فضل القرآن وحقوقه

الخطبة الأولى :

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ،وأصلي وأسلم على نبيه المصطفى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

أما بعد :

فلقد أنزل الله سبحانه وتعالى على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القرآن وهو كلام الله سبحانه وتعالى ليس مخلوقاً سمعه منه جبريل عليه السلام وبلغه إلى محمد صلى الله عليه وسلم وبلغه النبي عليه الصلاة والسلام للناس قال تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 192 ) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ( 193 ) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ   194 ) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ( 195 ) 0

تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه من التحريف ومن الضياع والزيادة والنقصان فمن اعتقد أنه نٌقص منه أو حُرف فيه فهو كافر بالله سبحانه وتعالى لأنه مكذب لقوله تعالى ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر : 9 ) وأما ما سواه من الكتب كالتوراة والإنجيل والزبور فقد دخلها التحريف لأن الله لم يتكفل بحفظها بل وكل حفظها إلى أصحابها قال تعالى ( وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ ) (المائدة : 44 )

ومن أسباب حفظه أنه آخر الكتب نزولاً فهو خاتمها والحاكم عليها والناسخ لها جميعاً  كما قال تعالى ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ  )

وهو أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم لأن كل نبي له معجزة تناسب حال قومه فقوم فرعون كان ينتشر بينهم السحر فكان من معجزات موسى العصا عندما انقلبت حية وفي زمن عيسى كان الطب منتشراً فكانت معجزة عيسى عليه السلام أنه يبرئ الأكمه والأبرص والأعمى بإذن الله .

ولما كان العرب أهل فصاحة وبلاغه كان من أعظم آياتِ النبي صلى الله عليه والسلام القرآن فقد جاء في الصحيحين من حديث  أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة ) .

فتحدى الله سبحانه العرب بل الإنس والجن جميعاً أن يأتوا بمثله قال تعالى ((قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء : 88 ) أي معينا .

ومما خص الله سبحانه وتعالى هذا القرآن به أن بكل حرفيقرأه المسلم له به حسنه والحسنة بعشر أمثالها جاء في الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف )

ففي الصفحة الواحدة من القرآن ما يقارب ستة آلاف حسنة فما أعظمه من أجر والصفحة الواحدة تلاوتها لا تأخذ من الإنسان دقيقةً واحدة .

ولقد جعله الله سهلاً يسيراً في حفظه وقراءته قال تعالى  (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) (القمر : 17 ) والمعنى فهل من متذكر ومتعظ بالقرآن الذي يسر الله حفظه ومعناه .

وهذا القرآن عباد الله له حقوق علينا فمن هذه الحقوق :

الإيمان به أي التصديق بكل ما جاء فيه وأنه كلام الله سبحانه وتعالى وأن الله تكفل بحفظه وتصديق ما فيه من أخبار والتحاكم إليه فلا أصدق من أخباره ( ومن أصدقُ من اللهِ قيلا ) ولا أحسن من أحكامه ((إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) (الإسراء : 9 ) ) أي أحسن  

ومن حقوقه علينا قراءته وحفظه أو حفظ ما تيسر منه وإن مما يحزن أن بعض الناس لا يقرأ القرآن إلا من رمضان إلى رمضان وبعضهم من الجمعة إلى الجمعة وهذا من الحرمان والعياذ بالله فينبغي على المسلم أن يحرص على أن يكون له يومياً وردٌ من القرآن ولو شيئاً يسيراً جاء في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال ( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه )

وفي سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها " .[ صحيح ] ولا يقال صاحب إلا لمن كان يقرأه كل يوم فهو كالصاحب له .

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل القرآن شفيعاً لنا يوم نلقاه

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم .

 

الخطبة الثانية :

إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

أما بعد :

ومن حق القرآن علينا عباد الله العملُ به فالقرآن إما أن يكون حجةً للإنسان أو يكون حجةً عليه يكون حجة له إذا عمل به ويكون حجة عليه إذا لم يعمل به

قال تعالى ((وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام : 155 ) وصف الله سبحانه وتعالى القرآن بأنه مبارك أي خيره كثير ثم أمره بإتباع أوامره واتقاء نواهيه ثم بين أن ذلك سبب لرحمة الله سبحانه وتعالى .

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان الرجل منا – أي الصحابة – إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن .

ومن حق القرآن علينا تدبر معانيه قال تعالى ( أفلا يتدبرون القرءان ) فيقرأ الإنسان في التفاسير السهلة كتفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي لأن القرآن هداية ولا يهتدي به من لم يفهم معانيه .

ومن حقوق القرآن علينا الإنصات عند سماعه وهذا أمر واجب قال تعالى ((وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأعراف : 204 )

ومن حقوق التزام الأدب معه فلا يمسه إلا طاهر ولا يقرأه من كان عليه جنابه وأما الحائض فالصحيح أنها تقرأ القرآن ولكن لا تسمه ما دام أنه ليست طاهره إلا بحائل .

ومن الأدب مع القرآن الابتعاد عن البدع التي تكون عند تلاوته فمن ذلك الاهتزاز عند تلاوته وهذا كما أنه بدعة فهو تشبه باليهود فهم يهتزون عند تلاوة كتابهم المحرف .
ومن البدع في تلاوة القرآن أن يلتزم القارئ إذا انتهى من التلاوة أن يقول ( صدق الله العظيم ) وهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم .

عبادَ الله علينا والله إن الحياةَ مع القرآن حياةُ السعادة فالإكثار من تلاوته تشرح الصدور يقول تعالى ((وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا )) فسمى الله سبحانه وتعالى القرآن روحاً لأنه تحيا به الأرواح .

عبادَ الله القرآن شفاء لما في الصدور فالقرآن من أمراض الشهوات والشبهات قال تعالى ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)

والله إنه من الحسرة ومن الشيء الذي يحزن أن نجلس على الجوالات وبرامج التواصل الساعات الطويلة نتنقل هناك وهناك وكتابُ الله لا نقرأه !!

اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا واجعله حجة لنا لا حجةً علينا اللهم وفقنا لكثرة تلاوته آناء الليل وأطراف النهار .

اللهم اعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن تلاوتك .

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا هداةً مهتدين اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعلي وعن الصحابة أجمعين سبحانك ربك ربِ العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات

1752833470_‎⁨فضل القرآن وحقوقه خطبة⁩.docx

المشاهدات 46 | التعليقات 0