وصف رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم

الحمدُ للهِ الذي أكمَلَ لنا الدِّين، وأتمَّ علينا نِعَمَهُ في كلِّ حين، وجعلَنا من أُمَّةِ سيِّدِ المرسَلين، وخاتَمِ النبيِّين.

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُه، صلواتُ ربّي وسلامُه عليه، وعلى آلهِ الطاهرين، وصحبِه الغُرِّ الميامين، ومَن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

أما بعد، عباد الله:

فأوصيكم بتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فهي وصيّةُ اللهِ للأوّلينَ والآخِرين، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾.

وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أَنَّ مِنْ أَوْجَبِ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْرِفَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، تِلْكَ الْمَعْرِفَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي هِيَ أَحَدُ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ، الَّتِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَعَلَّمَهَا، وَيَعْمَلَ بِهَا، وسيُمتَحَنَ عَنْهَا فِي قَبْرِهِ.

وَمِنْ تَمَامِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ: أَنْ نَطَّلِعَ عَلَى صِفَاتِهِ ﷺ الْخَلْقِيَّةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ صُورَتِهِ، لِيَزْدَادَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ مَحَبَّةً لَهُ، وَاقْتِدَاءً بِهُدَيهِ، وَتَمَسُّكًا بِسُنَّتِهِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ.. وَلَئِنْ فَاتَ مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مُشَاهَدَةُ النَّبِيِّ وَرُؤْيَتُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فَقَدْ وَصَفَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- هيئتَه وَصُورَتَهُ كَأَنَّا نَرَاهُ رَأْيَ الْعَيْنِ ﷺ.

لَقَدِ اصْطَفَى اللهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا ﷺ مِنْ أَشْرَفِ الْأَنْسَابِ وَأَكْرَمِهَا، فَكَانَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ نَفْسًا، وَأَعْلَاهُمْ قَدْرًا، وَأَشْرَفَهُمْ نَسَبًا.

يَقُولُ ﷺ عَنْ نَفْسِهِ: "إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ" رواه مسلم.

وَيَقُولُ ﷺ: "أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ". رواه مسلم.

صلواتُ ربي وسلامُه عليك يا رسولَ الله..

لَقَدْ كَانَ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ خَلْقًا وَخُلُقًا، وجَمَالًا وَصُورَةً، وَهَيْبَةً وَسَكِينَةً.

مَنْ رَآهُ ﷺ هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ أَحَبَّهُ، يَقُولُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنِي مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنِي مِنْهُ.

فَلَمْ نَرَ وَجْهَهُ الطَّاهِرَ، وَلَمْ نُسْعَدْ بِالْأُنْسِ بِالْعَيْشِ مَعَهُ، وَلَكِنْ هَذَا وَصْفُ مَحَاسِنِهِ وَجَمَالِهِ.

كَانَ ﷺ وَسِيمًا قَسِيمًا، ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ وَالْجَمَالِ، أَجْمَلَ النَّاسِ وَأَبْهَاهُمْ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْلَاهُمْ وَأَحْسَنَهُمْ مِنْ قَرِيبٍ.

كَانَ ﷺ مُزْهَرًا مُشْرِقًا، أَبْيَضَ مَلِيحَ الْوَجْهِ، لَمْ يَكُنْ بَيَاضُهُ كَبَيَاضِ الثَّلْجِ، بَلْ كَانَ مُمتَزِجًا بِحُمْرَةٍ تَزِيدُهُ نَضَارَةً وَحُسْنًا.

رَآهُ الصَّحَابَةُ رَافِعًا يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ، فَرَأَوْا بَيَاضَ إِبْطَيْهِ.

مَنْ سَعِدَ بِلِقْيَاهُ قَالَ: الشَّمْسُ طَالِعَةٌ.

وَوَصَفَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِقَوْلِهِ: كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ.

وَرَأَتْهُ امْرَأَةٌ فِي الْحَجِّ فَقَالَتْ: كَانَ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ.

وَرَأَى مُحَرِّشٌ الْكَعْبِيُّ ظَهْرَ الْمُصْطَفَى ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ، فَقَالَ: كَأَنَّهُ سَبِيكَةُ فِضَّةٍ.

وَرَآهُ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، فَقَالَ: جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى الْقَمَرِ، فَلَهُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ.

صلواتُ ربي وسلامُه عليك يا رسولَ الله..

وَأَمَّا مَلَامِحُ وَجْهِهِ وَتَقَاسِيمُهُ:

فَكَانَ ﷺ وَجْهُهُ مُسْتَدِيرًا مُشْرِقًا كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، بَادِيَ الْجَمَالِ، حَسَنَ الْعُنُقِ، كَأَنَّهُ إِبْرِيقُ فِضَّةٍ، وَاسِعَ الْجَبِينِ، سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، غَيْرَ مُرْتَفِعِ الْوَجْنَتَيْنِ.

وَكَانَ حَاجِبَاهُ مُتَقَوِّسَيْنِ، غَيْرَ مُتَّصِلَيْنِ، دَقِيقَا شَعْرِهِمَا، وَبَيْنَهُمَا عِرْقٌ يَعْلُوهُ الدَّمُ عِنْدَ الْغَضَبِ.

أَمَّا عَيْنَاهُ ﷺ فَكَانَتَا مِنْ أَجْمَلِ الْعُيُونِ وَأَحْسَنِهَا، وَاسِعَتَيْنِ، شَدِيدَ سَوَادِ الْحَدَقَةِ، مَعَ حُمْرَةٍ فِي بَيَاضِهِمَا، طَوِيلَتَا الْأَهْدَابِ وَالرُّمُوشِ.

وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِ قُلْتَ: أَكْحَلُ الْعَيْنَيْنِ، وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ، بَلْ ذَاكَ كَمَالُ خِلْقَةٍ.

وَأَمَّا أَنْفُهُ الشَّرِيفُ فَكَانَ مُسْتَقِيمًا، قَصَبَتُهُ مُرْتَفِعَةً، مَعَ ارْتِفَاعٍ فِي وَسَطِهِ، وَدِقَّةِ أَرْنَبَتِهِ، فِيهِ نُورٌ وَبَهَاءٌ.

وَكَانَ فَمُهُ ﷺ حَسَنًا، وَاسِعًا ضَلِيعًا، وَفِي اتِّسَاعِ الْفَمِ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَامَةٌ عَلَى الْفَصَاحَةِ وَتَمَامِ الْبَيَانِ، فَكَانَ كَلَامُهُ ﷺ أَبْلَغَ الْكَلَامِ وَأَحْسَنَهُ.

وَكَانَتْ أَسْنَانُهُ مُفَلَّجَةً مُتَفَرِّقَةً، صَافِيَةً جَمِيلَةً، إِلَّا أَنَّ رَبَاعِيَتَهُ كُسِرَتْ يَوْمَ أُحُدٍ، بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي ﷺ.

وَأَمَّا شَعْرُهُ فَكَانَ وَسَطًا بَيْنَ الْجَعُودَةِ وَالِاسْتِرْسَالِ، كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ، يَبْلُغُ وَسَطَ أُذُنَيْهِ، وَرُبَّمَا نَزَلَ إِلَى عَاتِقِهِ، حَتَّى يَضْرِبَ قَرِيبًا مِنْ مَنْكِبَيْهِ.

وَكَانَتْ لِحْيَتُهُ كَثَّةً حَسَنَةً، مَنَابِتُهَا كَثِيرَةً، شَدِيدَةَ السَّوَادِ، فِيهَا نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ شَيْبَةً بَيْضَاءَ، وَقَدْ قَالَ ﷺ: "شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا".

وَكَانَ عَلَى صَدْرِهِ ﷺ شَعْرٌ دَقِيقٌ مُمتَدٌّ إِلَى سُرَّتِهِ، كَخَيْطٍ رَفِيعٍ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ صَدْرِهِ وَبَطْنِهِ فَلَا شَعْرَ فِيهِ.

كَانَ ﷺ مُتَوَسِّطَ الطُّولِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ، مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ، لَيْسَ بِالنَّحِيلِ وَلَا بِالسَّمِينِ، ضَخْمَ الرَّأْسِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، عَرِيضَ الصَّدْرِ، سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، ضَخْمَ الْمَفَاصِلِ، رَحْبَ رَاحَةِ الْيَدَيْنِ، قَلِيلَ لَحْمِ الْعَقِبِ، أَصَابِعُ كَفَّيْهِ وَقَدَمَيْهِ تَمِيلُ إِلَى الْغِلَظَةِ.

وَكَانَ ﷺ وَاسِعَ الظَّهْرِ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، حَوْلَهُ شَعَرَاتٌ مُجْتَمِعَاتٌ.

صلواتُ ربي وسلامُه عليك يا رسولَ الله..

كَانَ ﷺ مُعْتَدِلًا فِي مَشْيَتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَاوِتًا، وَلَا مُهَرْوِلًا، وَلَكِنْ يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا، يُسْرِعُ فِيهِ إِسْرَاعًا لَا يَذْهَبُ بِوَقَارِهِ، وَإِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَكَأَنَّمَا الْأَرْضُ تُطْوَى لَهُ.

وَإِذَا صَافَحَ أَحَدًا وَجَدَ فِي يَدِهِ بَرْدًا وَلِينًا، لَمْ يَجِدْهُ فِي حَرِيرٍ وَلَا دِيبَاجٍ، وَإِذَا مَرَّ بِهِ وَجَدَ أَطْيَبَ رَائِحَةٍ.

مَسَحَ النَّبِيُّ ﷺ خَدَّ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَقَالَ جَابِرٌ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا، أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ" صَحِيحُ مُسْلِمٍ، وَجُؤْنَةُ الْعَطَّارِ: السَّلَّةُ الَّتِي يَضَعُ فِيهَا الْعُطُورَ.

وَصَفَهُ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: مَا مَسَسْتُ دِيبَاجًا وَلَا حَرِيرًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَا شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ. متفق عليه

كَانَ عَرَقُهُ فِي وَجْهِهِ كَاللُّؤْلُؤِ، وَكَانَتْ رَائِحَةُ عَرَقِهِ أَطْيَبَ مِنَ الْمِسْكِ.

صلواتُ ربي وسلامُه عليك يا رسولَ الله..

أَمَّا صَوْتُهُ فَكَانَ ﷺ فِيهِ بُحَّةٌ يَسِيرَةٌ، وَهَذِهِ الْبُحَّةُ وَالْخُشُونَةُ الْيَسِيرَةُ زَادَتْهُ جَمَالًا وَهَيْبَةً وَوَقَارًا، فَكَانَ إِذَا تَكَلَّمَ أَخَذَ بِمَجَامِعِ الْقُلُوبِ.

إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ عَلَاهُ الْبَهَاءُ، وَبَدَا النُّورُ بَيْنَ ثَنَايَاهُ.

وَكَانَ ﷺ طَوِيلَ السُّكُوتِ، لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ، وَإِذَا تَكَلَّمَ أَسْمَعَ، وَكَانَ كَلَامُهُ حُلْوَ الْمِنْطِقِ، يَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، كَلَامُهُ فَصْلًا لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَنْحَدِرْنَ.

وَكَانَ ﷺ لَا يَضْحَكُ إِلَّا تَبَسُّمًا، وَكَانَ يَتَبَسَّمُ عَنْ مِثْلِ الْبَرَدِ الْمُنْحَدِرِ مِنَ الْغَمَامِ، وَيَضْحَكُ عَنْ مِثْلِ سَنَاءِ الْبَرْقِ إِذَا تَلَأْلَأَ.

صلواتُ ربي وسلامُه عليك يا رسولَ الله..

يَقُولُ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ. رواه الترمذي وابن ماجه

وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني
وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ
خُلِقتَ مُبَرَّءً مِن كُلِّ عَيبٍ  
كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ
 

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِيَ إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ: عِبَادَ اللهِ

يَجِبُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُحِبَّ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ أَكْثَرَ مِنْ حُبِّهِ لِنَفْسِهِ، وَأَنْ يَنْصُرَ دِينَـهُ أَعْظَمَ مِنْ نُصْرَتِهِ لِنَفْسِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾، فَلَا يَتِمُّ الْإِيمَانُ وَلَا يَكْمُلُ حَتَّى يَكُونَ الرَّسُولُ ﷺ أَحَبَّ إِلَى الْمُؤْمِنِ مِنْ نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَوَّلُهَا: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا.." متفق عليه

المحبَّةُ الصادقةُ لرسولِ الله ﷺ تُثمِرُ تقديمَ أوامِرِه ونواهيه على كلِّ أمرٍ ونهي، ومحبَّةَ كلامِه ﷺ، والتعرّفَ على هَدْيِه في شؤون الحياة كلِّها، والتمسُّكَ بسُنَّتِه في جميعِ الحرَكاتِ والسَكَناتِ.

يَقُولُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَصِفُ مَحَبَّةَ الصَّحَابَةِ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ؛ وَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، وَاللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَك بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وُضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ. رواه البخاري

أَمَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَسَيَفُوزُ الْمُحِبُّونَ لِنَبِيِّهِمْ ﷺ بِرُفْقَتِهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ، جَاءَ رَجُلٌ فَسَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ، فَقَالَ: "فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ".

فَمَا فَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: "إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْت".

قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ. متفق عليه

قِيلَ لِلْقَعْقَاعِ الْأَوْسِيِّ: قُلْ لَنَا شَيْئًا عَنِ الْجَنَّةِ يُشَوِّقُنَا إِلَيْهَا. قَالَ: فِيهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ.

وَنَحْنُ نَتَسَلَّى وَنَسْتَأْنِسُ بِحَدِيثِ حَبِيبِنَا ﷺ حِينَ قَالَ: "مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ". رواه مسلم

بَلَغَ الْعُلَى بِكَمَالِهِ      
***    كَشَفَ الدُّجَى بِجَمَالِهِ
حَسُنَتْ جَمِيعُ خِصَالِهِ  
***    صَلُّوا عَلَيْهِ وآلِهِ
 

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ.

إنَّ ربَّكم جلَّ وعلا قد أمرَكم بالصلاة على نبيِّه فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

 

 

المرفقات

1758120697_وصف النبي ﷺ - للجوال.pdf

المشاهدات 119 | التعليقات 0