ربيع قلوب المؤمنين: الصلاة. 16/5/1447

أحمد بن ناصر الطيار
1447/05/15 - 2025/11/06 11:02AM

 

الحمد لله القائمِ على نفوس العالم بآجالها, والعالمِ بتقلبها وأحوالها, المانّ عليهم بتواتر آلائه, المتفضل عليهم بسوابغ نعمائه, وأشهد أن لا إله إلا الله فاطرُ السموات العلا, ومنشئ الأرضين والثرى, لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه, لا يُسْأَلُ عما يفعل وهم يسألون.

وأشهد أن محمدا عبده المجتبى, ورسوله المرتضى, بعثه الله على حين فترة من الرسل, ودروس من السبل, فدمغ به الطغيان, وأكمل به الإيمان, وأظهره على كلّ الأديان, وقمع به أهل الأوثان, فصلى الله عليه وسلم مَا دار في السماء فلك, وما سبّح في الملكوت ملَك, وعلى آله أجمعين.

أما بعد, فإنّ الصلاةَ هي الباب الذي يَلِجُ منه المحبون إلى محبوبهم, والقنطرة التي بها يجتاز المتقون إلى قرة عيونهم, والسبب الذي به ينال المخبتون كلّ مرادهم.

قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله: مَن مثلك يابن آدم؟ خلّي بينك وبين المحراب والماء؟ كلما شئت دخلتَ على الله عز وجل ليس بينك وبينه ترجمان.

"وَالصَّلَاةُ أَوَّلُ أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ, وَأَصْلُ أَعْمَالِ الْإِيمَانِ؛ وَلِهَذَا سَمَّاهَا الله تعالى إيمَانًا فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ} أَيْ صَلَاتَكُمْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ, هَكَذَا نُقِلَ عَن السَّلَفِ..

وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ فِي وَقْتِهَا, قَالَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ, قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".

وللصلاة طعمٌ ولذَّةٌ وسعادةٌ من حُرمها فهو المحروم, ومن لم يذقها فما ذاق طعمَ السعادة الحقيقية, والراحة النفسيّة, والطمأنينة القلبية.

قال الحسن البصري رحمه الله: تفقدوا الحلاوة في الصلاة وفي القرآن وفي الذكر, فإن وجدتموها فامضوا وأبشروا, وإن لم تجدوها فاعلموا أنَّ الباب مغلق.

وكلّ طاعةٍ إذا أُدّيت على الوجه المطلوب: فإنها تُثمر حلاوةً في القلب ولابدّ, قال ابن القيم رحمه الله: "سمعت شيخ الإسلام يقول: إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحا: فاتهمه, فإنَّ الرب شكور.

يعني: أنه لابد أن يُثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول". ا.ه

فإذا لم تجد - أخي المصلي- لصلاتك حلاوةً ولذّةً فاعلم أنّ في صلاتك خللاً ونقصًا, منع الحلاوة من الوصول إلى قلبك.

قال التابعي الجليل محمد بن واسع وابن المنكدر: "ما بقي في الدنيا شيء ألَذُّ به إلا الصلاة جماعةً، ولقاء الإخوان".

 وإنّ الذين يصلّون الصلاة التي أمر الله تعالى بخشوعها وأركانها وواجباتها وسننها، يشعرون بلذّة لا يُعادلها شيءٌ من لذائذ الدنيا, وانظر إلى حالهم حينما يخرجون من بيوتهم إلى مساجد الله تعالى, كيف ترى النور يُشعّ منهم, والبهاء والنضرة على قسمات وجوههم, وذلك لِمَا يشعرون به من اللذة والسعادة الغامرة, التي تخرج في أحيانٍ كثيرة فتبدوا على قسمات وجوههم.

فإن لم تكن هذه جنة الدنيا فما هي جنة الدنيا؟ وإن لم تكن هذه هي السعادة الحقيقية فما هي السعادة؟

قال بعضُ الأدباء الفقهاء: "لا تحاول أن تقنع تارك الصلاة بلزومها, وتسرد له فوائدها وما ورد فيها، بل اسعَ لتذيقه لذّتها".

فمن ذاق لذة الصلاة لم يتركها, ولم يتهاون بها, لأنها مع وجوبها وعِظم أجرها: أعظمُ مصدرٍ وسببٍ للسعادة وانشراح الصدر وراحة البال.

والملائكة تصعد بالصلاة فتعرضها على الله جل جلاله، بمنزلة الهدايا التي يتقرب بها الناس إلى ملوكهم وكبرائهم, فليس مَن عَمَد إلى أفضل ما يقدر عليه فيُزينه ويحسّنه ما استطاع, ثم يتقرب به إلى من يرجوه ويخافه, كمن يعمد إلى أسْقَطِ ما عنده وأهونِه عليه فيستريح منه, ويبعثه إلى مَن لا يقع عنده بموقع.

 وليس من كانت الصلاة ربيعًا لقلبه, وحياةً له, وراحةً وقرة لعينه, وجلاءً لحزنه, وذهابًا لهمِّه وغمِّه, ومَفزعًا له إليه في نوائبِه ونوازلِه, كمن هي تكليفٌ له وثِقْل عليه, فهي كبيرةٌ على هذا, وقرةُ عينٍ وراحةٌ لذلك.

وقال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فإنما كبرت على غير هؤلاء؛ لخلوِّ قلوبهم مِن محبة الله تعالى وتكبيِره وتعظيمِه والخشوعِ له, وقلّةِ رغبتهم فيه؛ فإنَّ حضورَ العبد في الصلاة, وخشوعَه فيها, وتكميلَه لها, واستفراغه وسعَهُ في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله تعالى.

 

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الخشوعَ في الصلاة, وأنّ يوفّقنا للعمل الذي يرضاه, إنه على كل شيء قدير.

***************

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيا أيها المصلي: جمّل صلاتك وزيّنها؛ فإنّ الملائكة تصعد بصلاتك فتعرضها على الله تعالى, بمنزلة الهدايا التي يتقرب بها الناسُ إلى ملوكهم وكبرائهم.

وإذا أردت أنْ تعلم قدرك عند الله تعالى, فانظر قدر الصلاة في قلبك, وإذا أردت أن تعرف قدر الإسلام في نفسك, فانظر قدر الصلاة في نفسك.

فهل تُعظمها وتُجلّها وتحسب لها ألف حساب؟

وهل تستعد لها أعظم اسْتعداد؟

وهل تتزيّن لها أعظم مما تتزيّن لأعظم مخلوق ومسؤول؟

وهل تتريّث في صلاتك وتطيل فيها؛ لأُنْسِك بها وفرحِك بربك الذي تُناجيه؟

وهل تخرج منها منشرح الصدر مُرتاحَ البال؟

فلْنُحاسب أنفسنا قبل أنْ نُحاسب, ولْنسأل أنفسنا بصدق قبل أنْ نُسأل, فالحساب والسؤال يوم القيامة عسير, وهو اليوم سهل ويسير.

نسأل الله تعالى أن يجعل الصلاة قرةّ عيُوننا, وراحةَ بالِنَا, إنه سميع قريب مجيب.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المشاهدات 171 | التعليقات 0