في الشتاء دروس ووقفات
الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الهويمل
في الشتاء دروس ووقفات
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضِلَّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين . أما بعدُ :-
فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ ، فهي وصيته للأولينَ والآخرينَ ، وسبيلُ النجاةِ في يومِ الدينِ .
عباد الله : لازلنا نعيش هذه الأيام في موسم من مواسم السنة يتكرر في كل عام ، ألا وهو فصل الشتاء ، وإِنَّ أَخْذَ الْأُهْبَةِ لِهَذَا الْفَصْلِ مِنَ الْعَامِ ، وَالاِسْتِعْدَادَ لَهُ بِأَنْوَاعِ الْمَلاَبِسِ وَالْمَدَافِئِ هُوَ مِنْ بَابِ الْأخْذِ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي هَيَّأَهَا الْمَوْلَى سُبْحَانَه لَنَا ، وَأَنْعَمَ بِهَا عَلَينَا ، وَكَانَ الْخَلِيفَةُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْه إِذَا حَضَرَ الشِّتَاءُ أوصى رعيته قائلاً : [ إِنَّ الشِّتَاءَ قَدْ حَضَرَ وَهُوَ عَدُوٌّ ، فَتَأَهَّبُوا لَهُ أُهْبَتَهُ مِنَ الصُّوفِ وَالْخِفَافِ وَالْجَوَارِبِ ، وَاتَّخِذُوا الصُّوفَ شِعَارًا وَدِثَارًا ، فَإِنَّ الْبَرْدَ عَدُوٌ سَرِيعٌ دُخُولُهُ بَعِيدٌ خُرُوجُهُ ] ..
وكم في الشتاء من دروس ووقفات وفرص للطاعات ، ومن هذه الوقفات :-
الوقفةُ الأولى : أن في مرور الأيام والليالي وتعاقب الليل والنهار ، وتتابع الفصول عبرة تذكر بسرعة انقضاء الآجال والأعمال ، وتدعو للاستعداد ليوم الرحيل . فيا سعادةَ منِ استعدَّ بالخيراتِ وقدّمَ أمامهُ الأعمالَ الصالحاتِ ، ويا خسارةَ منْ فرّطَ في عمرهِ وضاعتْ عليهِ لحظاتُ حياتهِ وقتلَ أوقاتهُ فراحتْ هباءً منثورًا .
الوقفةُ الثانية : أهميةِ حفظَ المسلمُ لعقيدتهُ سالمةً صافيةً . وذلكَ بتجنبِ شتم الشتاءِ وسبهِ . حيثُ أنَّ ذلكَ يؤثرُ على كمالِ التوحيدِ ، لأن بعض الناس إذا اشتد به البرد سبّه وشتمه والله يقول في الحديث القدسي ( يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار ) والمعنى أنك حين تسب البرد أو الحر إنما تسب من خلقه لأن الله هو الذي خلق الدهر وخلق ما فيه . وأما الوصف دون سب وشتم كهذه ليلة باردة أو يوم حار ونحو ذلك فلا بأس به ، كما قال لوط عليه السلام : ( هذا يوم عصيب ) .
الوقفةُ الثالثة : أنَّ هذا البردَ نفسٌ منْ أنفاسِ جَهَنَّمَ ، وجزءٌ يسيرٌ جدًّا مما في النارِ منَ العذابِ والنكالِ . قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ : يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا ، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ ، فَهْوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
الوقفةُ الرابعة : أن فصل الشتاء كما يقول بعض السلف غنيمة باردة للمؤمن يسهل صيام نهاره لقصره ويسهل قيام ما تيسر من ليله لطوله ، ونعم العبادتان صيام النهار وقيام الليل . ولا ينفعك في الآخرة بعد فضل الله ورحمته إلا ما قدمته أمامك من الإيمان والعمل الصالح ، فاستكثر يا عبد الله من فعل الخير . فإنك في هذه الدنيا في سفر إلى الآخرة ولا بد للسفر من زاد وتذكر قول الله تعالى : { ومَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَاب ) .
الوقفةُ الخامسة : أنه ينبغي العناية بمعرفة أحكام المسح على الخفاف والجوارب لكثرة لبس الناس لها في البرد ، فمن تيسِيرِ الله أن أجازَ لَنا المسحَ على الخُفَّينِ ، بدلاً من غسلِ الرِّجْلَين إذا كانتا مستورتين بخُفٍّ أو جَوْرَبٍ ونحوهما ، وذلك بشرطِ أن يكونا قد لُبِسَا على طهارةٍ ، وقد رَخَّصَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في ذلك للمُقِيم يوْماً ولَيلةً ، وللمُسافرِ ثلاثةَ أيام بليالِيها ، والمدة لا تبدأ من بداية اللبس إنما تبدأ من أول مسحة بعد الحدث . وهذا من فضل الله وتيسيره على عباده فديننا دين اليسر ، قال تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) .
