ذم الكبر وفضل التواضع

عبدالرحمن سليمان المصري
1447/01/22 - 2025/07/17 13:47PM

ذم الكبر وفضل التواضع

الخطبة الأولى

الحمد لله الكبير المتعال ، ذي العز والكبرياء ، لا يغيب عنه شيء  في الأرض ولا في السماء ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :

أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾

عباد الله : إن من أسماء الله تعالى التي تدل على العظمة والكبرياء ، اسم الله المتكبر ، قال تعالى: ﴿ هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ﴾. 

والكبر من صفات الله تبارك وتعالى التي لا تنبغي إلا له , وهي صفة كمال في حق الله جل وعلا , قال تعالى: ﴿ وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ﴾الجاثية:37 ، فهو الموصوف بصفات المجد والكبرياء، المنزه عن النقائص ، المعظم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله , المتعالي عن صفات عباده  , والمتكبر على عتاة خلقه ، إن نازعوه العظمة قصمهم ، قال تعالى في الحديث القدسي: " الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري ، فمن نازعني شيئا منهما ألقيته في جهنم " رواه أحمد بسند صحيح.

عباد الله : وأما الكبر في حق المخلوق ، فهو من كبائر الذنوب ، وهو أول ذنب عصي الله به ، خطه إبليس بنفسه ، وسنه لأتباعه ، فأوقعهم في المهالك ، ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ﴾البقرة:34.

وكل الأمم المكذبة للرسل ، اتصفوا بالاستكبار على دعوة أنبيائهم ، ومن آمن من أقوامهم ، قال تعالى:﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ﴾النمل:14.

عباد الله : والتكبر على العباد ، خلق ذميم ، وذنب عظيم ، قال صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة ، من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " رواه مسلم.

ومن العقوبات العاجلة ، الحرمان من الانتفاع بآيات الله والاتعاظ بها ،﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ﴾الأعراف: 146.

وأما في الآخرة فإن أهل المحشر يطأونهم بأرجلهم ، قال صلى الله عليه وسلم: " يحشر المتكبرون يوم القيامة ، أمثال الذر في صور الرجال ، يغشاهم الذل من كل مكان ، فيساقون إلى سجن في جهنم ، يسمى بولس، تعلوهم ‌نار الأنيار ،  يسقون من عصارة أهل النار ، طينة الخبال " رواه الترمذي وحسنه .

وأهل الكبر ، أكثر أهل النار عددا ، قال صلى الله عليه وسلم: " تحاجت الجنة والنار , فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين " الحديث رواه البخاري.

عباد الله: والكبر خصلة تقوم في القلب ، ثم تظهر آثارها على الجوارح ، وحقيقته : بطر الحق، وغمط الناس" أي رد الحق وعدم قبوله والتعالي عليه ، و احتقار الناس وانتقاصهم .

ومن مظاهره ؛ احتقار الفقراء والضعفة ، والأنفة من الأكل معهم أو الجلوس بجوارهم ، ورفض إجابة دعوتهم ، وعدم قبول اعتذارهم ، والبعض يمتنع من الصلاة في المسجد حتى لا يقف بجوارهم.

والمتكبر يريد أن يسعى الناس إليه ، وأن يبدؤوه بالسلام دائما ، ولا يرد السلام على الضعفة وصغار السن.

عباد الله: والمتكبر من صفاته أنه عتل جواظ ، أي فظ غليظ شديد الخصومة ، سيئ الخلق ، ينظر إلى الناس نظرة تكبر واحتقار ، شعاره الفخر بالآباء والأجداد ، الثرثارون المتشدقون المتفيهقون ، مختال في مشيته ، يكثر الطعن في الناس والاستهزاء بهم ، معجب برأيه ، يرد كل رأي مخالف ولو كان حقا  .

قال صلى الله عليه وسلم " بينما رجل يتبختر ، يمشي في برديه قد أعجبته نفسه ، فخسف الله به الأرض ، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة " رواه مسلم .- أي لا يزال يغوص من أرض إلى أرض إلى قيام الساعة -

قال تعالى: ﴿ ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا * كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ﴾الإسراء:37.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.        

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا  ،   أما بعد :

عباد الله: التواضع خلق حميد ، وخصلة كريمة ، ينال بها العبد محبة الله ورضاه ، ثم محبة الناس وكسب قلوبهم ، وهو دين يتقرب به العبد إلى الله عز وجل ، وهبة ومنحة إلهية ، يهبها الله لمن يحبهم ويختارهم .

والمتواضع هو الذي يقبل الحق ولا يستكبر عليه ، ولا يتعالى على الخلق ولا يتكبر عليهم ، قال صلى الله عليه وسلم :" إن الله أوحى إلي أن تواضعوا ‌حتى ‌لا ‌يفخر ‌أحد ‌على ‌أحد ، ولا يبغي أحد على أحد " رواه مسلم.

عباد الله: إن نبينا صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين ، كان رقيق القلب، رؤوفا بأمته ، ساع في تأليفهم ، كان أحلم الناس وأسخاهم ، ينصره الله ويفتح عليه البلاد , فيزداد تواضعا لله تعالى , وكان يخصف نعله ، ويرقع ثوبه ، ويكون في خدمة أهله .  

وكان يجيب دعوة المملوك ، ويعود المرضى، ويمشي وحده ، وكان يركب على البغلة والحمار ، ويردف خلفه ، وكان يقبل الهدية ويكافئ عليها ، وكان لا يأكل متكئا ، وما عاب طعاما قط ، وكان يقول" لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت"

وكان يقبل العذر من المعتذرين ، وكان يعفو مع المقدرة ، وكان يبدأ بالسلام من لقيه، ويسلم على الصبيان ويمسح على رؤوسهم ، ويقضي حاجة السائل، وكان يداعب الأطفال ، ويمازح الكبار, ويبتسم في وجوه الناس.

وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس ، وكان يجلس مع أصحابه ويخالطهم ، وما كان يتميز عنهم بجلسته , وكان يحمل ما يشتريه من السوق بنفسه .

دخل عليه رجل يكلمه ، فجعل ترتعد فرائصه، فقال له صلى الله عليه وسلم: "هون عليك، إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد " -أي اللحم المجفف- رواه ابن ماجة .

عباد الله: إن على المسلم أن يدفع الكبر عن نفسه ؛ بأن يتذكر أصله ومصدر تكوينه﴿ ألم يك نطفة من مني يمنى﴾القيامة:37 ، وليتذكر فقره الدائم إلى الله ، مهما عظم ماله وجاهه ، وليتذكر ضعفه وعجزه ، حين تصيبه الأمراض والأسقام

، و ليتذكر يوم رحيله من الدنيا، ويوم ينفخ في الصور ، ويحصل ما في الصدور ، سيعلم المتكبرون على أي شيء كانوا يتكئون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، قال تعالى:﴿ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في

الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ﴾القصص:83.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

 

المرفقات

1752749159_ذم الكبر وفضل التواضع خطبة2.docx

1752749159_ذم الكبر وفضل التواضع خطبة2.pdf

المشاهدات 419 | التعليقات 0