قِصَّةُ عَاشُورَاءَ, عِبَرٌ وَأَحْكَام 9 مُحَرَّم 1447هـ
محمد بن مبارك الشرافي
قِصَّةُ عَاشُورَاءَ, عِبَرٌ وَأَحْكَام 9 مُحَرَّم 1447هـ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين, ولا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِين, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِين, وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيُّ اللهِ وَرَسُولُهُ الأَمِين, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعين, وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فِإِنَّ اللهَ تَعالَى يَقُولُ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فِإِذَا أَرَادَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا أَتَمَّهُ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ, فَلا رَادَّ لِحُكْمِهِ, وَلا مُعَقِّبَ لِقَضَائِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَيَتَجَلَّى ذَلِكَ فِي حِفْظِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لأَوْلِيَائِهِ وَحِمَايَتِهِ لأَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِم صَلَوَاتُ رَبِي وَسَلامُه, وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ, حَيْثُ حَفِظَهُ اللهُ مِنْ كَيْدِ فِرْعَوْنَ الذِي أَرَادَ قَتْلَهُ مِرَاراً لِرُؤْيَا رَآهَا, مَفَادُهَا أَنَّ غُلاماً يَخْرُجُ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ يَكُونُ هَلاكُ مُلْكِهُ عَلَى يَدَيْهِ, فَجَهِدَ فِرْعَوْنُ فِي تَوَقِّي ذَلِكَ وَقَتَلَ وَاحْتَاطَ, وَلَكِنْ: لا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَر.
جَاءَ مُوسَى حتَّى تَرَبَّى فِي قَصْرِ فِرْعَوْنَ وَبِحِمَايَةٍ مِنْهُ, وَرَدَّهُ اللهُ إلى أُمِّهِ وَأَرْضَعَتْهُ حتَّى كَبُرَ وَتَرَعْرَعَ, ثُمَّ قَتَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ انْتِصَارًا للْحَقِّ, وَجَهِدُوا فِي قَتْلِهِ فَلَمْ يَقْدِرُوا لأَنَّ اللهَ مَعَهُ يَحْفَظُهُ, ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَدْيَنَ وَالْتَقَى فِيهَا برَجُلٍ صَالِحٍ, ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ ثَمَانِ سِنينَ وَأَتَمَّهَا مُوسَى عَشْرًا وَذَلِكَ لأَمَانَتِهِ وَصِدْقِهِ وَقُوَّتِهِ, ثُمَّ بَعْدَ الْعَشْرِ عَادَ مُوسَى إلى دِيَارِ أَهْلِهِ, فَاصْطَفَاهُ اللهُ, وَحَمَّلَهُ الرِّسَالةَ إِلَى الطَّاغِيَةِ فِرْعَوْنَ وَأَرْسَلَ مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ, فَدَخَلا عَلَى فِرْعَوْنَ, وَدَعَوَاهُ إلى اللهِ بِالقَوْلِ اللَّيِّنِ لَعَلَّهُ يَتَذَكُرُ أَوْ يَخْشَى, وَأَرَاهُ مُوسَى الْحَيَّةَ وَالعَصَا آيَتَيْنِ عَلى صِدْقِهِ, وَلكَنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ, فَمَنِ انْطَبَعَ قَلْبُهُ عَلى الْكُفْرِ فَلا يُؤْمِنُ مَهْمَا رَأَى مِن الْحُجَجِ, ثَمَّ جَمَعَ فِرْعَوْنُ السَّحَرَةَ لِمُنَازَلَةِ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ, لِإبْطَالِ مَا أَتَيَا بِهِ, فَكَانَ الأَمْرُ بِالْعَكْسِ.
فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا: أإِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ, قَالَ لَهُمْ فِرْعَوْنُ: نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذَنْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ, قَالُوا: يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ؟ قَالَ: أَلْقُوا, فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ.
فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ, فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ, فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ, فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ, وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ, رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ,
وكَاَنَ الْمُنْتَظَرُ أَنَّ فِرْعَوْنَ يُؤْمِنُ تَبَعًا للسَّحَرَةِ لأَنَّهُ هُوَ الذِي أَتَى بِهِم, وَهُمْ أَهْلُ الْخِبَرَةِ فِي السِّحْرِ وَعَرَفُوا أَنَّ الذِي مَعَ مُوسَى لَيْسَ سِحْرًا,
وَلَكِنَّهُ مَا كَانَ يُرِيدَ الحَقَّ, وَلِذَا أَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ وَكَابَرَ وَتَنَكَّرَ, ثُمَّ إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ جَهِدَ فِي دَعْوَتِهِ بِطُرُقٍ مُتَنَوِّعَةٍ, وَلَكِنَّهُ مَا أَطَاعَ هُوَ وَلا قَوْمُهُ وَاسْتَمَرُّوا فِي العِنَادِ وَالْمُكَابَرَةِ فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ, لَعَلَّهُمْ يَتَّعِظُونَ, فَمَا اتَّعَظُوا بَلِ اسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ, وَكُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
فَكُلَّمَا كَشَف اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ, فَيَنْقُضُونَ عُهُودَهُمُ الَّتِي عَاهَدُوا اللهَ وَيُقِيمُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ, فَلَمَّا طَالَ الأَمَدُ, أَمَرَ اللهُ مُوسَى أَنْ يَسْرِيَ بِبَنِي إسْرَائِيلَ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ سَوْفَ يُتَّبَعُونَ, فَلمَّا عَلِمَ فِرْعَوْنُ أَرْسَلَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ وقال: إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ, وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ, فَجَمَعَ جُنُودَاً عَظِيمَةً, وأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ, فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانُ وكانَ الْبَحْرُ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَفِرْعَوْنُ خَلْفَهُمْ قَالُوا: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ, قَالَ: كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ.
وَهَكَذَا الْمُؤْمِنُ الوَاثِقُ بِرَبِّهِ يَتَوَكَلُ عَلَيْهِ مَهْمَا غَابَتِ الأَسْبَابُ الْمَادِّيَّةُ, قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} فَشَقَّ اللهُ لَهُم الْبَحْرَ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا وَأَمَرَ اللهُ الرِّيحَ فَلَفَحَتْ أَرْضَ البَحْرِ حتَّى صَارَ يَابِسَةً فِلِهَذَا قَالَ اللهُ تَعَالَى {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا} أَيْ: لَا تَخَافُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ أَنْ يَلْحَقُوكُمْ {وَلا تَخْشَى} مِنْ الْبَحْرِ أَنْ يُغْرِقَكَ أَنْتَ وَلَا وَقَوْمَكَ.
وَسَارَ بَنُو إِسْرَائِيلَ حتَّى تَكَامَلُوا خُرُوجًا مِنْ الْبَحْرِ, فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُه, فَنَزَلُوا الْبَحْرَ فِي إثْرِهِم, فَلَمَّا تَكَامَلُوا نُزُولًا, أَمَرَ اللهُ الْبَحْرَ فَعَادَ وَالْتَأَمَ فَأَغْرَقَهُمُ اللهُ أجْمَعِينَ.
فَأَهْلَكَ اللهُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ وَأَنْجَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَوْمَهُ, وَكَانَ ذَلِكَ فِي العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ, فَصَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ هَذَا اليَوْمَ شُكْراً للهِ, ثُمَّ صَامَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِهِ اقْتَدَاءً بِهِ وَشُكْرًا للهِ.
أَيُّهَا الَمُسَلِمُونَ: وَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الْمَدِينَةِ, وَجَدَ اليَهُودَ فِيهَا يَصُومُونَ العَاشِرَ مِنْ مُحَرَّمٍ فَسَأَلَهُم عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ فَأَخْبَرُوه, فَصَامَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ الصَّحَابَةَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِصِيَامِه, وقَالَ (فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ), مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ مُخَالَفَةً لليَهُودِ, فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ, عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ), فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَيُّهَا الَمُسَلِمُونَ: وَإِنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هَذَا العَامَ هُوَ يَوْمُ غَدٍ السَّبْت, فَمْنَ كَانَ صَامَ اليَوْمَ الجُمُعَةَ فَقَدْ أَحْسَنَ, وَمَنْ لَمْ يَصُمْ اليَوْمَ فَلْيَصُمْ غَدًا السَّبْتَ وَبَعْدَهُ يَوْمَ الأَحَدِ, وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الأَفْضَلِيَّةِ وَالاسْتِحْبَابِ, وَلَيْسَ لَازِمًا.
