هل سينطفئ النور؟
راكان المغربي
هل سينطفئ النور؟
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ومِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، أما بعد:
الطُّغْيَانُ يَعُمُّ الأَرْجَاءَ، وَالبَطْشُ يَسُودُ الأَجْوَاءَ. الظُّلْمُ يَتَزَايَدُ، وَالقَهْرُ يَتَرَاكَمُ.
تَمُرُّ السَّنَةُ تِلْوَ السَّنَةِ، وَالعَقْدُ تِلْوَ العَقْدِ، وَمَا زَالَ المُؤْمِنُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَاسُونَ أَنْوَاعَ الاضْطِهَادِ، وَأَصْنَافَ الآلامِ مِنَ الطَّاغِيةِ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ.
تَتَسَرَّبُ خُيُوطُ النُّورِ، وَتَتَفَتَّقُ أَضْوَاءُ الفَجْرِ، وَيُبْعَثُ اللَّهُ مُوسَىٰ وَهَارُونَ -عليهما السلام- دَاعِيَيْنِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَإِنْقَاذِ عِبَادِهِ المُسْتَضْعَفِينَ (إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ۖ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ).
الحِسَابَاتُ الفِرْعَوْنِيَّةُ لاَ تُعْتَبَرُ قُوَّةً لِلْحَقِّ، وَلاَ تَحْسِبُ حِسَابًا لِلْإِيمَانِ، لِذَا فَحَلُّ هَذِهِ المُشْكِلَةِ سَهْلٌ وَيَسِيرٌ (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ). وَبِمُجَرَّدِ أَن نَفْعَلَ ذَلِكَ سَيَنطَفِئُ نُورُ الإِيمَانِ، وَتَنْتَهِي قِصَّتُهُ.
لَكِنَّ الحِسَابَاتِ الفِرْعَوْنِيَّةَ تخِيبُ، فَيَنْتَشِرُ النُّورُ حَتَّى يَصِلَ إِلَى أَقْرَبِ المُقَرَّبِينَ إِلَى فِرْعَوْنَ، فَتُؤْمِنُ زَوْجَتُهُ وَابْنُ عَمِّهِ وَمَاشِطَةُ ابْنَتِهِ.
يَا تُرَى هَل سَيُغَيِّرُ الطَّاغِيةُ طَرِيقَةَ الحِسَابِ؟ وَهَل سَيُدْرِكُ قُوَّةَ الحَقِّ وَتَأْثِيرَ الإِيمَانِ؟
لِلْأَسَفِ لا، فَالْحِسَابَاتُ الفِرْعَوْنِيَّةُ لَيْسَ فِي مَدْخَلَاتِهَا، إِلاَّ الحِسَابَاتِ الأَرْضِيَّةِ مِنْ مُلْكٍ وَجُنْدٍ وَمَالٍ. وَلِذَا فَلاَ زَالَ الأَمْرُ فِي نَظَرِهِ يَسِيرًا (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ). فَإِن فَعَلْتُ ذَلِكَ فَعِنْدَهَا سَيَنطَفِئُ النُّورُ، وَيَزُولُ الخَطَرُ.
لَكِنَّ التَّدَخُّلَ الإِلَهِيَّ يَحْفَظُ مُوسَىٰ وَيُفْشِلُ كُلَّ مُحَاوَلَاتِ الاغْتِيَالِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِأَنَّ مُوسَىٰ لَجَأَ إِلَى رَبِّهِ فَحَمَاهُ (وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ).
بَعْدَ ذَلِكَ هَل سَيَنْظُرُ فِرْعَوْنُ بِمَنْظُورٍ مُخْتَلِفٍ، وَيُعِيدُ حِسَابَاتِهِ مِنْ جَدِيدٍ؟
بِالطَّبْعِ لا. يُوحِي اللَّهُ إِلَى مُوسَىٰ (أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) فَإِذَا بِفِرْعَوْنَ كَعَادَتِهِ يَحْسِبُ بِحِسَابَاتِ الدُّنْيَا مُتَجَاهِلًا تَدْبِيرَ السَّمَاءِ (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ).
