وقفات مع الركن الأول من أركان الإسلام

زكي اليوبي
1447/05/14 - 2025/11/05 18:59PM

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾[آل عمران:١٠٢]، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦوَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا﴾[النساء: ١]، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا * يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا﴾[الأحزاب: ٧٠-٧١]، أما بعد:  فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.  أيها المسلمون: إن الله عز وجل بعث نبينا محمدً صلى الله عليه وسلم إلى الناس عامةً، عربهم وعجمهم، جنَّهم وإنسهم، يدعوهم إلى توحيد الله، والإخلاص له، والإيمان به عليه الصلاة والسلام وبما جاء به، وإلى الإيمان بجميع المرسلين، وبجميع الملائكة، والكتب المنزلة من السماء، وباليوم الآخر وهو البعث والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار، وبالقدر خيره وشره، وإن الله سبحانه وتعالى قدَّر الأشياء وعَلِمها وأحصاها وكَتَبَها، وكل شيء يقع هو بقضاء الله وقدره، ومشيئته النافذة سبحانه وتعالى، وأمر الناس أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، هذا هو أول شيء دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الركن الأول من أركان الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله،  ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت).  عباد الله: إن الأصل العظيم الأول الذي جاءت به الرسل هو: الإيمان بأن الله هو الإله الحق سبحانه وتعالى، وهـذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، أي: لا معبود حق إلا الله، كما قال تعالى: {وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، فكلمة لا إله إلا الله نفي وإثبات، نفي للعبادة بحق عن غير الله، وإثبات العبادة لله وحده، كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦٓ إِنَّنِي بَرَآءٞ مِّمَّا تَعۡبُدُونَ * إِلَّا ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُۥ سَيَهۡدِينِ} [الزخرف: 26-27]، فالعبادة حق لله وحده سبحانه وتعالى، فعلى المؤمن أن ينكر عبادة غير الله ويتبرأ منها ويجحدها ويبين أنها باطلة ويؤمن بالله، أي: يؤمن بأن الله هو المعبود الحق، وأنه هو المستحق للعبادة، وأنه رب العالمين، وأنه الخلاق العليم رب كل شيء ومليكه، العالم بكل شيء، والقاهر فوق عباده، وهو فوق العرش فوق السموات سبحانه وتعالى، فهو "الشهيد" المطلع على كل شيء ولا يخفى عليه شيء، وهو "الرقيب" الرقيب للمبصَرات ببصره الذي لا يغيب عنه شيء، ورقيب للمسموعات بسمعه الذي وسع كل شيء، ورقيب على جميع المخلوقات، وهو المستحق العبادة جل وعلا، فلا يتم الإيمان ولا يصح إلا بالبراءة من عبادة غير الله وإنكارها واعتقاد بطلانها، والإيمان بأن الله هو المستحق للعبادة سبحانه وتعالى،  وهـذا هو معنى قوله سبحانه: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} [الحج: 62]، فعلى المؤمن أن يقول كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، مع العلم بمعناها، واليقين، وعدم الشك بصحتها، والإخلاص لله في ذلك وحده، والصدق بقلبه ولسانه، والمحبة لما دلت عليه من الإخلاص لله، وقبول ذلك، والانقياد له، ونبذ الشرك به، مع البراءة من عبادة غيره، واعتقاد بطلانها.  أيها المسلمون: إن هذه الشهادة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليست مجرد كلمات تقال باللسان، بل كلمات لها معنى لا بد من تحقيقه بأن يقولها ويعمل بمقتضاها، فإذا قال لا إله إلا الله، وهو يعبد غير الله، فإنه ما حقق هذه الكلمة، ولو قالها آلاف المرات، فقد قالها المنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أُبي بن سلول، وهم مع ذلك في الدرك الأسفل من النار، لأنهم قالوها بألسنتهم، وكفروا بها بقلوبهم، ولم يعتقدوها ولم يعملوا بما دلت

عليه، فلا ينفعهم قولها بمجرد اللسان، وهكذا من قال لا إله إلا الله وهو يعبد الرسول عليه الصلاة والسلام، أو يعبد الحسين، أو يعبد ابن عباس رضي الله عنهما،  أو غيرهم يدعوهم ويستغيث بهم، وينذر لهم، ويطلب منهم المدد والعون، لم تنفعه هذه الكلمة، وهي لا إله إلا الله، وصار بذلك كافراً ضالاً، وناقضاً لهذه الكلمة، مبطلاً لها.  وكذلك الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو لأصحاب القبور، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) [الأنعام]، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لعن الله من ذبح لغير الله) رواه مسلم.  وكذلك من نواقض الإسلام كفر الجحود أن يجحد ما يجب الإيمان به مثل أن يجحد والعياذ بالله وجود الله، أو الملائكة، أو الرسل، أو الكتب، أو اليوم الآخر، أو القدر خيره وشره، فقد أتى ناقضٌ من نواقض الإسلام.  كذلك لو جحد وجوب الصلاة أو وجوب الزكاة أو وجوب الصيام، أو وجوب الحج، أو أنكر تحريم الزنا، أو تحريم الخمر، أو ما أشبه ذلك من المحرمات الظاهرة المجمع عليها، فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، كذلك لو استهزأ بالله أو آياته أو رسوله فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام قال الله تعالى: {وَلَئِن سَأَلۡتَهُمۡ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ * لَا تَعۡتَذِرُواْ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡۚ} [التوبة: 65-66]، كذلك لو ترك الصلاة وصار لا يصلي لا في بيته ولا مع الجماعة فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، كذلك لو اعتقد في قلبه ما لا يليق بالله عز وجل، اعتقد في الله ما لا يليق بالله فهو مرتد.  عموماً نواقض الإسلام هي: كل ما كان ردة فهو ناقضٌ من نواقض الإسلام سواءٌ كان ذلك في العقيدة أو في القول أو الفعل والتي يكون صاحبها كافراً مرتداً عن الإسلام إذا مات قبل التوبة. ولكن ينبغي التنبه إلى أنه يجب التفريق بين إطلاق العلماء القول بتكفير من يقول كذا ويفعل كذا وبين تكفير شخص معين، فلا ينسب إلى شخص معين كفر، إلا إذا عُلم أنه قد قامت عليه الحجة، التي من خالفها كان كافراً.

وفقني الله وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، وجعلَنا من المتّقين الذين يستمِعون القول فيتّبعون أحسنه، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ، وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى وراقبوه في السر والعلانية: قال الله تعالى: {وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} [البقرة: 281]. 

عباد الله:  إن معنى شهادة (أن محمداً رسول الله) هو الإقرار باللسان والإيمان بالقلب بأن نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام، رسول الله-عز وجل- إلى جميع الخلق من الجن والإنس، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ولا عبادة لله تعالى إلا عن طريق الوحي الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]، ومقتضى هذه الشهادة أن تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، وأن تمتثل أمره فيما أمر، وأن تجتنب ما نهى عنه وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع، ومقتضى هذه الشهادة أيضاً أن لا تعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حقاً في الربوبية وتصريف الكون، أو حقاً في العبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبد لا يُعبد ورسول لا يُكذَّب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً من النفع أو الضر إلا ما شاء الله.  اللهم أرانا الحق حقاً ورزقنا اتباعه، وأرانا الباطل باطلاً ورزقنا اجتنابه، ثم صلوا وسلموا على من أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه فقال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا}، اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً،  اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين، اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، اللهم إنا نسألك من خير ما سالك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذ منك عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما. اللهم اصلح جميع ولاة أمور المسلمين، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين وهيأ له البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهم تول أمر إخواننا في فلسطلين، اللهم كن لهم عوناً ونصيراً، اللهم دمر أعداء الدين أجمعين، اللهم كل من أراد بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين بسوء ، فرد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا اَلَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ، وَلَا تَجْعَل فِي قُلُوبِنَا غَلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم، اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَا ذَا اَلْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

المشاهدات 73 | التعليقات 0