الوقفةُ السادسة : أن من الناس من لا يُتمُّ وضوءه أو غُسله الواجب فيدع بعض المواضع لا يمسها الماء بسبب برودة الماء وهذا منكر عظيم فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ويل للأعقاب من النار ) ، وهكذا كل جزء أُمرنا بغَسله في الوضوء ويل له من النار إذا لم يغسل بسبب التفريط والتهاون .
الوقفةُ السابعة : لا ننسى إخواننا وتاجَ رؤوسنا ، جنودنا المقاتلين والمرابطينَ على الحدودِ الذينَ يحمونَ بلادنا بلادَ الحرمينِ بأرواحهمْ في هذهِ الظروفِ والأحوالِ ، فلا تنسوهمْ منَ الدعاءِ الصادقِ أنْ ينصرهمْ ويدحرْ عدوهمْ .. أقولُ قولي هذا ، وأستغفرُ اللهُ لي ولكمْ وللمسلمينَ منْ كلِّ ذنبٍ ، فاستغفروهُ يغفرْ لكمْ ، إنهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ .
الخطبةُ الثانيةُ
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا . أما بعد :-
فيا عباد الله : اتقوا الله في السراء والضراء ، وراقبوه في الشدة والرخاء .
عباد الله : الوقفة الثامنة من الوقفات في فصل الشتاء : أن بعض الناس يحتاج إلى إشعال الحطب أو الفحم أو استعمال الدفايات أو المكيفات للتدفئة والاستمتاع بها ،
وهؤلاء ننبههم بضرورة تهوية المكان تهوية جيدة حتى لايحصل لهم اختناق ، كما نحذرهم من ترك النار أو الدفايات بأنواعها وهي مشتغلة حال النوم ، أو وضعها عند الأبناء الصغار ، أو الغفلة عنها ، أو وضع أشياء قابلة للاشتعال بقربها ، لما في ذلك من الخطر والاحتراق والتلف والاختناق ، عن أبي موسى رضي الله عنه قال : احترق بيت في المدينة على أهله ، فحُدِّث النبيُ صلى لله عليه وسلم بشأنهم فقال : { إن هذه النار إنما هي عدوٌ لكم فإذا نمتم فأطفئوها عنكم } [ رواه البخاري ومسلم ] .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى لله عليه وسلم قال : { لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون } [رواه البخاري ومسلم] .
عِبَادَ اللَّهِ : إننا نعيش في نعمة قلَّ من ينعم بها في هذا العالم ، فيأتي الشتاء ويحل البرد ولا نجد في ذلك معاناةً أو ضررا يشق علينا ، فعندنا البيوت والملابس بأنواعها والدفايات والمكيفات والسخانات والأطعمة بأنواعها ، نصبح ونمسي في نعمة ورغد من العيش ، لا نحس بشدة الحر ، ولا بقسوة البرد ، وهناك من المسلمين من هدمت بيوتهم أو شُرِّدوا منها ، فلا بيت لهم ولا كساء ، ولا راحة ولا غذاء ، يقاسون برد الشتاء ، نسأل الله تعالى أن يرحمهم ويلطف بهم ، فاحمدوا الله واشكروه بقلوبكم وألسنتكم وأعمالكم ، فبالشكر تدوم النعم وتزداد ، وبترك الشكر تزول النعم " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ " [إبراهيم: 7] . هذا وصلُّوا وسلِّموا على نبيكم محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾ [الأحزاب:٥٦] وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ) ، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين ، وعن سائر الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم احفظ إمامنا وولي عهده بحفظك وأيدهم بتأييدك وأعز بهم دينك ياذا الجلال والإكرام . اللهم وفقْهُم لهُدَاكَ واجعلْ عمَلَهُم في رضاكَ ، اللهم وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ التي تدلُهُم على الخيرِ وتعينهم عليه ، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين . اللهم أمن حدودنا واحفظ جنودنا . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين . ( اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ، اللهم إنا نسألك أن تسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغثنا ، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثا ، هنيئاً مريئا ، نافعًا غير ضار ، عاجلاً غير آجل ، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ) ، { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } . عباد الله : اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ، { ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون } .
( خطبة الجمعة 26/6/1446هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل للتواصل جوال و واتساب / 0504750883 ) .
المرفقات
1735158964_في الشتاء دروس ووقفات.docx