شرف خدمة بيوت الله

 

الحَمْدُ لِلَّهِ الكَرِيمِ المَنَّانِ، ذِي الفَضْلِ وَالجُودِ وَالإِحْسَانِ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَدَ، وَنَشْكُرُهُ وَنُثْنِي عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى مَنْ عُبِدَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؛ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، لَا رَبَّ لَنَا سِوَاهُ، وَلَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللَّهُ.

وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الأُمِّيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَاقْتَفَى أَثَرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ..

اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَاشْكُرُوهُ، وَرَاقِبُوهُ وَلَا تَعْصُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ..

إِنَّ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ مَظَاهِرِ تَعْظِيمِهِ: تَهْيِئَةُ بُيُوتِ اللَّهِ لِلصَّلَاةِ، وَتَطْهِيرُهَا لِلْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.

فَتَطْهِيرُ الْبُيُوتِ وَتَهْيِئَتُهَا لِعِبَادَةِ اللَّهِ شَرَفٌ عَظِيمٌ، وَعَمَلٌ جَلِيلٌ، يُقَرِّبُ العَبْدَ مِنَ المَوْلَى، وَيُعَظِّمُ فِيهِ حُرْمَاتِ اللَّهِ، وَيَدُلُّ عَلَى تَقْوَى الْقُلُوبِ، وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ رَفَعَ قَوَاعِدَ البَيْتِ الحرامِ مَعَ ابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾.

وَمِنْ عَظِيمِ قَدْرِ هَذِهِ العِبَادَاتِ، أَنَّ اللَّهَ شَرَّفَ مَنْ يَخْدُمُ بَيْتَهُ، وَمَنْ يَسْعَى إِلَى رَاحَةِ مَنْ يَفِدُ إِلَيْهِ، وَمنْ يقومُ ببِنَاءُ المَسَاجِدِ وَإِعْمَارِهَا، وَتَهْيِئَتِهَا لِلْمُصَلِّين، فَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ أَجَلِّ القُرُبَاتِ، وَأَرْفَعِ الدَّرَجَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِينَ﴾.

وَمِنْ أَعْظَمِ الأَوَامِرِ الَّتِي وَجَّهَهَا اللَّهُ لِنَبِيِّهِ وَخَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ بِنَاءِ الكَعْبَةِ، مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.

هَذِهِ الآيَةُ العَظِيمَةُ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا أَمْرًا رَبَّانِيًّا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَتَطْهِيرِ بَيْتِهِ الحَرَامِ، وَهِيَ تُشِيرُ َإلى عُلُوِّ مَنْزِلَةِ مَنْ يَخْدُمُهُ، وَتُبَيِّنُ أَنَّ عِبَادَةَ اللَّهِ لَا تَلِيقُ إِلَّا فِي بِيئَةٍ طَاهِرَةٍ حِسًّا وَمَعْنًى، فَبُيُوتُ اللَّهِ يَجِبُ أَنْ تُطَهَّرَ مِنَ الشِّرْكِ وَالوَثَنِيَّةِ وَالأَصْنَامِ وَالقُبُورِ، فَلَا يُعْبَدُ فِيهِ إِلَّا اللَّهُ، وَتُحْتَرَمُ مِنَ المَظَاهِرِ الدُّنْيَوِيَّةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَتُنَظَّفُ مِنَ الأَوْسَاخِ وَالأَقْذَارِ وَالأَنْجَاسِ.

عباد الله..

وَلَا تَزَالُ العِنَايَةُ بِبُيُوتِ اللَّهِ خَاصَّةً مَسْجِدَهُ الحَرَامَ مُنْذُ عَهْدِ نَبِيِّ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَاسْتَمَرَّتِ العِنَايَةُ وَالاهْتِمَامُ بِبُيُوتِ اللَّهِ حَتَّى هَذَا اليَوْمِ، حَتَّى فِي تِلْكَ العُصُورِ الجَاهِلِيَّةِ البَعِيدَةِ عَنِ الإِسْلَامِ، كَانَتْ خِدْمَةُ حُجَّاجِ بَيْتِ اللَّهِ الحَرَامِ شَرَفًا وَوِسَامًا، وَقَدِ افْتَخَرَ العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسِقَايَتِهِ لِلْحُجَّاجِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ أَنَّ الإِيمَانَ وَالجِهَادَ أَعْظَمُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ فَضْلَ السِّقَايَةِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ﴾.

