شكر النعم (مشكولة)

صالح عبد الرحمن
1447/03/05 - 2025/08/28 05:28AM

خطبة عن شكر النعم (مشكولة)

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، منَّ عَلَيْنَا, فَهَدَانَا, وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا, وَكُلُ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا ربَّ غيُرُه ولا إلهَ سواه، وأشهد أن سيدَنا ونبيَنا محمدٌ عبدُهُ ورسولُه صلى الله عليه وعلى آلِهِ وأصحابهِ و من اقتفى أثرَهُ واتبعَ منهجَهُ بإحسانٍ إلى يومِ الدين.. أما بعد

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}

ربُنا جل جلاله غني كريم جواد مجيد .. منح عبادَه نعماً وفضلاً وعطاءً ، لو أعطوا الخيار لم يبلغوا سؤلها .. فكم في بدن الإنسان وحياته من نعمةٍ لا يعلمها ولا يَهتدي إلى العلم بها {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}.  

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا}

فأيُ أبواب النعم والفضائل نذكر،  وأيُ خزائن العطايا والهبات نستذكر

ابنعمة الخلق والايجاد؟ أم بنعمة الهداية والرشاد ؟ ام بنعمة المراكب والمساكن ، أم بنعمة الصحة والعافية من الأسقام {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.

أنعمَ اللهُ علينا نعماً لم تشهدِ الدنيا لها مثيلًا ، يعبدُ الإنسانُ ربَهُ آمنا ظاهراً ، ويختارُ من الطيباتِ ما لذ وطاب، ونستدفئُ من صروف الأيامِ بما تعجَزُ عن حملهِ الأجسام {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}..

فهل نقصنا من نعمةٍ لم تظهر آثارُهُا علينا ؟ وهل في خاطرِكم فضلٌ وإحسانٌ لم يمنحْنا به ربُنُا؟

 فكم لك ربُنا من ستر على كل خاطئ ...  وكم لك من بر على كل ظــــــــالم

 وجـــــودُك موجـــود وفضلك فائـــــض   ... وأنت الذي ترجى لكشف العظائمِ

  وبابـــــك مفتـــــــــوحٌ لكــــــــل مؤمــــــــلٍ    ...  وبـــرك ممنــــوحٌ لكـــــــــــل مصـــــادمِ

فيا للهِ كم نتقلبُ في نعمٍ من الطيبات ، وكم هي الأرزاق تجبى إلينا من كل الثمرات ، {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.

فأيُّ عذرٍ لنا عند ربِنا إذا لم نشكرْه، وبطونُنا لا تكادُ تخْمصُ من الجوعِ ..

 وأيُّ بقاءٍ نستحقُه إذا أنكرنا جميلَه، وآلاؤه ونعماؤه تغشانا بالليلِ والنهار ، تُجبى إلينا ثمراتُ كلِ شيء ، وأرضُنا يخرجُ من أكمامِها الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ، وسهولُنا فيها جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌٍ وَنَخِيلٍ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.

استدامت علينا الطيباتُ من النِعمِ حتى ملها البعضُ إذا قُدمت بين يديه، وتندرَ منها آخرون بأنها من طعامِ الأجدادِ الأولين . أولم يبلُغْ هؤلاءِ ما حدثت به عَائِشَةُ رضي الله عنها، بقولها: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ r وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلَّا شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ» استدامت أكلَ الشعيرِ وما ملتْهُ أو تذمرت منه.. فما ذا لو رأتِ الصديقةُ منْ كَثُرَتْ عليهم الخيرات حتى ملوَ الطيبات ، فمِنْ متأففٍ من أجواء بلده ، ومن يأكل أو يشرب بأغلى الأثمانِ ليجاري به السفهاء، أو يضاهي به الأغنياء..

وفي صحيح مسلمٍ قال جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، أَخَذَ رَسُولُ اللهِ r بِيَدِي ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى مَنْزِلِهِ ، فَلَمَّا انْتَهَى قَالَ: " هل مِنْ غَدَاءٍ أَوْ عَشَاءٍ ؟ قَالَ: فَأَخْرَجُوا فَلْقًا مِنْ خُبْزٍ، فَقَالَ: «مَا مِنْ أُدُمٍ؟» فَقَالُوا: لَا إِلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ، قَالَ: «فَإِنَّ الْخَلَّ نِعْمَ الْأُدُمُ»، قَالَ جَابِرٌ: «فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ نَبِيِّ اللهِ r .

كُلْ من الطيباتِ ما شئتَ ، واستمتعْ بما أحل الله لك، {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ } ولكن من غير إسراف ولا مخّيلةٍ ، ولاتبذيرٍ أو استهانة.

التفاخرُ والمباهاتُ بتصويرِ المآكلِ والمشاربِ مُرآةٌ للناس منهيٌ عنه، قال عليه الصلاةُ والسلام «كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخّيلَةٍ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " كُلْ مَا شِئْتَ، وَالبَسْ مَا شِئْتَ، مَا اخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ، أَوْ مَخّيلَةٌ "أخرجه البخاري.

هل شكرَ نعمةَ اللهِ من يرى اللقمةَ من الطعامِ ساقطةً تدوسُها الأقدامُ فلا يرفعُها ويكرمُها،  وهل شكرَ نعمةَ اللهِ من يأخذُ أطيبَ الطعامِ ويُلقي في الأرض باقيِه.

 كثرةُ الأطعمةِ بأصنافِها وأشكالِها لايعني عدمَ حفظِ باقيها واحترامِها .. ترى ذلك جلياً في حفلات المناسبات ، وفي المطاعمِ وأسواقِ الخضار ، حين تُخلطُ باقي الأطعمةِ مع باقي النِفايات{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}

لايُزيلُ النعمَ ، ولا يهلكُُ الأممَ إلا البطرُ والأشرُ {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا)

 قال أبو أُمَامَةَ رضي الله عنه: كَانَ النَّبِيُّ r إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ: «الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ، رَبَّنَا»، وكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكَفَانَا وَآوَانَا، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ»

   فهل يراكَ الإلـــهُ معترفاً   **   بشكر نعمائه التي وَهبا

 (فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين فاستغفروه إن ربنا لغفور شكور

الخطبة الثانية

 الحمدُ لله وكفى، والصلاة والسلام على عبده المصطَفى، وعلى آله وصحبه ومَن اجتبى... أما بعد:

شُكرُ اللهِ على نعمةِ الأمنِ والأمان.. وإعلانِ التوحيدِ وإظهارِ السنة، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} ومن علّقَ نفسَه وقلبَه بغيرِ اللهِ وكَلَهُ اللهُ إلى من تعلّق به، وكان قلِقَ النفسِ، مضطربَ البالِ، متعثرَ الخُطا .

شكرُ اللهِ على نعمةِ المساكنِ أن تنهضَ لنداء الله إذا نادى المنادي (الصلاةُ خيرٌ من النوم)

شكرُ اللهِ برغدِ العيشِ حفظُها وإطعامُ الطعام، وتلمسُ ذي المسغبة ..

شكرُ اللهِ على المراكبِ.أن تَحملِ من لا ظهرَ له، وتصلَ بها الأرحامَ، ولا تؤذيِ بها الناسَ والجيران.

شكرُ اللهِ على أجهزةِ التواصلِ .. تسخيرُها لأن تكون وسيلةَ خيرٍ ، ووسيلةَ برٍ وصلة ، لا سلةً لتجميعِ ترهاتِ التافهين ، ولا محطةً لاستقبالِ فراغاتِ الآخرين ..

والشكرُ وإن قلَ فهو ثمنٌ لكلِ نوالٍ وإن جلّ. 

اللهم زدنا من خيرك وبرك وإحسانك واجعلنا لنعمك شاكرين ولأوامرك ونواهيك ممتثلين. ثم اعلموا معاشر المسلمين أن الله أمركم بأمرٍ فيه كفايةٌ لهمومكم ومغفرةٌ لذنوبكم ألا وهو الإكثار من الصلاة والسلام على نبيكم. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ً

المشاهدات 93 | التعليقات 0