قِصة موسى عليه السلام مع فرعون

عايد القزلان التميمي
1447/01/05 - 2025/06/30 12:04PM
قِّصَّةَ مُوسى عليه السلام مع فِرعون
خطبة الجمعة
9 / 1 /1447هـ
الحمد لله القائل في محكم التنزيل{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ}, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه؛ وإنّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
أيها المؤمنون / تَأمَلُوا ما قَصَّهُ الله في كتابه المبين عَنْ أنبِيائِه وأتباعهم وما حصَلَ لهُمْ من التأيَّيِدْ والنَّصرِ والتمكين , وما قصه عن أعدَائِه الكافرين , ومَا حلَّ بِهِم مِنَ العذابِ والخُسرَان ، وإنَّ مِمّا قَصَّه الله علينا في كتابهِ قِّصَّةَ مُوسى عليه السلام مع فِرعون , تِلْكَ القِصّةَ التي تُبَينُ، انتِصَارَ الحَقّ على الباطلِ , وتَبْعثُ في قلبِ المُؤمن الثبات أمام الأعداء مهما بَلَغوا من القوةِ الظاهرة .
فإنَّ قوة الباطل لا تُقَاوِم قوةَ الحق .
عباد الله : إنَّ فِرْعَونَ على ما أُوتِي مِن القوةِ والجَبَرُوت كانَ يَتَخَوَّف من ظُهورِ الحقِّ على يد خُصومه موسى عليه السلام ومن آمَنَ معه.
عبادَ الله : لَقَدْ أَرْسَل اللهُ موسى صلَّى اللهُ عَلَيه وعلَى نَبِيِّنَا وإخْوَانِهما من النَّبِيين والمُرسلين أَرْسَلَهُ بالآياتِ البَيِّنات إلى فِرْعَونَ الذي تَكَبَّر على الملأ وقَالَ: ((أنا ربكم الأعلى )) فجَاءَهُ مُوسى بالآيات البَيِّنات ودَعَاهُ إلى تَوحِيدِ رَبِّ الأرْضِ والسَّمَاوات فَقَال فِرْعَونُ مُنْكِرَاً وجَاحِداً: (وَمَا رَبُّ العالَمِين) فَأَجَابَهُ مُوسى: هو ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)
فقال فِرْعَونُ لمن حَولَهُ ساخرَاً ومُسْتَهْزِئاً بمُوسَى: (أَلَا تَسْتَمِعُونَ) فذكَّره مُوسَى بِأَصْلِهِ وأنَّهُ مَخْلُوقٌ من العَدَم وصائِرٌ إلى العَدَم مِثْلَ آبائِهِ الأوَّلِين , فقال مُوسَى هو (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) وحينئذ بُهِت فِرْعَون فادَّعى دَعوَى المُكابِر المَغْبُون فقال (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ) فَرَدَّ عليه مُوسَى ذلك وبين لَهُ أن الجُنون إنما هو إنْكار الخَالِق العظيم
فقال: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) فلما عَجَز فِرْعَونُ عن رَدِّ الحَقِّ لَجَأَ إلى ما لَجَأَ إليه العَاجِزُون المُتَكَبِرون فَتَوَعَّدَ موسى بالإعتقالِ والسِّجنِ وخابَ فقال: ( لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) ،
وما زال مُوسَى عليه السلام يَأتي بالآياتِ كالشَّمس , وفِرعَون يُحاول أن يقْضِي عليها بالردِّ والإنكار، حتى نَاَدى في قَومِه: (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ * فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ *فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ ))
أيها المؤمنون : وكان من قِصَّة إِغْرَاقِهِم أن الله أوحى إلى مُوسَى أن يَسْرِي بِقَومِه ليلاً من مِصْرَ فَاهْتَمّ لذلك فِرْعَون اهتماماً عظيماً فَجَمَع فرعون قومه وخرج في أَثَرِ موسى مُتجهين إلى جِهَة البحر: ((فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)) أي أنَّ البَحْرَ من أَمَامِنَا فَإِن دخَلْنَاهُ غَرَقْنَا وفِرْعون وقَومَهُ خَلْفَنَا فإن وقَفْنَا أَدْرَكْنَا (أي لَحِقَ بِنا) فقال مُوسى: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ )فلما بَلَغ مُوسى ومن معه من المُؤْمِنِينَ البَحْرَ أمر اللهُ مُوسَى عليه السلام أن يَضْرِب بعصاه البحر فضربه فَانْفَلَق البَحر اثْنَي عشَرَ طَرِيقا وصار ماء البحر بِقُدْرَة الله بين هذه الطُرُق كالجبال العظيمة فلما تكَامَل موسى وقومه خارجين من البحر وتكامل فرعون بجنوده داخِلِين أمر الله البحر أن يعُود إلى حالهِ فَانْطَبَقَ على فِرعون وجنوده فكانوا من المُغْرَقِين .
فانظروا رحمكم الله إلى ما في هذه القصة من العِبَرِ والآيات كيف كان فرعون يَقتُل أبناءَ بني إسرَائيل خَوفاً من مُوسَى فَتَربَّى موسى في بيته تحت حِجْر امرأتِه وكيف قَابَل موسى ذلك الطاغية مصرحا معلنا بالحق قائلاً ألا إن ربكم هو الله رب العالمين فأنجاه الله منه وكيف كان ماء البحر السَائِل شيئا جَامِداً كالجبالِ بِقُدْرَة الله وكان الطريقُ يابِسَاً لا وَحْلَ فيه في الحَال وكيفَ أهْلَك الله ذلك الطَاِغية فِرْعَون بِمِثلِ ما كان يَفْتَخِرُ به فقد كان يَفْتَخِر بالأنهارِ التي تَجْرِي من تحتِه فَأَهْلَكَهُ اللهُ بالماء ولا شك أن ظهور آيات الله في مخلوقاته نعمةٌ كبرى يَسْتَحِق عليها الحمد والشكر خصوصا إذا كانت في نَصْرِ أولياء الله وحزبه ودَحْرِ أعداء الله وحزبه .
بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيراً.
أما بعد فيا عِبَاد الله / لقد أنْجَى اللهُ مُوَسى عليه السلام وقومه من فِرْعَون وجُندَه في اليومِ العاشِرِ من شهرِ الله المُحَرَّم , وهو يوم عاشُورَاء الّذي أعزَّ الله به الحق وخذلَ الباطِلَ, فهو يوم له فضيلة عظيمة وحُرْمة قديمة , قد صامهُ موسى عليه الصلاة والسلام شكراً لله عز وجل , وصامه نبينا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وأمر بِصِيامِه مع صوم يوم قبله أو يوم بعده , وقال النبي صلى الله عليه وسلَّم ((احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)) فينبغي للمسلم أن يصوم يوم عاشوراء وكذلك اليوم التاسع وهو الأفضل ,ولتحصل بذلك مخالفة اليهود التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بها .
ومن فاته صيام اليوم التاسع فليصم اليوم العاشر والحادي عشر لمخالفة اليهود،
فصوموا عاشوراء إيماناً واحتساباً،
ومن صامَ عاشوراءَ وحدَهُ فقد أدرك فضلَه وثوابَه،
ولكنّ الأفضل أن يصومَ التاسعَ والعاشر لقولهِ صلى الله عليه وسلم ( لئِنْ بَقِيتُ إلى قابِلٍ، لأَصُومَنَّ التاسعَ) يعني مع العاشر مخالَفَةً لصيام ِاليهود، لأنّهم يُفردون عاشوراءَ بالصوم. ومَن شاءَ صام العاشرَ والحادي عشرَ، لأنَّ المخالفةَ لليهودِ تتحقق بصومِ يومٍ بعدَه.
ومن شاء صامَ يوماً قبلهُ ويوماً بعدَهُ فيكونُ بذلك قد صامَ ثلاثةَ أيامٍ مِن الشهر،
ومَن صامَ ثلاثةَ أيامٍ من الشهرِ فكأنّما صام الشهرَ كُلَّه.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله .....  
المرفقات

1751274249_قِّصَّةَ مُوسى عليه السلام مع فِرعون.docx

المشاهدات 813 | التعليقات 0