وَكَانَ القِيَامُ عَلَى مَسَاجِدِ اللَّهِ، وَخِدْمَةُ حُجَّاجِ بَيْتِ اللَّهِ شَرَفًا تَتَوَارَثُهُ الدُّوَلُ وَالقَبَائِلُ، وَكَانَتِ العَرَبُ تَتَفَاخَرُ بِذَلِكَ، وَكَانَتْ تَقُومُ بِخِدْمَةِ الحَرَمِ المَكِّيِّ وَحُجَّاجِ بَيْتِ اللَّهِ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ، وَقَدْ تَوَزَّعَتِ المَهَامُّ الكُبْرَى فِي مَكَّةَ بَيْنَ بُطُونِهَا، فَكَانَ لِكُلِّ بَطْنٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ زَعِيمٍ مِنْهُمْ وَظِيفَةٌ شَرِيفَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالحَرَمِ وَخِدْمَةِ الحَجِيجِ، وَمِنْ أَبْرَزِهَا وَأَشْرَفِهَا:

السِّقَايَةُ: وَهِيَ سُقْيَا الحُجَّاجِ، خَاصَّةً فِي أَيَّامِ الحَجِّ، وَكَانَتْ بِيَدِ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقَدْ تَوَلَّى السِّقَايَةَ قَبْلَهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ، وَكَانَ يَحْفِرُ الآبَارَ وَيَجْلُبُ المَاءَ مِنْ زَمْزَمَ، بَعْدَ أَنْ أَعَادَ حَفْرَهَا، وَقَدْ أَبْقَاهَا الإِسْلَامُ وَكَرَّمَ القَائِمِينَ عَلَيْهَا.

وكذلك الرِّفَادَةُ: وَهِيَ إِطْعَامُ الحُجَّاجِ وَالفُقَرَاءِ مِنْهُمْ فِي المَوْسِمِ، خَاصَّةً مَنْ لَا يَجِدُ الزَّادَ، وَأَوَّلُ مَنْ قَامَ بِهَا مِنْ قُرَيْشٍ: هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ، جَدُّ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ يَأْخُذُ المَالَ مِنْ أَغْنِيَاءِ قُرَيْشٍ فِي المَوْسِمِ وَيُشْرِفُ عَلَى الطَّعَامِ بِنَفْسِهِ. وَاسْتَمَرَّتِ الرِّفَادَةُ فِي بَنِي هَاشِمٍ، وَكَانَتْ مَظْهَرًا مِنْ مَظَاهِرِ الكَرَمِ وَالمَكَانَةِ.

ومن مظاهرِ العنايةِ بالمسجدِ الحرامِ الحِجَابَةُ وَالسِّدَانَةُ: وَهِيَ حِفْظُ مَفَاتِيحِ الكَعْبَةِ وَخِدْمَتِهَا وَفَتْحِهَا فِي المَوَاسِمِ، وَعِنْدَ الحَاجَةِ، وَكَانَتْ عِنْدَ بَنِي شَيْبَةَ، وَلَا تَزَالُ فِيهِمْ إِلَى اليَوْمِ.

وَفِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ، اسْتَمَرَّتْ هَذِهِ المَعَانِي، فَأَوْصَى بِخِدْمَةِ الحَجِيجِ، وَدَعَا إِلَى رِعَايَتِهِمْ، وَأَمَرَ بِالإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ.

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ..

القُرْآنُ يَذْكُرُ بِالعِنَايَةِ بِالمَسَاجِدِ والاهتِمامِ بها، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾.

آيَةٌ جَلِيلَةٌ تُعَظِّمُ مَكَانَةَ المَسَاجِدِ، وَتُبْرِزُ شَرَفَهَا، وَمَا يَنْبَغِي تُجَاهَهَا، وَمَعْنَى رَفْعِ بُيُوتِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾، أَنْ تُرفَعَ بِنَاءً وَتَشْرِيفًا؛ بِعِمَارَتِهَا وَتَطْهِيرِهَا، فَتُبْنَى وَتُعَمَّرُ وَتُزَيَّنُ لِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَتُرفَعَ مَكَانَةً وَقَدْرًا: لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ الوَحْيِ وَالنُّورِ وَالطَّاعَةِ، وَتُطَهَّرَ مِنَ اللَّغْوِ وَالبَاطِلِ، فَلَا يُرْفَعُ فِيهَا صَوْتٌ لِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، وَلَا يُمَارَسُ فِيهَا إِلَّا مَا يُرْضِي اللَّهَ.

جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبِنَاءِ المَسَاجِدِ فِي الدُّورِ، وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ.

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي، حَتَّى الْقَذَاة يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ.." رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

وَكَانَ مِنْ عَادَةِ السَّلَفِ أَنْ يَتَّخِذُوا فِي بُيُوتِهِمْ أَمَاكِنَ مُعَدَّةً لِلصَّلَاةِ فِيهَا، وَهَذِهِ المَسَاجِدُ لَا يَثْبُتُ لَهَا شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ المَسَاجِدِ، وَلكنْ يَنْبَغِي أَنْ تُحْتَرَمَ هَذِهِ البِقَاعُ المُعَدَّةُ لِلصَّلَاةِ، وَتُنَظَّفَ وَتُطَهَّرَ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي المَسَاجِدِ الَّتِي تُبْنَى فِي البُيُوتِ: "تُرْفَعُ وَلَا تُشَرَّفُ، وَتُفْرَغُ لِلصَّلَاةِ، وَلَا تُجْعَلُ فِيهَا شَيْئًا".

وَكذا المُصَلِّي حِينَ يَقِفُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ وَمَوْلَاهُ عَلَيْهِ التَّطَهُّرُ وَالتَّنَظُّفُ بِجَمِيعِ أَشْكَالِهِ؛ طَهَارَةٌ شَامِلَةٌ مِنَ الحَدَثِ الأَكْبَرِ، وَمِنَ الحَدَثِ الأَصْغَرِ، وَطَهَارَةُ اللِّبَاسِ، وَطَهَارَةٌ فِي المَكَانِ، حَتَّى يُصْبِحَ الوَاقِفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى كَأَجْمَلِ وَأَطْهَرِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ.

فالمَسَاجِدُ لَيْسَتْ كَأَيِّ مَكَانٍ، إِنَّمَا هِيَ بُيُوتُ اللَّهِ، أُضِيفَتْ إِلَى اللَّهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَتَكْرِيمٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾.

أَتَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الوَادِيَ المُقَدَّسَ طُوًى، وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ وَيُنَاجِيَهُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾.

فَيَنْبَغِي لِلْوَاقِفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِالطَّهَارَةِ مَا اسْتَطَاعَ لِذَلِكَ، سَوَاءٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَلْبَسِهِ أَوْ مَكَانِهِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الخطبة الثانية

الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِنْعَامِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَفَضُّلِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ عِبَادِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَإِخْوَانِهِ.

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ..

تَأَمَّلُوا هَذَا المَشْهَدَ القُرْآنِيَّ العَجِيبَ، الَّذِي يُسَجِّلُهُ اللَّهُ لَنَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، عَنِ امْرَأَةٍ مُؤْمِنَةٍ، لَمْ يُذْكَرْ اسْمُهَا فِي القُرْآنِ، وَلَكِنْ خُلِّدَتْ دَعْوَتُهَا، وَسُجِّلَتْ نِيَّتُهَا، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾.

امْرَأَةُ عِمْرَانَ… امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، لَمَّا حَمَلَتْ، تَوَجَّهَتْ مُبَاشَرَةً إِلَى اللَّهِ، وَعَاهَدَتْهُ أَنْ تَجْعَلَ وَلَدَهَا مُخْلِصًا لِلَّهِ، خَادِمًا فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، لَا شَأْنَ لَهُ بِالدُّنْيَا وَلَا حَظَّ لَهُ فِيهَا. يَا لَهَا مِنْ نِيَّةٍ! وَيَا لَهُ مِنْ نَذْرٍ!

وَلِذَا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُخَيِّبْهَا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهَا، وَقَبِلَ مِنْهَا نَذْرَهَا أَحْسَنَ قَبُولٍ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا﴾.

أَيُّهَا الكِرَامُ..

لَقَدْ أَعْلَى ﷺ شَأْنَ مَنْ يَقُومُ بِخِدْمَةِ المَسَاجِدِ وَتَنْظِيفِهَا وَالعِنَايَةِ بِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ المَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ، وَتَكْنُسُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتُزِيلُ القُمَامَةَ وَالأَوْسَاخَ مِنْهُ، وَكَانَتْ تَلْتَقِطُ الخِرَقَ وَالعِيدَانَ مِنَ المَسْجِدِ، فَمِنْ عِنَايَتِهِ ﷺ بِالمَسَاجِدِ سَأَلَ عَنْهَا حِينَ فَقَدَهَا، وَلَمْ تَحْضُرِ المَسْجِدَ وَلَمْ يَجِدْ أَثَرَهَا، فَلَمَّا سَأَلَ عَنْهَا قَالُوا: مَاتَتْ، فَالصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ تَقْدِيرًا لِلنَّبِيِّ ﷺ لَمْ يُوقِظُوهُ لَيْلًا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، فَلَمْ يُخْبِرُوهُ ﷺ بِمَوْتِهَا، لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَتَى قَبْرَهَا، فَصَلَّى عَلَيْهَا، اهْتِمَامًا لِعَمَلِهَا وَتَقْدِيرًا لِخِدْمَتِهَا، وَمَا تَقُومُ بِهِ.

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عُمَّارِ بُيُوتِهِ، وَمِنَ القَانِتِينَ لَهُ الرُّكَّعِ السُّجُودِ.

اللَّهُمَّ وَإِنَّا نَسْأَلُكَ لِسَانًا ذَاكِرًا وَقَلْبًا خَاشِعًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا.

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

1749843919_خطبة. شرف خدمة بيوت الله- للجوال.pdf

المشاهدات 25 | التعليقات 0