وَقَفَاتٌ مَعَ حَدِيثِ: ( مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ... )
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
اتَّقُوا اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - وَاعْلَمُوا أَنَّهُ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا.
عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر 7]
وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللهِ: السَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ، وَكَمَالُ التَّسْلِيمِ، وَتَمَامُ الاِنْقِيَادِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّـمَ؛ هِيَ وَاجِبُ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ سَبِيلُ فَوزِهِمْ وَفَلَاحِهِمْ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [النور 51- 52]
وَقَالَ تَعَالَى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة 285]
هَكَذَا كَانَ خَيرُ الخَلْقِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّـمَ، وَهَكَذَا كَانَ المُؤْمِنُونَ مَعَهُ ( سَمْعٌ وَطَاعَةٌ )
أَمَّا شِرَارُ الخَلْقِ؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنِ اليَهُودِ: { مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً } [ النساء 46 ]
عِبَادَ اللهِ: ( سَمِعْنَا، وَأَطَعْنَا ) كَلِمَتَانِ اِجْعَلُوهُمَا شِعَارًا لَكُمْ مَعَ أَوَامِرِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَنَوَاهِيهِ، وَأَوَامِـرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَنَوَاهِيهِ.
لَا تَتَهَاوَنُوا بِطَاعَةٍ فَتَتْرُكُوهَا، وَلَا بِمَعْصِيَةٍ فَتَرْتَكِبُوهَا.
تَذَكَّرُوا عَظَمَةَ مَنْ أَمَرَكُمْ أَوْ نَهَاكُمْ، تَذَكَّرُوا ثَوَابَهُ وَعِقَابَهُ.
تَذَكَّرُوا يَومًا نَجِدُ فِيهِ أَعْمَالَنَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا، صَغِيرَهَا وَكَبِيرَهَا؛ قَالَ تَعَالَى: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }[ آل عمران 30 ]
وَقَالَ تَعَالَى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [ الزلزلة 7-8 ]
قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: هَذِهِ الآيَةُ فِيهَا غَايَةُ التَّرْغِيبِ فِي فِعْلِ الخَيْرِ وَلَوْ قَلِيلًا، وَالتَّرْهِيبِ مِنْ فِعْلِ الشَّرِّ وَلَوْ حَقِيرًا.
وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِفِعْلِ الخَيْرَاتِ وَتَرْكِ المُنْكَرَاتِ، وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ لَنَا فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَلْنَتَّقِ اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - وَإِذَا عَرَضَتْ لِأَحَدِنَا مَعْصِيَةُ؛ فَلْيَتَذَكَّرْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى نَهَاهُ عَنْهَا، وَأَنَّهُ تَعَالَى يَرَاهُ وَهُوَ يَرْتَكِبُهَا، أَوْ يُجَاهِدُ نَفْسَهُ وَيَكُفُّ عَنْهَا.
مَنْ تَهَيَّأَتْ لَهُ المَعْصِيَةُ، وَقَدِرَ عَلَيْهَا؛ فَلْيَتَذَكَّرْ أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا قَادِرٌ عَلَيهِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يُمْلِي لَهُ؛ وَقَدْ يَأْخُذُهُ وَهُوَ عَلَى ذَنْبِهِ.
عِبَادَ اللهِ: كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ؛ وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ عَظُمَ عِنْدَهُ ذَنْبُهُ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَقَالَ بِهِ هَكَذَا...) رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
المُؤْمِنُ إِذَا أَذْنَبَ نَدِمَ عَلَى ذَنْبِهِ، وَخَافَ مَقَامَ رَبِّهِ، وَدَفَعَهُ ذَنْبُهُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالتَّزَوُّدِ مِنَ الحَسَنَاتِ؛ قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ عِبَادِهُ المُؤْمِنِينَ: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }
مَنْ غَلَبَهُ الشَّيْطَانُ وَنَفْسُهُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ وَوَقَعَ فِي شَيءٍ مِنَ المَعَاصِي، فَلْيُبَادِرْ بِتَوبَةٍ نَصُوحٍ تَمْحُوهَا.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التحريم 8]
اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
اللَّهُمَّ اِقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1697071189_وَقَفَاتٌ مَعَ حَدِيثِ مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ.pdf
1697071206_وَقَفَاتٌ مَعَ حَدِيثِ مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ.docx
 
                             
                             
             
             
             
             
                                 
                 
                     
                     
                         
                         
                     
                 
            
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق