لَا تَكُنَّ سَبَبًا فِي خَرْقِ سَفِينَةِ النَّجَاةِ

محمد البدر
1447/05/29 - 2025/11/20 04:18AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾.وَقَالَ تَعَالَى﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾وَقَالَ تَعَالَى﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾وَقَالَ تَعَالَى﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾.وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،عَنِ النبيِّﷺقَالَ مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا،كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ،فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ،فَقَالُوا:لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا،فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا،وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا،وَنَجَوْا جَمِيعًا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.الأمرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ مِن أجَلِّ العِباداتِ؛فَبِه يَقومُ أمرُ المسلمينَ،ويَنصَلِحُ حالُ أُمَّتِهم،وبدُونِه تَنهَدِمُ هذه الأُمَّةُ وفي هذا الْحَدِيثِ  يَضرِبُ النَّبيُّﷺمَثَلًا لأهَمِّيَّةِ القيامِ بالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ،فمَثَّل القائمينَ بِحُدودِ اللهِ-وهم المُستَقِيمون على أمرِ الله،الآمِرُون بالمعروفِ النَّاهُون عن المنكرِ-والواقعين فِي حُدُودِ اللَّهِ-أي:التارِكين للمعروف،والمرتكبين للمنكر-بِرُكَّابٍ رَكِبوا فِي سَفِينةٍ، تَنازَعوا مَن يكونُ فِي أعْلاها ومَن يكونُ فِي أسْفَلِها، فاقْتَرَعوا على مَن يَجلِسُ أعلَى السَّفِينَةِ ومَن يَجلِسُ أسْفَلَها،فنال بَعضُهم بالقُرعةِ أعْلاها،وبَعضُهم نالَ بالقُرعةِ أسْفَلَها،وكان الَّذين في الأسفَلِ إذا أرادوا جَلْبَ الماءِ مَرُّوا على مَن فَوقَهم مِن أهْلِ الأدوارِ العُلْيا ،وفي مَوضعٍ آخَرَ في صَحيحِ البُخاريِّ قال:«فتَأذَّوا به» ففي ذَهابِهم وإيابِهِم وإمرارِهم بالماءِ عليهم أذيَّةٌ لمَن همْ في أعْلى السَّفينةِ،فقال الذين في الأسفَلِ:لو أنَّا خَرَقْنا خَرْقًا في نَصِيبِنا الَّذي في الأسفَلِ،فجَلَبْنا الماءَ مُباشَرةً دونَ أنْ نَصعَدَ لأعلَى السَّفينةِ ونَضُرَّ مَن في الأعلَى؛لَكان أفضَلَ،وفي رِوايةٍ في البُخاريِّ قال«فأخَذَ فأْسًا،فجَعَلَ يَنقُرُ أسفَلَ السَّفينةِ»فلو ترَكَهم مَن بالأعْلى يَفعَلون ذلك،لَغَرِقَتِ السَّفينةُ بهمْ جميعًا؛ لأنَّ مِن لازِمِ خَرْقِ السَّفينةِ غَرَقُها وأهْلِها،ولو قامُوا بِنَهْيِهم عن ذلك ومَنَعوهم مِن ارتِكابِ هذا الخَطأِ، لَنَجى الفريقانِ جَميعًا.

فهذا حالُ الآمِرِين بالمعروفِ النَّاهِين عن المنكَرِ،لو تَرَكوا ذلك لَهلَكَتِ الأُمَّةُ بأَجْمَعِها،ولو فَعَلوه ونَهَوُا النَّاسَ عن المُنكَرِ لَصَلَح حالُ الجميعِ،فالناس في خيرٍ ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر،وفي أمنٍ من الله،فإذا أضاعوا هذا الواجب فهم على خطرٍ عظيمٍ.

أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ،وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

الْخُطبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ,وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ:عَنِ أُمِّ الْمُؤْمِنين أُمِّ الْحكَم زَيْنبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:أَنَّ النَّبِيَّﷺدَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يقُولُ: لَا إِلهَ إِلَّا اللَّه،وَيْلٌ لِلْعربِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ،فُتِحَ الْيَوْمَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجوجَ مِثْلُ هذِهِ وَحَلَّقَ بأُصْبُعه الإِبْهَامِ والَّتِي تَلِيهَا،فَقُلْتُ:يَا رَسُول اللَّه،أَنَهْلِكُ وفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ العَلَّامَةِ الإِمَامِ عَبْدِ العَزِيْزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَاز رَحِمَهُ اللهُ:وفي حَدِيثِ  زَيْنبَ بِنْتِ جَحْشٍ أُمِّ الْمُؤْمِنين رضي الله عنها:أَنَّ النَّبِيَّﷺدَخَلَ عَلَيْهَا ذات يومٍ فَزِعًا،يعني:قد تغيَّر وجهه،يقُولُ:لَا إِلهَ إِلَّا اللَّه،وَيْلٌ لِلْعربِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ،فُتِحَ الْيَوْمَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجوجَ مِثْلُ هذِهِ  وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ  والتي تليها:الْوُسْطَى،فقالت زَيْنبَ:يَا رَسُول اللَّه،أَنَهْلِكُ وفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ النَّبِيَّﷺ نَعَمْ،إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ،الْخَبَثُ:الشر،يعني:المعاصي، فهذا يدل على أنَّ المعاصي إذا ظهرت ولم تُنْكَر فهذه من أسباب الهلاك العام،ولا حول ولا قوة إلا بالله.أ.ت. الاوَصَلُّوا عِبَادَ اللهِ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ،وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ كَمَا  أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد،وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ،وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ،وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَاحْفَظْ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا،اللّهمّ وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ

الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَالَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى الْخَيرِ وَتُعِينُهُ عَلَيْهِ ،واصرِفْ عَنه بِطانةَ السُّوءِ يَا رَبَّ العَالمينَ،وَاللّهمّ وَفِّقْ جَميعَ ولاةِ أَمرِ الْمُسْلِمِينَ لما تُحبهُ وَتَرضَاهُ لمَا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ 

يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المرفقات

1763603136_لَا تَكُنَّ سَبَبًا فِي خَرْقِ سَفِينَةِ النَّجَاةِ.pdf

المشاهدات 694 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا