مُشَاهَدَاتِي فِي حَجِّ عَام 1446هـ.
أ.د عبدالله الطيار
الحمدُ للهِ ربِّ الْعَالَمِينَ، كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ فَهُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ هَدَانَا لِلْمَنَاسِكِ، وَبَيَّنَ لَنَا الشَّرَائِعَ وَالمَقَاصِدَ، وأشْهَدُ ألّا إِلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسُولُهُ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَهِدَايَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَإِرْشَادًا لِلتَّائِهِينَ، صَلَّى اللهُ عليْهِ وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ أجمعين، أمَّــا بَعْـدُ: فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) آل عمران: [102].
أيُّهَا المُؤمنونَ: نَحْمَدُ اللهَ عزَّ وجَلَّ عَلَى كمالِ المِلَّةِ، وتَمَامِ النِّعْمَةِ، أَنْ شَرَّفَنَا بِالإِسْلامِ وَخَصَّنَا بخيرِ الأَنَامِ، نَسْأَلُهُ المزِيدَ مِنَ الْفَضْلِ وَالإِنْعَامِ، ونشكرُهُ على ما أَوْلانَا مِنَ الْخَيْرَاتِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَ الْبركَاتِ، سُبْحَانَهُ فَاضَ خَيْرُهُ، وَعَظُمَ فَضْلُهُ، وَتَعَالَى ذِكْرُهُ، وَلا إِلهَ غَيْرُهُ، قَالَ تَعَالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) البقرة: [152].
عِبَادَ اللهِ: وَمَعَ انْتِهَاءِ مَوْسِمِ حَجِّ هَذَا الْعَامِ 1446هـ، وَمَا شَهِدَهُ مِنْ نَجَاحَاتٍ وَإِنْجَازَاتٍ وَمَا حَقَّقَهُ مِنْ أَهْدَافٍ وَغَايَاتٍ، وَمَا أَوْدَعَهُ فِي ذَاكِرَةِ الْحَجِيجِ مِنْ آَثَارِ وَإِشَادَاتٍ تَحَدَّثَ بِهَا الْبَادِي وَالْحَادِي، وَشَاهَدَهَا الْقَاصِي والدَّانِي، فِي مَشَاهِدَ عَظِيمَة، وَجُموعٍ غَفِيرَةٍ، تُثْلِجُ قُلُوب المؤْمِنِينَ، وتُخْرِسُ أَبْوَاقَ الْكَذَبَةِ والْحَاقِدِينَ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) يونس: [58].
وَبِلادُنَا -حَرَسَهَا اللهُ- تَقُومُ بِوَاجِبِهَا الدِّينِيِّ، وَمِيثَاقَهَا التَّارِيخِيّ، بِخِدْمَةِ ضُيُوفِ الرَّحْمَنِ وَتَقْدِيمِ الرِّفَادَةِ وَالْوِفَادَةِ عَنْ طَرِيقِ اسْتِنْفَارِ جَمِيعِ أَجْهِزَتِهَا الأَمْنِيَّةِ وَالصِّحِّيَّةِ والدَّعَوِيَّةِ والتَّوْعَوِيَّةِ، بِرِعَايَةٍ كَرِيمَةٍ مِنْ وُلاةِ الأَمْرِ في تَنْظِيمٍ دَقِيقٍ، وَدَعْمٍ سَخِيٍّ، وَتَسْخِيرٍ لِلطَّاقَاتِ الْبَشَرِيَّةِ، والْوَسَائِلَ التِّقَنِيَّةِ لِخِدْمَةِ الْحُجَّاجِ، وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِمْ، بَدْءً مِنْ قُدُومِ الْحُجَّاجِ لِلْمَمْلَكَةِ عَبْرَ الموانِئِ البرِّيَّةِ والبحريَّةِ والجوِّيَّةِ، وَحَتَّى عَوْدَتهم إلى بلْدَانِهِم سَالمينَ مَجْبُورِينَ، يَرْوُونَ لمن خَلْفَهُم مَشَاهِدَ سَطَّرَتْهَا أَقْلامُهُمْ، وَحَفِظَتْهَا أَذْهَانُهُمْ، تَنُمُّ عن حُبٍّ لهذهِ البلادِ المبارَكَةِ، وقيادَتِهَا الحكيمةِ، وَأَبْنَائِهَا الْبَرَرَة.
وَإِنِّي أُسَطِّرُ جَانبًا مِنْ تِلْكَ المَشَاهِدِ والنَّجَاحَاتِ الَّتِي حَقَّقَهَا مَوْسِمُ حَجِّ هَذَا الْعَامِ 1446هـ أَمْنِيًا وَصِحِّيًا، وَخَدَمِيًا وَتَنْظِيمِيًا، مِنْ خِلالِ مُشَاهَدَاتِي المَيْدَانِيَّةِ فِيمَا يَلِي:
أولًا: التَّطَوُّرُ الْهَائِلُ، والتَّوَسُّعَات المتْقَنَةُ، الَّتِي اسْتَوْعَبَتْ جُمُوعَ الْحَجِيجِ لِهَذَا الْعَامِ وَالَّتِي فَاقَت المليُون وَنِصْف المليون من الحجاج، وَهَذِهِ التَّوَسُّعَات هِيَ ثَمَرَةُ جُهُودٍ مُضْنِيَةٍ، وَدِرَاسَاتٍ سَابِقَةٍ وتَخْطِيطٍ مُنَظَّمٍ، بَدْءً مِنْ تَطْوِيرِ الْبُنَى التَّحْتِيَّةِ، وَإِنْشَاءِ شَبَكَاتِ الطُّرُقِ والنَّقْلِ والاسْتِفَادَةِ مِنَ الْخَدَمَاتِ التِّقَنِيَّةِ والرَّقْمِيَّةِ، وَتَجْنِيدِ مِئَاتِ الآَلافِ مِنَ الْكَوَادِرِ المُدَرَّبَةِ.
ثَانيًا: كَانَت الطُّمَأْنِينَةُ وَالْيُسْرُ شِيمَةُ حَجِّ هَذَا الْعَام، تَمَثَّلَتْ في سُهُولَةِ الْوُصُولِ لِلْمَشَاعِرِ، والتَّدَرُّجِ وَالدِّقَّةِ في أَوْقَاتِ التَّفْوِيجِ، وانْسِيَابِيَّةِ الْحَرَكَةِ، وَتَوَفُّرِ شَتَّى الْخَدَمَاتِ الصِّحِّيَّةِ والأَمْنِيَّةِ، وَالإِرْشَادِيَّةِ، والدِّينِيَّةِ، وَسُبُلَ الإِعَاشَةِ.
ثَالثًا: رِعَايَةُ كِبَارِ السِّنِّ وَالْعَجَزَةِ، وَالنِّسَاءِ، وذَوِي الْهِمَمِ، بِتَوْفِيرِ وَسَائِلِ النَّقْلِ المُخَصَّصَةِ لَهُمْ في الطَّوَافِ والسَّعْيِ، وَالْحَافِلاتِ المُجَهَّزَةِ مِنْ وَإِلَى المَشَاعِرِ المُقَدَّسَةِ.
رَابِعًا: الْخُطُوطُ السَّاخِنَةُ عَلَى مَدَارِ السَّاعَةِ، والتَّكَاتُف والتَّوَاصُل بَينَ جَمِيعِ الأَجْهِزَةِ والْقِطَاعَاتِ، والْكَوَادِرِ ومُقَدِّمِي الْخَدَمَاتِ؛ لِتَيْسِيرِ الْعَقَبَاتِ، وَمُوَاجَهَةِ التَّحَدِّيَّاتِ، والْعَمَل عَلَى رَاحَةِ الْحَجِيجِ وَأَمْنِهِمْ، وَتَيْسِيرِ الْعِبَادَةِ لَهُمْ.
خامسًا: التزامُ جموعِ الحجيجِ بالأنظمةِ والتعليماتِ، وحصولِهِم على التصاريحِ، وتعاونِهِم مع إخوانِهِم من أفرادِ الأمنِ والتنظيمِ، ومقدمِي الخدماتِ، امتثالًا لقولهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) النساء: [59] مما كانَ لهُ أكبرُ الأثرِ في راحَةِ الحجيجِ، وطمأنينتِهِم، والحفاظِ على أمنِهِمْ وسلامتِهِم.
وَإنِّي بهذهِ المناسبَةِ العظيمَةِ، أَحْمَدُ اللهَ عز وجل وأشكرُه، وأسألُه المزيدَ من فضلِهِ، وأرفعُ التَّهْنِئَةَ لِخَادِمِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وسُموِّ وليِّ عهدهِ وسائرِ قياداتِ الحجِّ والعاملينَ لخدمةِ الحُجَّاجِ، على نجاحِ موسمِ الحجِّ هذا العامِ 1446هـ، وأقولُ للجميعِ: أبْشِرُوا، فَلَكُم أَجْرُ كُلِّ حاجٍ ومعتمرٍ وزائرٍ أدُّوا حجَّهم وعُمرتَهم وزيارَتَهم لمسجدِ رسولِ اللهِ ﷺ بيُسرٍ وسهولةٍ، قال ﷺ: (مَن دَلَّ على خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فاعِلِهِ) أخرجه مسلم (1893).
أعوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرِّجِيمِ: (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأعراف: [69].
أقولُ قَوْلِي هَذا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية: الْحَمْدُ للهِ وَلِيِّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ ألّا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ أمَّا بَعْدُ: فَوَصِيَّتِي لِحُجَّاجِ هَذَا الْعَامِ، وَمَنْ يَسَّرَ اللهُ عزَّ وجلَّ لَهُ الحجَّ، فَوَطِئَتْ أقْدَامُهُ أَرْضَ الْحَرَمِ، والمشَاعِرَ المقَدَّسَةِ، واكتحلَتْ عينَاهُ بِمَرْأَى الْكَعْبَةِ المُشرَّفَةِ، وبَلَّغَهُ اللهُ هَذَا البيتَ العتيقَ، وأتمَّ عليهِ مناسِكَ الحجِّ، أقولُ لهُم: اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ، وأَلِظُّوا بِشُكْرِهَا، وحَافِظُوا عَلَيْهَا، بِلُزُومِ الْعِبَادَاتِ، وتَكْرَارِ الطَّاعَاتِ، وأَيْقِنُوا بِالْقَبُولِ، وأَبْشِرُوا بِالْخَيْرِ، فَرَبُّنَا حَيِيٌّ كَرِيمٌ، قَرِيبٌ مُجِيبٌ، اللَّهُمَّ اقْبَلْ مِنَ الْحَجِيجِ حَجَّهُمْ، وَاخْلُفْ نَفَقَتَهُمْ، وَاغْفِر ذُنُوبَهُمْ، وَرُدَّهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، فَرِحِينَ مَجْبُورِينَ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللهم وَفِّق وَلِيَّ أَمْرِنَا خادمَ الْحَرَمَيْنِ الشريفينِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وِإِخْوَانَهُ وَأَعْوَانَهُ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَسَلِّمْهُمْ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَشَرٍّ. اللَّهُمَّ احْفَظْ عُلَمَاءَنَا، وَوُلاةَ أَمْرِنَا، وَالمُرَابِطِينَ عَلَى حُدُودِنَا، وَرِجَالَ الأمن، والعاملين في سائر القطاعات لخدمة حجاج بيت الله الحرام. اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمؤْمِنَاتِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ في الجناتِ واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَاجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا وجِيرَانَنَا ومشايخنا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) النساء: [103].
الجمعة 17 /12 /1446هـ