نعمةُ عِمَارِة القلب بالإيمان، والأوطانِ بالأَمان 27/3/1447

أحمد بن ناصر الطيار
1447/03/25 - 2025/09/17 20:41PM

 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد، فاتقوا الله أيها المسلمون، واعلموا أنّ المؤمن الصادق يفتح الله سبحانه له من أبواب فضله ونعمته، وخزائنِ جودِه ورحمته، بما لا يخطر في البال، ولا يدور في الخيال.

لأنّه كان مع الله بالطاعة والمحبة والتوكل والإيمان، فكان الله معه بالتوفيق والتأييد والنصر، كما قال تعالى: {والله مع الصابرين} {إن تنصروا الله ينصركم} {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.

فمن كان الله معه: كان معه كلُّ خير، ومن لم يكن معه حُرم كلّ الخير.

إخوة الإيمان: إن اللذة والفرح والسرور، وطيب العيش والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه: إنما هو في معرفةِ الله وتوحيدِه والأنسِ به، وانفتاحِ الحقائق الإيمانية والمعارفِ القرآنية، كما قال بعض العارفين: لقد كنتُ في حال أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذه الحال إنهم لفي عيش طيب.

وقال آخر: «إنه ليمر على القلب أوقاتٌ يرقص فيها طربًا».

وليس في الدنيا نعيمٌ يُشبه نعيم الآخرة إلا نعيمُ المعرفة والإيمان، ولهذا كان النبي ﷺ يقول: "أرحنا بالصلاة يا بلال".

قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ والخشوع: هو الخضوعُ لله والسكونُ والطمأنينة إليه بالقلب والجوارح.

وقد كان النبي ﷺ يقول: "وجعلت قرّةُ عيني في الصلاة".

فلا تقرّة العين إلا بالصلاة.

والقلوبُ فيها من وساوسِ النفسِ والشيطانِ بالشهوات والشبهات، ما يُفسد عليها طيب عيشها.

فمن كان محبًّا لغير الله تعالى فهو معذَّب في الدنيا والآخرة، إن نال مراده عُذِّب به، وإن لم ينله فهو في عذابِ الحسرة والحزن عليه.

وليس للقلوب سرورٌ ولذّة تامة إلا في محبة الله تعالى والتقرّب إليه بما يحبّه.

ولا تتمّ محبة الله إلا بالإعراض عن كلّ محبوب سواه.

وهذا حقيقة لا إله إلا الله، وهي ملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.

وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: "قولوا: أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبيّنا محمد، وملة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين".

والحنيف هو المستقيم القلب إلى الله تعالى دون ما سواه.

قال تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}.

قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: استقاموا فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة.

فلم يلتفتوا بقلوبهم إلى ما سواه، لا بالحبّ له، ولا بالخوف منه، ولا بالرجاء له، ولا بالسؤال له، ولا بالتوكل عليه، بل لا يحبون إلا الله، ولا يحبّون إلا له، ولا يرجون إلا إياه، لا لجلب منفعة ولا لدفع مضرة، ولا يخافون غيره كائنا من كان، ولا يسألون غيره، ولا يستشرفون بقلوبهم إلى غيره.

معاشر المسلمين: وإنّ من أعظم أسباب طمأنينة القلب وانشراحِه: وجودَ الأمن، فمن كان في بلدٍ ينْعدم فيه الأمن، فلن يجد للسعادة طريقًا، ولا للأنس سبيلاً.

ويا لها من نعمة عظيمة، أن تكون بين أهلك وأولادك، تعيش في أرض نشأت فيها، ويحوطُها الأمن والأمان، بينما نرى من طُردوا من بلادهم، ونرى من يعيش كلَّ يوم في رُعْب وخوف، جرّاء تسلّط الأعداء، أو انتشارِ الجرائم وكثرةِ المجْرمين.

جاءت امرأة غربية إلى هذا البلد المبارك، فعاشت مع أولادها وزوجها بأمان، وكان أولادها يخرجون من البيت متى شاؤوا، بلا خوف ولا حذر، فلما كبروا حان موعد رجوعهم إلى بلدهم، الذي تكثر فيه الجرائم والسرقات والخطف، فقالت لأولادها: إننا سنرجع إلى بلدنا، والواجب عليكم الحذرُ في النهار، وعدمُ الخروج في الليل، وأغلقوا الباب إذا دخلتم، ولا تفتحوا الباب لكلّ طارق.

فتعجب أولادها من هذه الوصايا، وأحسّوا بالنعمة التي كانوا قد عاشوا فيها، وسيفارقونها عن قريب.

فالحمد لله الذي جعل مسْكَنَنا هذا البلدَ الآمن، ونسأل الله دوام العافية والأمن والإيمان، إنّ ربنا سميع الدعاء.

***********

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: إخوة الإيمان: ‏إنّ اجتماعَ الكلمة ووَحْدةَ الصف، من أعظم مقاصد الشريعة، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾، وقال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا».

‏ والحفاظ على أمن الأوطان مسؤوليةٌ عظيمة، يقوم بها كلّ فرد، من خلال طاعته لله عز وجل ولرسوله ﷺ، ثم طاعةِ أولي الأمر بالمعروف، ولزومِ الجماعة، والالتزامِ بالأنظمة والتعليمات التي وضعتها الدولة، لحفظ الحقوق وصيانة الأرواح والممتلكات، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾.

وهذا البلد المبارك قد حباه الله بمكانة دينية وحضارية، واقتصادية وريادةٍ عالمية، مع ما تقوم به قيادته من خدمةٍ للحرمين الشريفين، وللعالم الإسلامي.

وكلّ فرد مسؤول عن حفظ هذه النعمة، والمشاركةِ في بناءِ الوطنِ والمحافظةِ على مقدّراته.

اللهمَّ إنَّا نعوذُ بك من زوالِ نعمَتِك، وتَحَوُّلِ عافيَتِك، وفُجاءةِ نقمتِك، وجميعِ سَخَطِك، إنك ربنا رؤوف رحيم.

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

1758130840_نعمةُ عِمَارِة القلب بالإيمان، والأوطانِ بالأَمان.pdf

المشاهدات 575 | التعليقات 0