عظمة القرآن الكريم
عبدالرحمن سليمان المصري
عظمة القرآن الكريم
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:
عباد الله :أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾ .
عباد الله : القرآن كلام رب العالمين ، نزل به الروح الأمين ، على نبينا أشرف الأنبياء والمرسلين ، بلسان عربي مبين ، أنزله الله تعالى رحمة للعباد ، وهدى للناس ، وذكرى لأولي الألباب ، ﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا ﴾الإسراء:9.
وهو حبل الله المتين ، والذكر الحكيم ، والصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه ، من قال به صدق ، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم ، ﴿ وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾فصلت:42 .
القرآن أعجز الفصحاء والحكماء ، وحير الشعراء والبلغاء عن معارضته ، ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾ الإسراء: 17.
عباد الله : وقد استولى القرآن الكريم على قلوب المخاطبين ، وله تأثير عجيب ، يخاطب القلب فيخشع، والنفس فتخضع، والعقل فيقنع، والعين فتدمع ، وقد شمل هذا الأثر : الإنس والجن والعوالم والجمادات، قال تعالى:﴿ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ﴾ .
هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا:﴿ إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ﴾ .
عباد الله : وأما تأثر الإنس بالقرآن ؛ فقد بلغ مبلغا خرق به العادة المعهودة ، من تأثير الكلام في النفوس، واستيلائه على قلوب المخاطبين لمن أراد الله له الهداية :
فالنجاشي ملك الحبشة رضي الله عنه: لما تليت عليه آيات من سورة مريم ، بكى وبكت أساقفته ، ثم آمن بعد ذلك ، فلما مات نعاه النبي ﷺ لأصحابه ، وصلى عليه صلاة الغائب .
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كان في جاهليته خصما عنيدا وعدوا لدودا ، فلما سمع القرآن ؛ وقعت نواة الإسلام في قلبه ، فأصبح فاروق الأمة، وثالث رجل في الإسلام .
وسعد بن معاذ رضي الله عنه ، سيد الأوس وأميرهم المطاع , حمل حربته ليمنع مصعب بن عمير من تبليغ دعوة الإسلام، فلما سمع القرآن ؛ تغير إلى سعد آخر ، اهتز لموته عرش الرحمن .
عباد الله: ولقد أثر القرآن الكريم ، في الأعداء المعاندين ، كما أثر في الأتباع المؤمنين ، على حد سواء ، ولكن عنادهم وكبرهم منعهم من قبول الحق .
جاء عتبة بن ربيعة، أحد زعماء قريش، للنبي صلى الله عليه وسلم مجادلا يحاد الله ورسوله، فلما سمع القرآن ، قال لقومه: لقد سمعت قولا ما سمعت مثله قط، أطيعوني واجعلوها بي , خلوا بين الرجل وما يريد، فوالله ليكونن لكلامه شأنا".. فقالوا: سحرك ورب الكعبة.
وجاء الوليد بن المغيرة، كبير مكة وحكيمها ، للنبي صلى الله عليه وسلم ليصده عن دعوته ، فلم يملك نفسه لما سمع القرآن أن قال: والله إن لقوله لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه .أ.هـ .ولم يؤمن بما سمعه من الحق.
قال تعالى:﴿وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا (106) قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا (107) ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا (108) ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا (109( ﴾
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد :
عباد الله: كتاب الله هو المعرف بالله والدال عليه ، وطريقه الموصلة إليه ، وفي القرآن بركة أنزلها الله جل وعلا معه ، وجعلها صفة وشعارا له ، وسمى بها كتابه الكريم ، قال تعالى: ﴿ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ﴾ ص: 29 .
والمبارك كثير البركات ، من خير الدنيا والآخرة ، ففي القرآن بركة عظيمة لا تفارقه أبدا ، وما طلبها أحد إلا وجدها ، فهو مبارك ؛ في أثره وتأثيره ، وأجره وثوابه .
وقارئ القرآن ، ينال من بركة هذا القرآن العظيم ؛ بقدر عنايته وحرصه على قراءته ، فهو بركة في زيادة الإيمان ، ومعرفة الله وخشيته وتعظيمه جل وعلا ، قال تعالى: ﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ﴾الأنفال:2.
ومن بركة هذا القرآن ؛ خشوع القلب وعلاج قسوته ، وسعادته وإشراق روحه وصفائها، قال صلى الله عليه وسلم: " إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب " رواه الترمذي .
وهو سبب للبركة في العمر والوقت ، " خيركم من تعلم القرآن وعلمه "
وهو بركة في الرزق والمال ، وبركة في الأهل وصلاح الأولاد ،﴿وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ﴾الأنبياء:50 .
وهو بركة في الصحة والعافية ، ﴿ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ﴾الأسراء:82 .
وهو الحصن الحصين والحرز المكين، من شياطين الإنس والجن ، والمتحصن بكلام الله لا يقربه شيطان .
عباد الله: ومن بركات القرآن في الآخرة ، أنه يشفع لصاحبه في قبره ، ويوم يقوم الأشهاد ، قال صلى الله عليه وسلم: " اقرؤوا القرآن ؛ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه "رواه مسلم .
وهو يرفع صاحبه في أعالي الجنان، قال صلى الله عليه وسلم " يقال لصاحب القرآن : اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها " رواه أبوداود.
عباد الله : التمسوا لأنفسكم البركة في حياتكم ، بالإكثار من تلاوة كتابه وتدبر كلامه ، آناء الليل وأطراف النهار، اللهم أيقظ قلوبنا من غفلتها ، واجعلنا من أهل القرآن ، الذين هم أهل الله وخاصته ، أولئك الذين هداهم الله ، وأولئك هم أولوا الألباب .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
المرفقات
1750868720_عظمة القرآن الكريم خطبة2.docx
1750868720_عظمة القرآن الكريم خطبة2.pdf