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, واللهُ تَعَالى أَعْلَمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِين وَقَيُّومُ السَّمَاواتِ السَّبْعِ والأَرضِين، والصَلاةُ والسَّلامُ عَلى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً للْعَالَمِينَ, وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَهُنَا مَسْأَلَةٌ يَحْسُنُ مَعْرِفَتُهَا وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهَا: وَهِيَ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هَذَا الْعَامِ يُوَافِقُ السَّبْتَ, وَقَدْ جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ تَطَوُّعًا حَدِيثٌ, وَأَخَذَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ وَصَارَ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ عَاشُورَاءَ إِذَا كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ, بَلْ حَتَّى عَرْفَةَ إِذَا صَارَ يَوْمَ السَّبْتِ فَيَقُولُونَ: لا تَصُومُوا. وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الصَّمَّاءِ بِنْتِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ, إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبٍ, أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهَا), وَلَكِنْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ, فَقَدْ أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ, وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ مَنْسُوخٌ.
ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَفْرَدَهُ بِالصِّيَامِ تَعْظِيمًا لَهُ, قَالَ التِّرْمِذِيُّ ... وَمَعْنَى كَرَاهَتِهِ فِي هَذَا أَنْ يَخُصَّ الرَّجُلُ يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَامٍ لأَنَّ الْيَهُودَ تُعَظِّمُ يَوْمَ السَّبْتِ ا.هـ.
وَقَالَ شَيْخُنَا الْعُثَيْمِينُ رَحِمَهُ اللهُ: وَلْيُعْلَمَ أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ السَّبْتِ لَهُ أَحْوَالٌ (الْحَالُ الأُولَى) أَنْ يَكُونَ فِي فَرْضٍ كَرَمَضَانَ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً، وَكَصِيَامِ الْكَفَّارَةِ، وَبَدَلَ هَدْيِ التَّمَتُّعِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا لا بَأْسَ بِهِ مَا لَمْ يَخُصُّهُ بِذَلِكَ مُعْتَقِدًا أَنَّ لَهْ مَزِيَّةً. (الْحَالُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمَ الْجُمْعَةَ فَلا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِإِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ صَامَتْ يَوْمَ الْجُمْعَةِ (أَصُمْتِ أَمْسَ؟) قَالَتْ: لا، قَالَ (أَتَصُومِينَ غَدًا؟) قَالَتْ: لا، قَالَ (فَأَفْطِرِي). فَقَوْلُهُ (أَتَصُومِينَ غَدًا؟) يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ صَوْمِهِ مَعَ الْجُمْعَةِ. (الْحَالُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يُصَادِفَ صِيَامَ أَيَّامٍ مَشْرُوعَةٍ كَأَيَّامِ الْبِيضِ وَيَوْمِ عَرْفَةَ، وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَسِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّال لِمَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَتَسْعِ ذِي الْحِجَّةِ فَلا بَأْسَ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ لِأَنَّهُ يَوْمُ السَّبْتِ، بَلْ لِأَنَّهُ مَنِ الْأَيَّامِ التِي يُشْرَعُ صَوْمُهَا. (الْحَالُّ الرَّابِعَةُ) أَنْ يُصَادِفَ عَادَةً كَعَادَةِ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَيُصَادِفُ يَوْمُ صَوْمِهِ يَوْمَ السَّبْتِ فَلا بَأْسَ بِهِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَهَى عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمِيْنِ (إِلَّا رَجُلاً كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ)، وَهَذَا مِثْلُهُ. (الْحَالُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يَخُصَّهُ بِصَوْمِ تَطَوُّعٍ فَيُفْرِدَهُ بِالصَّوْمِ، فَهَذَا مَحَلُّ النَّهْيِ إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ. ا.هـ. (مجموع الفتاوى ج20/57).
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَانْصُرْ الْمُسْلِمِين، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالكَفَرَةِ الْمُلْحِدِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّين, وَانْصُرْ أَهْلَ السُّنَّةِ فِي كِلِّ مَكَانٍ, وَعَادِ مَنْ عَادَاهُمْ يَا رَبَّ العَالَمِين, اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ بِطَانَتَهُمْ وَوُزَرَاءَهُمْ يَا رَبَّ العَالمَينَ, اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ, واغْفِرْ لنَا أَجْمَعِينَ وَوَالِدِينَا وَالْمُسْلِمِينَ, سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ.
المرفقات
1751466197_قِصَّةُ عَاشُورَاءَ
عِبَرٌ وَأَحْكَام 9 مُحَرَّم 1447هـ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق