من أحكام السفر وآدابه

خطبة جمعة بعنوان : من أحكام السفر وآدابه  كتبها : خالد بن خضران الدلبحي العتيبي

الجمش – الدوادمي
 

الخطبة الأولى :

 إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله  .

أما بعد :

فيكثرُ هذه الأيام سفرُ الناسِ فيحتاج المسلم إلى معرفة بعض الأحكام المتعلقة بالسفر فليحرص المسلم أولاً على النية الصالحة في سفره فالسفر قد يكون مباحاً وقد يكون عبادة يؤجر عليها وقد يكون محرماً بحسب نية الإنسان فإذا سافر من أجل النزهة فهذا أمر مباح وإذا سافر من أجل العمرة مثلاً أو صلة رحم فهذا السفر يؤجر عليه وإذا سافر من أجل أن يعصي الله فهذا يأثم  

وليحرص المسلم كذلك على اختيار المكان المناسب فلا يجوز للمسلم السفر إلى بلاد الكفار من أجل السياحة ومن تأمل النصوص الشرعية وجدها تأمر بالهجرة من بلد الكفر إلى بلد الإسلام إلا لمن لا يستطيع الهجرة فكيف يذهب الإنسان بنفسه وأهله وأولاده إلى هذه البلاد ، يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً) (النساء : 97 )

وجاء في سنن أبي دواد والترمذي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال ( أنا برئ ممن يقيم بين أظهر المشركين )

ويترتب على هذا السفر أخطار عظيمة :

منها فقد الغيرة عنده وعند أهله و التشبه  بالكفار والتأثر بهم وبعاداتهم و بأخلاقهم المخالفة للدين .

ولا يجوز سفر المسلم إلى بلاد الكفار إلا بشروط :

الأول : أن يكون محتاجاً إلى هذا السفر مثل العلاج أو مثل طلب علم لا يوجد في بلده أو للتجارة مثلاً  .

ثانياً : أن يكون عنده علم يمنعه من الشبهات .

ثالثاً : أن يكون عنده دين وخوف من الله يمنعه من الشهوات .

رابعاً : أن يتمكن من إظهار شعائر دينه والقيام بها .

أما البلاد الإسلامية التي تكثر فيها الفتن وتنتشر فيها الشهوات فالمراقص مفتوحة والخمر يباع علناً وأين ما تذهب ترى العري والتحلل من الأخلاق والقيم فإن الإنسان يحذر من السفر إليها وفي البلاد الأخرى غنية عنها ، وكم من أُناس سافروا إلى بعض البلاد التي تنتشر فيها الشهوات ونيتهم السياحة ولكن تدرج بهم الشيطان حتى وقعوا في مستنقعات الشهوات .

وعليك أيها المسلم في سفرك أن تختار الرفقة الصالحة ويكره سفر الإنسان لوحده إلا إذا لم يجد صاحباً لما في ذلك من الوحشة وتسلط اللصوص وعدم المعين بعد الله جاء في البخاري ( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده ) .

واحرص أيها المسافر على تطبيق سنن السفر فمن ذلك إذا كان المسافرون ثلاثةً فأكثر أن يؤمروا أميراً عليهم حتى يجمع كلمتهم  ويختار لهم الأصلح  ويكون من أعلمهم ومن أعقلهم  جاء في  سنن أبي داود  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ.

ومن سنن السفر المهمة التي فيها حفظ للمسافرين دعاء السفر  ويكون الدعاء عند الركوب للسفر جاء في حديث ابن عمر في صحيح مسلم  (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ{ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ )  .

ومن سنن السفر  إذا نزل المسافر منزلاً في طريقة للاستراحة ونحو ذلك  أن يقول الدعاء الوارد ففي صحيح مسلم  عن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ .

عباد الله أقول ما تسمعون واستغر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الرحيم

 

 

الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .

أما بعد :

ومن الأحكام الفقهية المتعلقة بالسفر أن المسافر يسن له قصر الصلاة الرباعية صلاة الظهر وصلاة العصر وصلاة العشاء  فيصليها ركعتين  وكذلك له أن يجمع بين الصلوات بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير بحسب الأيسر له فالوقت يكون وقتاً واحداً فله أن يُوقع  الجمع في أول الوقت أو آخره أو وسطه .

وليعلم المسلم أنه لا يترخص بهذه الرخص إلا إذا خرج من البلد مسافراً فمن الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس أنهم يترخصون بالرخص وهم لم يخرجوا وهذا خطأ وبعض الناس يأتي من السفر وهو لم يصلِ مثلاً صلاة العشاء فتجد أنه يقصرها ركعتين فهذا خطأ لأن المسافر إذا وصل بلده انقطعت رخصُ السفر عنه .

 ومن أحكام السفر أن المسافر إذا أقام في بلد فإذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام وحدد المدة  فليس له أن يترخص برخص السفر من أول يوم أقام فيه  وهذا الذي عليه جماهير العلماء  وتفتي به اللجنة الدائمة للإفتاء وهو الأحوط للمسلم أما إذا نوى أربعة أيام فأقل فله أن يترخص برخص السفر وأما إذا أقام المسافر في بلدٍ ولا يعلم متى ينتهي من حاجته هل ينتهي في أسبوع أو شهر فهذا بإجماع العلماء له أن يترخص بالقصر وإذا احتاج للجمع لا بأس أن يجمع .

ومن أحكام السفر أن المسافر إذا صلى خلف من يتم الصلاة فالواجب عليه أن يصلي الصلاة تامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ) فإن قصر خلف إمام يتم فإنه يكمل ركعتين ثم يسجد للسهو بعد السلام هذا إذا كان الفاصل قصير أما إذا قصر وذهب ثم علم بعد ذلك فإنه يعيد هذه الصلاة والصحيح يعيدها قصراً يعني يصلي ركعتين فقط لأن القضاء يحكي الأداء .

ومن أحكام السفر أن صلاة الجماعة واجبة على المسافر أما ما يفعله بعض المسافرين يسكن بجوار المسجد ثم يترك صلاة الجماعة فهذا خطأ  

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه يُواظبون على صلاة الجماعة حَضرَاً وسفرا

ومن أحكام السفر أن المرأة لا يجوز لها أن تسافر بغير محرم إلا لضرورة ، قال صلى الله عليه وسلم : وَلَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ   .

وهذا عام في كل سفر سواء كان في الطائرة أو غيرها  واشتراط المحرم في السفر في حفظ للمرأة ويشترط في المحرم أن يكون ذكراً بالغاً .

 أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياكم من عباده الصالحين أو يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن .....

 

 

 

 

المرفقات

1750887101_خطبة عن السفر وأحكامه.docx

المشاهدات 116 | التعليقات 0