وظيفةٌ بامتيازات خاصّة. 23/ 1/ 1447

أحمد بن ناصر الطيار
1447/01/22 - 2025/07/17 18:21PM

 

الحمد لله العلي الأعلى، ‌الذي ‌على ‌العرش ‌استوى، له ملك السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالمُ السِّرّ والنجوى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى كلمة التقوى، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أئمة العلم والهدى.

أما بعد، فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حقّ التقوى، واعبدوه عبادة من يؤمن بأنه يسمع ويرى.

أخي المسلم: لو أنّ شركة كبيرة طلبت منك أن تعمل عندها عملا مناسبًا لك، مع شدّة حاجتك، بمرتب مادّي كبير جدًّا, مع توفِير السّكن والسيارة لك, وتُعطيك تذكرةَ سَفَرٍ على حسابها كلّ سنة مرتين إلى أيّ جهةٍ أردت, وشرْطُها الوحيد: أنْ تقوم بعملك وتَتَحمّل أخلاقَ الناس الذين يعملون معك، والذين يرتادون الشركة ويعاملونها, وجعَلت لك زيادةً على ذلك مكافأة مستقلة، لكلّ تعاملٍ حسن مع من يُسيء إليك, ولكلّ جهدٍ تبذله.

فلا شك أنك ستقبل هذا العمل وتَعُدُّه فرصةً لا تفوت, وسوف تتحمل أخلاق الناس مهما ساءت، وتُعاملهم بصدر رحب، ولن تجد في نفسك الألم من سوء أخلاقهم, ولن تتضايق من الأعمال التي تُطلب منك؛ لاستحضارك المكافآت المترتبة على أعمالك، وحسن تعاملاتك مع كل من له علاقة بالشركة, بل قد تفرح في كل مرة يُساء إليك, وفي كلّ عملٍ تُكلَّف به؛ لأنّك تستحضر المكافأةٌ الكبيرة.

ومعك في نفس الشركة زملاء موظفون يعملون مثل عملك, ويأخذون مثل مرتبك ومكافأتك, أفلا تحبّ أن تكون أكثرَ منهم قياماً بأعمال الشركة، وأكثر منهم مواجهةً لسوء تعامل ورداءة أخلاق من يرتادون الشركة؟

لاشكّ أنك تحبّ ذلك, لأن ذلك سيجعلك تكسب مالًا أكثر, ولن تخسر شيئًا من جراء ذلك , فما عليك إلا التعامل مع المسيء بكلام ليّن, مصحوبًا بابتسامة يسيرة , والسعي في قضاء حاجته وكسب رضاه عن الشركة.

وهب أنّ مدير الشركة أحبّك, وعلمتَ بحبّه لك, فاتفق مع أناس يقصدون إساءتك وسوء التعامل معك في الشركة, وأنت تعلم أنه هو الذي أتى بهم لمصلحتك؛ لزيادة كسبك من المال , فهل ستغضب منه أو سيزداد حبك له؟

لاشك أن ذلك سيزيد من حبّك له وتلمّس رضاه؛ لأنك تعلم أنّ الدافعَ له محبتُك ومحبةُ الخير لك.

ولله المثل الأعلى، فإنّ الله تبارك وتعالى لحكمته وسابق علمه، قد جعل هذه الحياة الدنيا موطنًا للابتلاء والامتحان, وقدّر أن يخص أولياءه بمزيدِ ابتلاء, فـالمنازل العالية لا تنال إلا بالصبر على البلاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم  لما سُئل: أي الناس أشد بلاء؟ فقال: "الأنبياء ثم الصالحون ‌ثم ‌الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة".[1]

وأنت تعلم أن الله تعالى بحكمته هو الذي سلّط من شاء على من شاء, فحينما يتسلط عليك من يؤذيك، ويتكلّم عليك بما لا يسرك ، مع ما قد يصيبك من المحن والابتلاءات الأخرى، فاعلم أن الله تعالى قد اختارك واصطفاك من بين كثير من الناس, فإذا كنت موقنًا بعِظَم أجر دفعِ السيّئة بالحسنة, وأجرِ مَن كظَم الغيظ لله, والعفوِ والإحسان للمسيء، والصبرِ على الابتلاءات، فاعلم أنك ذو حظ عظيم؛ لأنك وُفّقت لليقين بأنّ الله يحبّ من يفعل ذلك, فأحببت الله، وأحببت ما يقدّره عليك, وعلمت علم اليقين أنه سبحانه وتعالى لا يختار لك إلا الأصلح والأنفع، فترقيت إلى رتبة الرضا بما يقدّره لك, وشَكَرْتَه على ذلك, وأحسنت إلى من أساء إليك, فلم تعف عنه فحسب, بل أحسنت إليه, وكأنك تقول بلسانك حالك: أشكرك يا ربي على أنك أعنتني على الصبر والرضا، حين اخترتني من بين خلقك، فتابَعْت عليّ الابتلاءات, وسلّطت عليّ بعض الناس, فلولا حبّك لي لَمَا ابتليتني بما وعدتني عليه بعظيم الأجر، إن صبرتُ ورضيت.

وإذا أيقنت أنّ كلّ عمل صالح فلك فيه أجر، فإنك ستزداد سعيًا في تحصيلِه، واجتهادًا في القيام به.

نسأل الله تعالى أن يفتح لنا من خزائن رحمته, ويُعطينا من واسع فضله, إنه على كل شيء قدير.

***

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

 أخي المسلم: ألا تعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا ‌رفعك ‌الله ‌بها درجة، وحط عنك بها خطيئة؟

ألا تعلم أن كل ‌تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما العبد من الضحى؟

ألا تعلم أنّ ركعتي راتبة الفجر ‌خير ‌من ‌الدنيا وما فيها؟

ألا تعلم أنّك لا تخطو ‌خطوةً للصلاة ‌إلا رُفع لك بها درجة، وحُطّ عنك بها خطيئة، حتى تدخل المسجد؟

ألا تعلم أنّك إذا قرأت حرفًا من كتاب الله فلك بِهِ حسنةٌ، والحسنة بعشر أمثالها؟

ألا تعلم أنّ أجر صبرك على الابتلاء أجر كثير بغير حساب محدد؟

ألا تعلم أنّ أجر النفقة في سبيل الله يُضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف؟ وليس هذا خاصًّا بالنفقة، بل هذه المضاعفةُ العظيمة لكلّ عمل صالح عملتَه بإخلاص وصواب ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "‌إِذَا ‌أَحْسَنَ ‌أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلى سبعمائة ضِعْفٍ". [رواه البخاري (42) ومسلم (129)]

فما أعظم عطاءَ الإله الوهاب، وقد أنزل سبحانه في آيِ الكتاب: {وسوف يؤت الله ‌المؤمنين ‌أجرا ‌عظيما}.

فاستبقوا الخيرات أيها المؤمنون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

اللهم إنا نسألك من فضلك، ونستغفرك من تقصيرنا في حقّك، ربنا إنك رؤوفٌ رحيم.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

1752765663_وظيفة بامتيازات خاصة.pdf

المشاهدات 540 | التعليقات 0