هَؤُلَاءِ شِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَنَحْنُ قُوَّةٌ عُظْمَى.. هَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ مُتَمَرِّدَةٌ، وَنَحْنُ دَوْلَةٌ مُمتَدَّةٌ.. فَمَنْ يَا تُرَى سَيَكُونُ المُنتَصِرُ؟
هَكَذَا كَانَ يَحْسِبُ الأُمُورَ، وَهَكَذَا كَانَ يَقِيسُ المَوَازِينَ، حَتَّى فُوجِئَ بِالنَّتِيجَةِ الصَّادِمَةِ (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)
أُسْدَلَ الستَارَ، وَعَمَّ نُورُ الإِيمَانِ، وَتَبَدَّدَتْ أَحْلَامُ الطُّغَاةِ.
(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
هَل سَيَتَعَلَّمُ الطُّغَاةُ الدَّرْسَ؟ أَمْ سَيُكَرِّرُونَ مُحَاوَلَاتِ طَمْسِ النُّورِ؟
ذُو نَوَّاسِ الحِمْيَريِّ مَلِكٌ آخَرُ كَانَ يَحْسِبُ بِنَفْسِ الحِسَابَاتِ الطَّاغُوتِيَّةِ الَّتِي اِسْتَعْمَلَهَا فِرْعَوْنُ. فِي مَمْلَكَتِهِ بَدَأَ نُورُ الإِيمَانِ يَتَسَرَّبُ عَنْ طَرِيقِ غُلَامٍ آمَنَ بِالحَقِّ وَدَعَا إِلَيْهِ، فَلَقِيَ الاسْتِجَابَةَ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى آمَنَ جَلِيسُ المَلِكِ.
ذُو نَوَّاسِ هُوَ المَلِكُ، وصَاحِبُ الحُكْمِ، وَمَالِكُ السِّلَاحِ، وَالمُتَحَكِّمُ فِي البِلَادِ، وَعَلَى خُطَى فِرْعَوْنَ كَانَ يَرَى الأَمْرَ يَسِيرًا، فَمَا هُوَ إِلاَّ أَنْ يَقْتُلَ رُؤُوسَ الفِتْنَةِ، وَعَنَاصِرَ التَمَرُّدِ، وَعِنْدَهَا سَتَنْتَهِي المُشْكِلَةُ، وَيُطفأُ النُّورُ، وَتَنْتَهِي قِصَّةُ الإِيمَانِ. يَقْتُلُ الرَّاهِبَ الَّذِي عَلَّمَ الغُلَامَ، ثُمَّ يَقْتُلُ جَلِيسَهُ المُؤْمِنَ، ثُمَّ يَجِيءُ الدَّوْرُ عَلَى الغُلَامِ.
يَجْمَعُ النَّاسَ، وَيَحْشِدُ وَسَائِلَ الإِعْلَامِ، وَيَمْلَأُ السَّاحَةَ بِالجَماهِيرِ، لِيُرِيَهُمْ عَاقِبَةَ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَخَسَارَةَ سَعْيِهِ، وَسُوءَ خَاتِمَتِهِ. هَكَذَا كَانَ يَظُنُّ بِجَهْلِهِ!
يَرْمِي السَّهْمَ فَيَمُوتُ الغُلَامُ، وَلَعَلَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: الآنَ ارْتَحَتْ، وَانْتَهَى كَابُوسُ الإِيمَانِ وَتَحَقَّقَ حُلُمُ السَّيْطَرَةِ التَّامَّةِ.
وَفَجْأَةً! إِذَا بِالأَصْوَاتِ تَتَعَالَى شَيئًا فَشَيْئًا، مَا الَّذِي يَحْدُثُ؟
ضَجَّةٌ كَبِيرَةٌ، وَجُمُوعٌ هَائِلَةٌ، وَشَعْبٌ كَامِلٌ يَنْطِقُ بِنِدَاءِ مُوَحَّدٍ "آمَنَّا بِرَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الغُلَامِ".
جَاءَهُ زِبَانِيَّتُهُ وَقَالُوا لَهُ: "أَجَزَعْتَ أَنْ خَالَفَكَ ثَلَاثَةٌ، فَهَذَا الْعَالَمُ كُلُّهُمْ قَدْ خَالَفُوكَ، قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ؛ قَدْ آمَنَ النَّاسُ".
أُسْدَلَ الستَارَ، وَعَمَّ نُورُ الإِيمَانِ، وَتَبَدَّدَتْ أَحْلَامُ الطُّغَاةِ.
(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)
اِنْتَقَمَ الطَّاغِيةُ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ، فأَحْرَقَهُمْ وَأَبَادَهُمْ، لَكِنَّنَا مَا زِلْنَا بَعْدَ القُرُونِ المتَطَاولةِ نَقْتَبِسُ مِنْ نُورِ هَذِهِ القِصَّةِ مَا يُلْهِبُ إِيمَانَنَا، وَيُقَوِّي عَزَائِمَنَا، وَيُدِيمُ مَسِيرَةَ الإِيمَانِ فِي الأَرْضِ.
يَا تُرَى هَل سَيَتَعَلَّمُ الطُّغَاةُ الدَّرْسَ؟ أَمْ سَيُكَرِّرُونَ مُحَاوَلَاتِ طَمْسِ النُّورِ؟
أَبُو جَهْلٍ طَاغِيةٌ آخَرُ، حَارَبَ الدَّعْوَةَ المُحَمَّدِيَّةَ، وَسَخَّرَ عُمُرَهُ فِي مُحَاوَلاتٍ مُتَكَرِّرَةٍ لِإِطْفَاءِ النُّورِ الإِلَهِيِّ.
يُهاجِرُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَصْحَابِهِ إِلَى المَدِينَةِ، فَلاَ يَرَى فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ إِلاَّ عِصَابَةً خَارِجَةً عَنِ القَانُونِ، تُرِيدُ خَلْخَلَةَ الاسْتِقْرَارِ فِي الجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، وَلِذَا فَلاَ بُدَّ مِنْ إِفْنَائِهَا مِنَ الوُجُودِ، وَبِذَلِكَ يَعُودُ إِلَى الجَزِيرَةِ الوِئَامُ، وَيَتَحَقَّقُ حُلْمُ السَّلامِ.
يَخْرُجُ أَبُو جَهْلٍ وَجُنُودُهُ مُحَاوِلِينَ إِنْقَاذَ قَافِلَةِ قُرَيْشٍ الَّتِي كَادَتْ أَنْ تَقَعَ فِي قَبْضَةِ دَوْلَةِ المَدِينَةِ، وَمِنْ حُسْنِ الحَظِّ نَجَحَتِ القَافِلَةُ فِي الإِفْلَاتِ وَالنَّجَاةِ، فَانْتَهَى التَّهْدِيدُ.
يُنْصَحُ أَبُو جَهْلٍ بِالرُّجُوعِ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ فَائِدَةٌ، وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: "وَاللَّهِ لَا نَرْجِعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا، فَنُقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا، فَنَنْحَرَ الجَزُورَ، وَنُطْعِمَ الطَّعَامَ، وَنَسْقِيَ الخَمْرَ، وَتَعْزِفَ عَلَيْنَا القِيَانُ، حَتَّى تَسْمَعَ بِنَا العَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا".
نَفْسُ المَبْدَأِ: حِسَابَاتٌ أَرْضِيَّةٌ، وَمُعَادَلَاتٌ طَاغُوتِيَّةٌ.
وَمَا دَامَ هُوَ نَفْسَ المَبْدَأِ، فَسَتَكُونُ النَّتِيجَةُ هِيَ النَّتِيجَةُ.
تَنْدَلِعُ مَعْرَكَةُ بَدْرٍ، وَيُقْتَلُ أَبُو جَهْلٍ مِنْ أَصْغَرِ القَوْمِ شَابَّيْنِ صَغِيرَينِ، رُبَّمَا لَوْ كَانَا مَعَنَا اليَوْمَ لَكَانَا فِي المَرْحَلَةِ المُتَوَسِّطَةِ أَوِ الثَّانَوِيَّةِ، ثُمَّ يُجْهِزُ عَلَيْهِ الإِجْهَازَ الأخِيرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- الَّذِي يَحْكِي لَحَظَاتِ أَبِي جَهْلٍ الأَخِيرَةَ، قَالَ: "وَجَدْتُهُ بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: هَلْ أَخْزَاكَ اللَّهُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: وَبِمَاذَا أَخْزَانِي! أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ، أَخْبِرْنِي لِمَنِْ الدَّائِرَةُ اليَوْمَ؟ قُلْتُ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ثُمَّ احْتَزَزْتُ رَأْسَهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَأْسُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَهْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ؟" قُلْتُ: نَعَمْ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، فَحَمِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهَ تَعَالَى".
أُسْدَلَ الستَارَ، وَعَمَّ نُورُ الإِيمَانِ، وَتَبَدَّدَتْ أَحْلَامُ الطُّغَاةِ.
(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ، أَمَّا بَعْدُ:
تَخَيَّلْ لَوْ أَنَّكَ خَرَجْتَ مِنَ المَسْجِدِ بَعْدَ انتِهَاءِ الصَّلَاةِ، وَوَجَدْتَ رَجُلًا يَنْفُخُ بِفَمِهِ تُجَاهَ الشَّمْسِ مُحَاوِلًا إِطْفَاءَ نُورِهَا، أَيّ دَرَجَةٍ مِنَ الجُنُونِ وَالحَمَاقَةِ سَتَصِفُهَا بِهِ؟
الأَشَدُّ جُنُونًا هُوَ ذَاكَ الَّذِي يُرِيدُ إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ، فَيَظُنُّ بِحَمَاقَتِهِ أَنَّهُ يَسْتَطِيعُ اِجْتِثَاثَ الإِسْلَامِ، أَوْ اسْتِئْصَالَ شَرَائِعِهِ.
طِوَالَ أَرْبَعَةَ عَشَرَةَ قَرْنًا مِنَ الزَّمَانِ: كَم مَكَرَ المَاكِرُونَ، وَكَادَ الكَائِدُونَ؟ كَم أُقِيمَتِ الدِّرَاسَاتُ، وَحِيِكَتِ المُؤَامَرَاتُ؟ كَم تَكَالَبَ الأَعْدَاءُ، وَسَالَتِ الدِّمَاءُ؟
مَا هِيَ النَّتِيجَةُ؟
الإِسْلَامُ بَاقٍ، وَمَنَارُهُ عَالٍ، وَخَيْرُهُ جَارٍ، كَالسَّيْلِ المُدْرَارِ لاَ يَقِفُ فِي وَجْهِهِ شَيْءٌ. فَهَل سَيَنْطَفِئُ النُّورُ؟
لاَ وَاللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ، لاَ وَاللَّهِ.
وكَمَا هِيَ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ، سَيُسْدَلُ الستَارُ، وَسَيَعُمُّ نُورُ الإِيمَانِ، وَسَتَتَبَدَّدُ أَحْلَامُ الطُّغَاةِ.
فَهَل يَعِي ذَلِكَ المُسْتَعْمِرُونَ وَالمُحْتَلُّونَ وَالمُجْرِمُونَ؟ (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ
اصْبِرُوا عَلَى الحَقِّ وَصَابِرُوا، وَالزَمُوا طَرِيقَ العِزِّ وَلَا تَتَزَعْزَعُوا، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، مُعَزٌّ أَوْلِيَاءَهُ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا. وَالنَّصْرُ قَدْ نَرَاهُ نَحْنُ بِأَعْيُنِنَا، وَقَدْ يُؤَخِّرُهُ اللَّهُ لِأَبْنَائِنَا. وَلَكِنَّ المُهِمَّ أَنْ نَذْهَبَ إِلَى اللَّهِ وَنَحْنُ عَلَى طَرِيقِ نَصْرَةِ الدِّينِ، غَيْرَ مُبَدِّلِينَ وَلاَ مُغَيِّرِينَ (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يَزَالَ أَمْرُ هذِهِ الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).
وَقَالَ: (لاَ تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)
وَقَالَ: (لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ)
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْهُمْ وَفِيهِمْ، اللَّهُمَّ سَخِّرْنَا لِنُصْرَةِ دِينِكَ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِكَ، وَنَجْدَةِ عِبَادِكَ.
اللَّهُمَّ نَجِّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ مُؤَيِّدًا وَنَصِيرًا، وَظَهِيرًا وَمُعِينًا.
رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْهِمْ صَبْرًا، وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ، وَانْصُرْهُمْ عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ.
اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، مُجْرِيَ السَّحَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، هَازِمَ الأَحْزَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمْ أَحْزَابَ الكُفْرِ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ.
المرفقات
1759384913_هل سينطفئ النور؟.docx
1759384913_هل سينطفئ النور؟.pdf
منصور بن هادي
عضو نشطجزاك الله خير الجزاء
نفع الله بك وفتح عليك
تعديل التعليق