مقاصد الحج 3 ــ 12 ــ 1446

عبدالعزيز بن محمد
1446/12/02 - 2025/05/29 13:16PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيها المُسْلِمون: مُسْتَبْشِرٌ بالدينِ مُغتَبِطٌ بِهِ، قَلْبُهُ للإسلامِ مُنشَرِحٌ، ورُوُحُهُ بالإيمانِ مُطْمَئِنَّة. يَتَقَلَّبُ بَينَ شَعَائرِ الدِّيْنِ وشَرَائِعِهِ، يُبصِرُ في كُلِّ مسألَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الدينِ كَمَالَ التَّشْرِيْعِ، وجلالَ الأَحْكَامِ، وسُمُوَّ المقاصِد. 

فَمَا مِنْ مَسْألَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الدِّيْنِ إِلا وَيَتَجَلَّى لَهُ جَلالُها وجَمَالُها وكَمَالُها. دِينٌ أَكَمَلَهُ اللهُ لِعِبَادِه وارْتَضَاهُ لَهُم. طُوبَى لِعبدٍ لِدِينِ اللهِ هُدِي.

جَعَلَ اللهُ لهذا الدِّيْنِ أَرْكانٌ، وَخَتَمَ الأَركانَ بِحَجِّ بَيْتِهِ الحرام {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} 

رِحلَةُ الحَجِّ رِحلَةٌ عظيمةٌ، فيها مِنْ مَعَانِيْ العُبُودِيةِ والتَّعْظِيْمِ للهِ ما لا تُحِيْطُ بِهِ الفِكَرُ. في الحَجِّ إشهارٌ للتَّوْحِيْدِ، وإقرارٌ لله بالربوبِيَّةِ، وإِفْرادٌ لَه بالأُلوهية. شِعارُ الحُجاجِ تَكْبِيْرٌ وَتَلْبِيَةٌ، مَنْ كَبَّرَ اللهَ يَعْلُوْ فِيْ ذُرَى القِمَمِ. شِعارُ الحُجاجِ: (لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكْ، لَبَّيْكَ لا شَرِيْكَ لَكَ لَبَّيْكْ) جِئْنَا مُلَبِينَ نَرْجُوْ مِنْكَ مَغَفِرَةً. جِئْنَا نُلَبِي نداءَ اللهِ للحرمِ. (لَبَّيْكَ لا شَرِيْكَ لَكَ) لَبَيْكَ وحْدَكَ لا نُشْرِكْ بِخالِقِنا. القَصْدُ وجْهكَ يا ذا الجودِ والكرمِ. أَنتَ المَلِيكُ مَلَكَتَ المُلْكَ أَكمَلَهُ، ومُنْعِمٌ بِالعَطَايَا مُسْبِغُ الكَرَمِ. فالحمدُ للحيِّ حمداً دائماً أَبداً. مَدَّ الخلائقَ بالإحسانِ والنِعَمِ.  

* شِعارُ الحُجاجِ تَلْبِيةٌ للهِ بالتوحيد، وَعَلى التَّوْحِيْدِ بُوِّئَ لإبراهيمَ مكانَ البيتِ، وعلى التوحيدِّ قامَ أَساسُه. {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا}

توحيدُ اللهِ وتَعْظِيْمُه هو شعارُ الحُجَّاجِ في مَنَاسِكِهم. يَذْكُرُوْنَ اللهَ وَيُوَحِّدُوْنَه، ويُهَلِّلُوْنَ اللهَ وَيُكَبِّرُوْنَه في جَمِيْعِ أَحْوَالِهِم.  يَذْكُرُوْنَ اللهَ وَيُوَحِّدُوْنَه وَهُمْ يَطُوُفُوْنَ بِالبَيْتِ، وَيَذْكُرُوْنَ اللهَ وَيُوَحِّدُوْنَه وهم يَسْعَوْنَ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَيَذْكُرُوْنَ اللهَ وَيُوَحِّدُوْنَه وَهُمْ وَاقِفُوْنَ بِعَرَفَات، وَيَذْكُرُوْنَ اللهَ وَيُوَحِّدُوْنَه وهم مُنْصَرِفُونَ منها {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} 

وَيَذْكُرُوْنَ اللهَ ويُكَبِّرُونَهُ وهم يَرْمُونَ الجمارَ، وَيَذْكُرُوْنَ الله ويُسَمُّونَهُ وهم يَنْحَرُوْنَ الهَدْيَ، وَيَذْكُرُوْنَ اللهَ وَيُوَحِّدُوْنَه في الصَّلَوَاتِ وفي أَدْبارِها، وَيَذْكُرُوْنَ اللهَ في جَمِيْعِ أَحْوَالِهِم وَتَقَلُّبَاتِهِمْ {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}

ويَسْتَمِرُّ ذِكْرُ اللهِ مَعَ الحُجَّاجِ حَتَّى يُتِمُّوا حَجَّهُمْ وَيَقْضُوا مَنَاسِكَهُمْ {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} فالحَجُّ ما شُرِعَ إِلا لإِقامَةِ التَّوْحِيْدِ وإِرْساءِ مَعانِيْهِ في النُّفُوس. ما شُرِعَ الحَجُّ إِلا لِإفْرادِ اللهِ بالعِبادَةِ، وبَذْلِ النَّفِيْسِ لأَجْلِه.

في الحَجِّ يَجْتَمِعُ الحُجَّاجُ مِنْ أَقْطَارِ الأَرْضِ، فلا شَيءَ يَجْتَمِعُونَ عليهِ سِوى تَعْظِيْمِ اللهِ وتَوحِيْدِه. تأَتِلِفُ قُلُوبُ الأَمَةِ على التَوْحِيْدِ، ولا شَيءَ غَيْرَ التَوْحِيْدِ يُؤَلِفُ بَيْنَها، رَبُها واحدٌ، ومِلَّتُها واحدةٌ، وقِبْلَتُها واحدةٌ، وَنَبِيُّها خاتَمُ النَّبِيِّيْنَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}

في الحَجِّ أُشْهِرَتْ البَراءَةُ مِنْ المُشْرِكِيْنَ، وأُظْهِرَتْ المُفارَقَةُ لَهُم {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}

البَراءَةُ مِنْ المُشْرِكِيْنَ، عَقِيْدَةٌ وَقَرَتْ في قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ آمَنَ باللهِ، فَكَفَرَ بِكُلِّ مَعْبُودٍ سِوى اللهِ، فَتَبَرأَ مِنَ الأَوثَانِ وَعَابِدِيها، ومِنَ الصَّلِيْبِ وحَامِلِيْه، وتَبَرأَ مِنْ كُلِّ مُلْحِدٍ كَفَرَ بِوَحْدَانِيَةِ الله.  البَراءَةُ مِنْ المُشْرِكِيْنَ، هِيَ غَيْرَةٌ المُوَحِّدِيْنَ على التَوْحِيْدِ. عَظُمَ للهِ وَلاؤُهُم، فَعُظَمَ للكَافِرِيْنَ عَداؤُهُم. اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ على قَوْمٍ زَعَمُوا أَنَّهُم آمَنُوا باللهِ فَباتُوا يَتَوَلَّوْنَ مَنْ كَفَرَ بِه {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}

وفي الحَجِّ يَتَجَلَّى للأُمةِ مَقامُ نَبِيِّها صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويَتَجَلَّى للأُمَةِ مَقَامُ السُّنةِ مِنْ دِيْنِ الإِسْلامِ، وأَنَّ السُّنَةَ مَصْدَرٌ للتَشْرِيْعِ كَما القُرْآنُ. وأَنًّهُ لا يَسْتَقِيمُ دِيْنُ امْرئٍ ما لَمْ يَهْتَدِ بنُصُوصِ السُّنَةِ. فَالسّنَّةُ هي المُبَيِّنةُ لِكَثِيْرٍ مِنْ آياتِ وأَحْكَامِ القُرآن {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}

أَدْرَكُ ذَلْكَ أَصْحابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأَدْرَكَهُ مَنْ تَبِعَهُم بإِحْسان، قال جابِرٌ رضي الله عنه : (ثُمَّ أَذَّنَ في النَّاسِ في العَاشِرَةِ ــ أَيْ في السَّنَةِ العَاشِرَةِ مِنَ الهِجْرَةِ ــ أَنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّىاللَّهُ عليه وَسَلَّمَ حَاجٌّ، فَقَدِمَ المَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ) رواه مسلم  أَدْرَكُوا أَنَّ الاقْتِداءَ بِرسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ هو الطريقُ الموصِلُ إلى تَحْقِيقِ عبادَةِ اللهِ كما شَرَع (كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ)

في الحَجِّ يَتَجَلَّى مَقَامُ التَّقْوَى، وَأَنَّ أَكْرَمَ العِبَادِ عِنْدَ اللهِ أَتقاهُم. وأَنَّ كُلَّ فَخْرٍ بِغَيرِ التَّقْوَى هَبَاء. نُزِعَت الفوارِقُ بَينَ الحُجاجِ وأُزِيْحَتِ العلاماتُ، فَمَا هُوَ إِلا الإزارُ والرِّداء، لِباسٌ واحِدٌ، لا يَتَمَيَّزُ فيهِ أَمِيْرٌ عَنْ مَأمور، ولا يتَمَيَّزٌ فيهِ مَشهورٌ عَن مَغْمور. وَكَذَا يَومَ المَعَادِ سَيُحشَرون {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} بارك الله

 

الخطثبة الثانية:


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.. واعلموا أنكم إليه تحشرون.

أََيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: عِبادَةُ الحَجِّ مِنْ أَعْظَمِ العِبادَاتِ، فَحَقٌّ على مَنْ يُسِّرَ لَهُ الحَجُّ، أَنْ يُخْلِصَ للهِ في عَمَلِهِ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} للهِ لا لِغَيْرِه، هُوَ المَعْبُودُ، وهُوَ المرْجُوُّ، هُوَ المَقْصُود، وهُوَ المُسْتَعَان.  فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ فَلْيُخْلِصْ للهِ في حَجِّهِ.

الحَجُّ مِنْ أَعْظَمِ العِبادَاتِ المُوجِبَةِ للمغَفِرَةِ، فَمَنْ حَفِظَ حَجَّهُ مِنَ الشَّوائِبِ أَدْرَكَ فَوزاً، «مَنْ حَجَّ لِلهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» متفق عليه وَفِيْ القُرْآنِ {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}

يَتَحَلَّى الحَاجُّ بالصَبْرِ، ويَتَخَلَّقُ بالسَّكِينَةِ، ويَتَجَمَّلُ بالتَواضُعِ، ويُجاهِدُ النَّفْسَ على كَبْحِ جِمَاحِها. غَايَةُ الحَاجِ أَنْ يُقِيْمَ عِبادَتَهُ على أَكْمَلِ وجْهٍ، وأَنْ يَأَتِيَ بِها على أتَمِّ مُرادٍ. فَيأَخُذُ بالعَزِيْمَةِ في مَواضِعِ السَّعَةِ والقُدْرَة، ويأَخُذُ بالرُّخْصَةِ في مَوْاضِعِ المَشَقَةِ والضِّيْق. يَتَوَقَى ما يَضِرُّ بالنَّفْسِ، ويأَخذُ بأَسْبابِ السَّلامَةِ. ولا يَكُونُ سَبباً في أَذَى الآخَرِيْن.

يَحْتَسِبُ الحَاجُّ في نَفْعِ النَّاسِ، فَيُعِيْنُ ضَعِيْفاً، ويَحْمِلُ عاجِزاً، ويَبْذُلُ مَعْرُوفاً، ويُفَقِّهُ جَاهِلاً، ويُذَكِّرُ غافِلاً، ويُرْشِدُ تائِهاً، ويَنْهَى عَنْ مُنْكَر.

عِبادَ الله: ويَومُ عَرَفَةَ مِنْ أَعْظَمِ أَيامِ اللهِ. يَومُ عَرَفَةَ، وما أَدْرَكَ ما يَومُ عَرَفَة، يَومٌ يُباهِيْ اللهُ بأَهِلِ المَوْقِفِ مَلائِكَتَه. يَومٌ يَغْمُرُ اللهُ عِبادَهُ المُؤْمِنِيْنَ بمِغْفِرَتِه. عَنْ عائشةُ رضي الله عنها قالَتْ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ يَومٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيْهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَومِ عَرَفَةَ، وَإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟) رواه مسلم 

شَرَعَ اللهُ للحُجَاجِ في اليَومِ التَّاسِعِ أَنْ يَقِفُوا بعَرَفَة، وشَرَعَ لسائِرِ المُؤْمِنِيْنَ في أَرجاءِ الأَرْضِ أَنْ يَصُوموا ذَلِكَ اليَوم،  لِيُصِيْبَهُمْ اللهُ مِنْ نَفْحِ مَغْفِرَتِه ــ وصِيامُ يَومِ عَرَفَةَ مِن آكَدِ السُّنَنِ لِغَيْرِ الحَاجّ ــ في فَضْلِهِ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (صِيَامُ يَوْمِ عَرفةَ، إنّي أحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكفّرَ السَّنَةَ التي بَعْدَهُ، وَالسَّنَةَ التِيْ قَبْلَهُ) رواه مسلم  

قَالَ ابنُ رَجَبٍ رحمه الله : (وَيَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَومُ العِتْقِ مِنَ النَّارِ، فَيُعْتِقُ اللهُ تعالى مِنَ النارِ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَم يَقِفْ بها منْ أَهلِ الأَمْصَارِ مِنَ المسلمين؛ فَلِذَلكَ صَارَ اليومُ الذي يَلِيْهِ عِيداً لجميعِ المسلمينَ في جَميعِ أَمْصارِهِمْ، مَنْ شَهِدَ الموسمَمِنْهُمْ وَمَنْ لم يَشْهَدْه، لاشْتِراكِهِمْ فِيْ العِتْقِ والمغْفِرَةِ يَومَ عَرَفَة( ا.هـ 

عِبادَ اللهِ: أَلا وإِنَّكُمْ في أَيَامٍ هِيَ مِنْ أَعظَمِ الأَيامِ، ومِنْ أَحِبِّها إِلى اللهِ «ما مِنْ أيَّامٍ العمَلُ الصَّالِحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ مِن هذه الأيام» فَأَقْبِلُوا فِيْها على عَمَلِ الصَّالحَاتِ، واجْتَهِدُوا في مُضاعَفَةِ العَمَلِ وأَخْلِصُوا لِرَبِكُم، لِتُنالُوا مِنُهُ أَعْظَمَ الدَّرَجات. فَإِن الأَيامَ تَتَرَحَّلُ سَرِيْعاً، وكُلُ يَومٍ أَتَى يُدْنِيْ مِن الأَجَلِ.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم..

 

المشاهدات 528 | التعليقات 2

جزيتم الجنة يا شيخ عبدالعزيز... يراعٌ سيّال .. وخطبةٌ جمعت بين الجزالة والاختصار .

بوركتم حيثما كنتم ... ومن قال آمين


وإياكم يا شيخ خالد

تقبل الله منا ومنكم وكتب لنا ولكم الإخلاص والقبول

 

ملاحظة: تم إجراء بعض التعديلات على الخطبة