُ؟ قَالَ: "يُفْتَحُ لَهُ عَمَلاً صَالِحًا، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ" صَحَّحَهُما الألبَانِيُّ رَحِمَهُ اللهُ. جَعَلَنَا اللهُ مِمَّنْ اسْتَعْمَلَهُمْ في طَاعَتِهِ، وَأَحَسَنَ خَاتِمَتَهُمْ.
أيُّها الْمُؤمِنُونَ: الإسْلامُ ليس بالتَّحَلِّي ولا بالتَّمَنِّي! إنَّمَا صِدْقٌ وَعَمَلٌ كَمَا قَالَ رَبُّنا جَلَّ وَعَلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. نَعَمْ نَحْتاجُ إلى أخْلَصِ العَمَلِ وَأَصْوَبِهِ. وَلْنَعْلَمْ أنَّ اللهَ ليس بظلاَّمٍ لِلعبيدِ، فَهُوَ الْقَائِلُ كَمَا في الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: « يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ».
عِبَادَ اللهِ: كُلُّنا يَحْفَظُ حَدِيثَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ». وَهَذا مَا يَدْفَعُنا إلى سُؤَالِ اللهِ حُسْنَ القَصْدِ والعَمَلِ. وَمَنْ كَتَبَ اللهُ لَهُ السَّعَادَةَ وحُسْنَ الخِتَامِ فَسَيَشْرَحُ اللهُ صَدْرَهُ في الدُّنيا، وَيُحَبِّبُ لَهُ الخَيْرَ حيثُمَا كَانَ. وَأَوَّلُ بُشْرَىً لَهُ تَكُونُ فِي سَاعَةِ الاحْتِضَارِ حينَ: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}. حِينَهَا نُدْرِكُ مَعْنَى قَوْلَ نَبِيِّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْ: (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ). قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: (لَيْسَ ذَاكِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَه).فاللهمَّ إنَّا نَسْألُكَ حُسْنَ القَولِ والعَمَلِ. وحُسْنَ الخِتَامِ والْمُنقَلبِ. وأستغفُرَ اللهَ فاستغفِروهُ إنهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الخطبة الثانيةِ:
الحمْدُ للهِ الْمُتَفَرِّدِ بِالبَقَاءِ، كَتَبَ عَلى خَلْقِهِ الفَنَاءَ، أَشهَدُ أن لا إله إلَّا اللهُ وحدَه لا شريك لَهُ، لا رَبَّ لَنا سِوَاهُ، وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، اللَّهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عليهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوى اللهِ تَعَالَى في السِّرِّ والْعَلَنِ، فَالعَبْدُ مَرْهُونٌ بَعْدَ رَحْمَةِ اللهِ بِعَمَلِهِ، إنْ خَيرًا فَخَيرٌ، وإنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وَثَمَرَةُ العَمَلِ، تَكُونُ فِي حُسْنِ الخَاتِمَةِ والْمُنْقَلَبِ، خَطَبَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا، كَالْوِعَاءِ إِذَا طَابَ أَعْلاَهُ طَابَ أَسْفَلُهُ، وَإِذَا خَبُثَ أَعْلاَهُ خَبُثَ أَسْفَلُهُ). عِبَادَ اللهِ: فِي إِخْفَاءِ خَاتِمَةِ العَبْدِ حِكَمٌ بَالِغَةٌ، فَإخْفَاؤها مَدْعَاةٌ لِلاجْتِهَادِ في الطَّاعَاتِ، ولِئلا يُصَابَ الْمَرْءُ بِالتَّوَاكُلِ وَالعُجْبِ, أَوْ الكَسَلِ وَالفُتُورِ، وَبالْمُقَابِلِ إذَا أيقَنَ بِسُوءِ خَاتِمَتِهِ أَصَابَهُ اليَأْسُ وَالقُنُوطُ! فَاْزْدَادَ عُتوًّا وَنُفُورًا وَفَسَادًا فِي الأَرْضِ؛ والْمُؤمِنُ هُوَ مَنْ يَرْجُو رَحْمَةَ اللهِ وَيَخَافُ عَذَابَهُ. أيُّها الْمُؤمِنُ: بِحَمْدِ اللهِ وَفَضْلِهِ وَعَدْلِهِ، سُوءُ الخَاتِمَةِ لا تَكُونُ لِمَنْ اسْتَقَامَ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً. وَإذَا نَظَرْتَ لِحَالِ بَعْضِ الْمُحْتَضَرِينَ وَجَدَّتَ أَنَّهُم يُحَالُ بَينَهُم وَبينَ حُسْنِ الخِتَامِ عُقُوبَةً لَهُم عَلى سُوءٍ عَمِلُوهُ، أو فَسَادٍ فِي عَقِيدَتِهِمْ، أَو إصْرَارٍ عَلى كَبِيرَةٍ، أو جُرْأةٍ وَإقْدَامٍ عَلى مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالى، قَالَ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَهَذا مِن أَعْظَمِ الفِقْهِ، أنْ يَخَافَ الرَّجُلُ أنْ تَخْدَعَهُ ذُنُوبَهُ عِندَ مَوتِهِ فَتَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ حُسْنِ الخَاتِمَةِ. وَصَدَقَ نَبِيِّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمْ: حينَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ». فَليَبْشِرْ مَنْ كانَ مُقِيمًا عَلى الطَّاعَةِ ذِكْرًا، وَتَسْبِيحًا، وَتَهْلِيلاً، وَعِبَادَةً، وَطَلَبًا لِلعِلْمِ، وَفِعْلاً لأنْواعِ البِرِّ فإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. فَاسْعَوا رَحِمَكُمُ اللهُ إلى تَحْصِيلِ أَسْبَابِ حُسْنِ الخَاتِمَةِ، وَاحذَرُوا أَسبَابَ سُوءِ الخَاتِمَةِ؛ فَاللهمَّ أسبِغ علينا رحمةً من عندكَ تُغنِينَا بِها عَمَّن سِوِاكَ رَبَّنا اغفر لنا ولِوالِدينا وارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانَا صِغَاراً, اللهمَّ اجعلنا وذُريَّاتِنا مُقِيمِي الصَّلاةِ ربَّنا وتقبل دعاء، اللهم أعزَّ الإسلامَ والْمُسلِمينَ وَفِّقْ ولاةَ أُمُورِنا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى أعنْهُم على البِرِّ والتَّقوى, وَاجْزِهِمْ خيرًا على خدمة الإسلامِ والْمُسْلِمينَ. انْصُر جُنُودَنَا واحفَظْ حُدُودَنَا, اللهم إنَّا نَسأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا قَلْبًا شَاكِرًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمًلا مُتَقَبَّلا، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق