نَصَائِحُ لِلْحُجَّاجِ والْمُقِيمِينَ 3/12/1446هـ

خالد محمد القرعاوي
1446/12/01 - 2025/05/28 15:25PM

نَصَائِحُ لِلْحُجَّاجِ والْمُقِيمِينَ 3/12/1446هـ

الحمدُ للهِ، أَشهدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ أَنْجزَ وَعْدَهُ، وَأَشهَدُ أنَّ محمداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبِهِ، سُبْحَانَ مَنْ نَصَرَ عَبدَهُ وَهَزمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ.

 

أمَّا بَعدُ. فَاتَّقُوا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ وَأَيقِنُوا أَنَّ رَسُولَنا هُوَ الأُسْوَة ُ والإمامُ، بِنورِ شَريعَتِه نَهتدي وَعَليها نَسِيرُ، حينَ تحدَّثنا في الجُمعةِ الْمَاضِيةِ عن صَدِّ قُريشٍ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ عَنْ أَدَاءِ العُمُرةِ، بَيَّنَّا أنَّ الفَرِيقَانِ جَلَسَا لِلتـَّفاوضِ، وَاتَّفَقُوا على بُنودٍ السَّامِعُ لَهَا لِلوهْلَةِ الأُولَى يَرى أنَّ فِيها ظُلْمَاً وَإجْحَافَاً على الرَّسُولِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ قَبِلَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ!

 

عِبَادَ اللهِ: اسْتَمِعُوا لِلشُّرُوطِ بِاخْتِصَارٍ وَتَأَمَّلُوهَا! وَتَصَوَّرُوا أنَّكُمْ مَكَانَ الصَّحابةِ فَمَا عَسَاكُم تَفعَلُونَ؟. عَلى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ أَنْ يَرجِعوا فَلا يَدْخُلُوا مَكَّة َعَامَهُمْ هَذَا! وَمِن حقِّهِمْ أَنْ يَأْتُوا العَامَ القَادِمَ! وتَلْتَزِمُ قُرَيشٌ بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ مَكَّةَ بِأَيِّ أَذَىً. وَأَنْ يَدْخُلَ الْمُسلِمُونَ بِغَيرِ سِلاحٍ وَيَبْقَوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَقَط. وَأَنْ تُوقَفَ الحَربُ بَينَهُم عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ النَّاسُ فِيها. وَيَلتَزِمُ مُحَمَّدٌ بِأَنْ يَرُدَّ على قُرَيشٍ كُلَّ مَنْ جَاءَ مِنْ أَبْنَائِهَا بِغَيرِ إِذْنِ وَلِيِّـهِ وَلَيسَ عَلى قُرَيشٍ ذَلِكَ. وَمَنْ أَحبَّ أنْ يَدخُل فِي عَقْدِ قُريشٍ فَلَهُ ذِلِكَ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَدخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ فَلَهُ ذَلِكَ وَأَيُّ تَعَرُّض ٍعلى تِلْكَ القَبَائِلِ يُعدُّ عُدْوَاناً على الْمُتَحَالِفَينِ.

 

عِبَادَ اللهِ: انْتَهَتِ الشُّرُوطُ وَبَقِيَ تَوثِيقُها وَكِتَابَتُها! فَقَال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِعليِّ ابنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، اكْتُبْ بِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ فَاعْتَرَضَ سُهَيلُ بنُ عَمْروٍ وَقَالَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ الَّلهُمَّ، فَقَالَ اكْتُبْ بِاسْمِكَ الَّلهُمَّ. هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلِيهِ رَسُولُ اللهِ، فَاعْتَرَضَ سُهَيلٌ وَقَالَ: لَو أَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ حَقَّاً مَا خَالفْتُكَ، اكْتُبْ اسمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ! فَلَمْ يَسْتَطِعِ الصَّحابَةُ رِضْوانُ اللهِ عَلَيهِمْ تَحَمُّلَ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَضَجَّوا وَثَارَتْ ثَائِرَتُهم! وَرَسُولُ اللهِ يُسَكِّنُهُمْ! وَيَقُولُ: اكْتُبْ مُحَمَّدَ بنَ عَبدِ اللهِ! ثُمَّ دُوِّنَتِ الشُّرُوطُ فِي نُسْخَتَينِ وَخُتِمَتْ مِنَ الطَّرَفَينِ. فَكانَتْ مُعَاهَدَةً تَارِيخِيَّةً بِهَا سِرٌّ عَجِيبٌ، وَتَدْبِيرٌ حَكِيمٌ! وَللهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.

 

أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ: الصَّحَابَةُ الكِرَامُ بَعْدَ كِتَابَةِ الشُّرُوطِ، أَخَذَهُمُ الهَمُّ وَالْحَزَنُ كُلَّ مَأْخَذٍ، فَلَمْ يَتَصوَّروا أَنْ يُردُّوا عَنْ مَكَّةَ بِلا سَبَبٍ وَهُمْ عَلى مَقْرُبَةٍ مِنْهَا! وَلَمْ يَتَصَوَّرُوا أَنْ يَقْبَلَ الرَّسُولُ الشَّهْمُ الشُّجَاعُ بِهذِهِ الشُّروطِ القَاسِيَةِ! وَهُو الذي وَعَدَهُم بِدُخُولِ مَكَّةَ! حِينَهَا اعْتَرَضَ صَحَابَةٌ كِرَامٌ دَفَعَتْهُمُ الغَيرَةُ والحَمِيَّةُ لِدِينِ اللهِ تَعَالى! قَالَ عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،! فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَسْتَ رَسُولَ اللهِ حَقَّاً؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَوَ لَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: بَلَى. أَوَلَيسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى. فَقَالَ: فَعَلامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ فَقَالَ: إنِّي رَسُولُ اللهِ وَلَسْتُ أَعْصِيْهِ، أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَلَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ وَلَنْ يُضَيَّعَنِي. قَالَ: أَوَ لَسْتَ كُنتَ تُحَدِّثَنَا أَنَّـا سَنَأْتِي البَيتَ فَنَطُوفَ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، فَهَلْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّـا نَأْتِيهَ هَذا العَامَ؟ قَالَ عُمَرُ: لا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِكُلِّ يَقِينٍ: فَإِنِّكَ آتِيهِ وَمُطوِّفٌ بِهِ. فَذَهَبَ عُمَرُ إِلى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ فَإنِّي أَشْهَدُ أنَّه رَسُولُ اللهِ وَأَنَّ الحَقَّ مَا أَمَرَ بِهِ وَلَنْ نُخالِفَ أَمْرَ اللهِ وَلَنْ يُضَيَّعَهُ اللهُ، ثمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَأَمَرَهُم أَنْ يَنْحَرُوا هَدْيَهم وَيَحْلِقُوا رُؤُوسَهُم وَأَنْ يَستَعِدُّوا لِلعَودَةِ لِلمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، فَشَقَّ عَلَيهِمْ ذَلِكَ وَأَصَابَتْهُمْ دَهْشَةٌ مَنَعَتْهُمْ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِتَنْفِيذِ أَمْرِ الرَّسُولِ الكَرِيمِ الصَّادِقِ الأَمِينِ! كَرَّرَ عَلَيهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ جَمِيعَاً! حِينَهَا لَمْ يُصَادِمْهُمْ وَلَمْ يُعَنِّفْ عَلَيهِمْ لِعِلْمِهِ بِشِدَّةِ وَقْعِ الأمْرِ عَلَيهِمْ! لَكِنَّهُ دَخَلَ خَيمَتَـَهُ، مَغمُومَاً كَيفَ أَنَّهٌم لا يُنَفِّذُونَ أَوَامِرَهُ! فَقَالَتْ أمُّ سَلَمَةَ رَضِي اللهُ عَنها: يَا رَسُولَ اللهِ أُخْرُجْ إِلَيهِمِ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدَاً مِنْهُم حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَا حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ إِلَيهِمْ فَلَمْ يُكلِّمْ أَحَدَاً فَنَحرَ بُدْنَهُ، وَحَلَقَ فَلَمَّا رَآهُ الصَّحَابَةُ الكِرَامُ عَظُمَ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِم فَقَامُوا وَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُم يَحلِقُ بَعْضَاً، حَتَّى كَادُوا يَقْتَتِلُونَ غَمًّـا لِمَا صَنَعُوا، ثُمَّ أَرْسَلَ بِعِشْرِينَ بَدَنَةً هَدْياً لِأَهْلِ الحَرَمِ فنُـحِرَتْ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَقُسِّمَ لَحْمُها عَلى أَهْلِ مَكَّةَ، وَعَادَ إِلَى مَدِينَتِهِ بِنَصْرٍ عَظِيمٍ وَفَتْحٍ مُبِينِ، ذَكَرَهُ اللهُ فِي كِتابِهِ الْمُبِينِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا).

 

عِبَادَ اللهِ: لَقْد جَعَلَ اللهُ فِي الْمُعَاهَدَةِ خَيراً كَثِيرَاً وَنَصْرَاً مُبِينَاً، عبَّرَ عَنْهَا رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِعَظِيمِ فَرْحَتِهِ فَتَلا قَولَ اللهِ تَعَالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا). قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ الَّليلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ أَحَبُّ إِليَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيهِ الشَّمْسُ. قَال الصَّحَابَةُ هَنِيئَاً مَرِيئَاً فَمَالَنَا مِنْهَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ قَولَهُ: (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا). قَالَ البَرَاءُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ وَنَحْنُ نَعُدُّ الفَتْحَ بَيعَة َالرِّضَوانِ يَومَ الحُدَيْبِيَةَ. أَقولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله منَّ عَلَينَا بِمَوَاسِمِ الخَيرَاتِ، أَشْهَدُ ألاَّ إلَهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَاسِعُ العَطايا وَجَزِيلُ الهِبَاتِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ سَبَّاقٌ لِلْخَيرَاتِ، صلَّى الله وسلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِهِ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ إلى يوم الْمَمَاتِ. أمَّا بعدُ: فَاتَّقوا اللهَ يا مؤمنونَ، فالْمُسلِمُ بِحمدِ اللهِ يَعيشُ مُباركَاً أَينَما حَلَّ، وَأَعْظَمُ عَمَلٍ تُقُومُ بِهِ طَاعَةُ اللهِ تَعالى، فَالصَّلاةُ، والصُّومُ طُهْرةٌ مِنْ الآثَامِ، والصَّدَقَةُ تُطفِئُ الخطيئةَ، ومَنْ حجَّ فلمْ يَرفثْ ولم يَفسُقْ رَجَعَ من ذُنوبِه كَيومَ وَلَدتُهُ أمُّهُ.

 

عِبَادَ اللهِ: أَيَّامٌ وَنُودِّعُ حُجَّاجَنَا فَنَستَودِعُ الله دِينَكُمْ وَأَمَانَاتِكُمْ وَخَوَاتِيمَ أَعمَالِكُمْ.

 

فَيا أَيُّهَا الْحَاجُ الكَرِيمُ: عليكَ بِهدْيِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في أَدَاءِ مَنَاسِك حَجِّكَ وَعُمْرَتِكَ فَهُو القَائِلُ:( خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ). وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ يُريدُ بِنَا اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِنَا العُسْر فلا تَشُقَّ على نَفْسِكَ وَلا عَلى مَنْ مَعَكَ فَخُذُوا بِمَا يَتَيَسَّرُ مِنَ الرُّخَصِ. مِنْ خَلَلٍ فِي عِبَادَاتِكُمْ فقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ اللهَ يُحبُّ أَنْ تُؤتَى رُخصُه ُكَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤتَى مَعْصِيَتُهُ).

 

أَيُّهَا الْحَاجُ الكَرِيمُ: عليكَ بِالسَّكِينَةِ في كُلِّ خَطَوَاتِكَ فَهِيَ وَصِيَّةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِلحُجَّاجِ حِيَن قَالَ: (السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ). فَالْتَزِمُوا الرِّفْقَ وَالِّلينَ، وَاحْذَرُوا التَّدَافُعَ وَإيذَاءَ الآخَرِينَ.(فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الْحَجِّ). وَالْتَزِمُوا بِالأَنْظِمَةِ وَلِينُوا بِأَيْدِي الْمَسؤُولِينَ وَنَفِّذُوا تَوجِيهَاتِهِمْ وَابْتَعِدُوا عَن مَوَاطِنِ الخَطَرِ والزِّحامِ، وَلا تَتَعَرَّضُوا لِلشَّمْسِ. حَفِظَكُمُ اللهُ في حِلِّكُمْ وَتِرْحَالِكُمْ. وَزَوَّدَكُمُ اللهُ التَّقْوى وَغَفَر ذُنُوبَكُمْ وَيَسَّرَ لَكُمُ الْخَيرَ حَيثُ ما كُنْتُمْ.

 

يَا مُؤمِنُونَ: حَلَّتْ بِنَا أَفْضَلُ أَيَّامِ العَامِ فَجِدُّوا وَشَمِّرُوا: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ). عشرٌ كَثيرَةُ الحَسَنَاتِ، مُتنوِّعَةُ الطَّاعَاتِ، كَفَاها شَرَفَاً أنَّ اللهَ أَقسَمَ بها فَقَالَ: (وَالْفَجْر*وَلَيَالٍ عَشْرٍ). وَقْتُهَا قَصِيرٌ لا تَحْتَمِلُ التَّسْوِيفَ وَلا التَّقْصِيرَ، فِيهَا أَكْمَلَ اللهُ لَنَا الدِّينَ، وَأَنْزَلَ بِشَارِتَهُ لِلمؤمِنينَ فَقَالَ: (ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِينًا). حتى حَسَدَنَا اليَهُودُ عَلى هَذا الكَمَالِ والتَّمَامِ. فِيهَا تَجتَمِعُ أُمَّهاتُ العِبادَاتِ! صَلَوَاتٌ وَصَدَقَاتٌ، وَصَومُ تَطوُّعٍ، وَحَجٌّ لِلبَيتِ الحَرَامِ! فيها الذِّكرُ والتَّلبيةُ، والتَّكبيرُ والدُّعاءُ، فيها التَّقرُّبُ إلى اللهِ بِذَبْحِ الأَضَاحِي! وهذا شَرَفٌ لا يَتَأَتَّى في غِيرِها. وَصَفَها الْمُصطَفى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ فَقَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ». يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيءٍ». فِيها يَومُ عَرَفةَ وَكَفى، شَرَعَ لَنَا رَبُّنا صِيامَهُ! وجَعَلَهُ مُكفِّراً لِذُنُوبِ سَنَتَينِ كَامِلَتَينِ! كَمَا قَالَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ». فما أعظَمَهُ من يومٍ أَقْسَمَ اللهُ فيهِ فَقَالَ: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ . (الشَّاهِدُ يَومُ الجُمُعَةِ، وَاليَومُ الْمَشهُودُ يَومُ عَرَفَةَ).

 

وما أَجَلَّهُ من يومٍ يُباهي اللهُ فيهِ ويَستَجِيبُ فيهِ! فَخَيرُ الدُّعاءِ، دُعاءُ يومِ عَرَفَةَ وَخَيرُ مَا قَالَهُ نَبِيُّنا مُحَمَّدٌ والنَّبيُّونَ قَبْلَهُ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قَديرٌ، فَعَظِّموا يومَ عَرفةَ وصومُوه، وحثُّوا أولادَكم وَأَهلِيكُمْ، خاصَّةً أنَّهُ يَجتَمِعُ لَنَا فَضلانِ يومُ عَرَفَةَ وَيَومُ الخَمِيسِ! يا مؤمنُ، بَادِرْ بِالتَّوبَةِ، وَعَظِّمْ يَومَ عَرَفَةَ، وَصُومُوهُ لِلهِ تَعَالى وَحثُّوا أَولادَكمْ، وَادْعُوا اللهَ وَأَنْتُم مُوقِنُونَ بِالإجَابَةِ، وَكُلَّما أَذْنَبْتَ فَتُبْ، وَكُلَّمَا قَصَّرْتَ فَاسْتَغْفِرِ اللهَ تَجِدِ اللهَ غَفُورَاً رَحِيمَاً.

 

أَكْثِرُوا في أَيَّامِنَا من ذِكرِ اللهِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكبِيرِ والتَّحْمِيدِ وَقِرَاءَةِ القُرَآنِ وَكَثْرَةِ الاسْتِغْفَارِ، فَقَدْ قَالَ فِيهَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «فَأكثِرُوا فِيهنَّ من والتَّهليلِ والتَّكبِيرِ والتَّسْبِيحِ».أَحيُوهَا في بُيُوتِكُمْ، وَمِسِاجِدِكُمْ، وَطرُقَاتِكُمْ، وَمَكَانِ عَملِكُمْ!

 

يا مُؤمنونَ: يُسنُّ في أيَّامِنا هَذِهِ الإكثارُ من الصِّيامِ، فقد كَانَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعًا مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ.

 

فَاعْمَلُوا لِعَشرِكُم، بِما تَجِدُوهُ ذُخرَاً لَكُم؛ فَإنَّ مَشَقَّةَ العَملِ الصَّالِحِ تَزُولُ وَيبقى الأَجرُ، ولَذَّةَ الْمَعاصي تَزولُ وَيبقَى الوِزْرُ! فَالَّلهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا وَزكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَولاهَا. الَّلهُمَّ أَعِنَّا عَلى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. وَاجْعَلْنَا ممنْ يَسْتَمِعُ القَولَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ، الَّلهُمَّ سَهّْلْ عَلى الحُجَّاجِ حَجَّهم، وَيَسِّر لهم أُمُورَهم، وَوَفِّقْ وُلاتَنا لِخِدْمَتِهِمْ وَلِما تُحبُّ وتَرْضَى، وَاجْزِهِمْ خَيرًا على خِدْمَةِ الإسْلامِ والْمُسْلِمِينَ، وَانْصُرْ جُنُودَنَا وَاحْفَظُ حُدُودَنَا والْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) .

المشاهدات 658 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا