وكبره تكبيرا ( خطبة مختصرة )

طلال بن فواز الحسان
1446/12/10 - 2025/06/06 09:31AM

الحمدُ للهِ فاطرِ الأكوانِ وباريْها، ومُسيِّرِ الأفلاكِ ومُجْريْها، وخالقِ الدَّوابِ ومُحصِيْها، ومُقسِّمِ الأرزاقِ ومُعْطِيْها، ومقدِّرِ الآجالِ ومُوفيهَا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ الربُّ المعبودُ بحقٍّ، المستحقُ لكلِّ ثناءِ ومجدِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، المبشِّرُ من أطاعَ اللهَ بجناتِ عدنٍ، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وعلى آلِه وصحبِه إلى يومِ الدينِ. أما بعدُ: فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}[الحشر:18].

إخوة الإيمان: إخوة الإيمان: "أيَّامُ التَّشْريقِ أيَّامُ أكلٍ وَشُرْبٍ وذِكْرٍ لله"؛ بهذه الكلمات وجَّه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أمَّتَهُ كيفَ تعيشُ معَ هذه الأيامِ الجليلةِ المشْهُودةِ.

إنَّها الأيامُ المعدوداتُ التي أمرنا اللهُ -تعالى- بالذكرِ فيها، (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)[البقرة:203]، قال ابنُ عباسٍ وغيرُه: هي أيامُ التشريق.

ومِنْ أخصِّ أنواعِ الذكرِ فيها: تكبير الله -تعالى-.

اللهُ أكبر، كلمةٌ مختصَرَةٌ، لكنَّها تحملُ مَعانيَ تَهُزُّ الوُجْدَانَ، وتُقوّي الإيمانَ.

فاللهُ -تعالى- الكَبيرُ، أكبرُ مِنْ كلِّ شيءٍ، في ذاتِه، وصفاتِه، وأفعالِه.

اللهُ أكبرُ، كلمةٌ سَامقةٌ شَرِيْفَةٌ، لا تَنْقطعُ عن الكونِ، ففي كلِّ حينٍ يَتَجَلْجَلُ في الآفاقِ، النِّداءُ بِها، لِتُعْلِنَ أنَّ العظمةَ للهِ وحدَهُ، والكبرياءَ ليس لأَحَدٍ سِوَاه.

الله أكبرُ: جملةُ جلالٍ وإجلالٍ وتعظيمٍ للخالقِ المُتَعالِ، فَلا شَيءَ أكبرُ منه؛ جلَّ العليِّ الكبيرِ، وكلُّ ما سواه فهو صغير، وتحت أمره وقهره، وحكمه وملكه.

بالتكبير أمر اللهُ نبيه -صلى الله عليه وسلم- في مبدأ بعثتِه، ليستعينَ به على تبليغِ رسالتِه (يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ)[المدثر:1-3].

وَلِعِظَمِ قيمةِ التكبيرِ قَرَنَها اللهُ بأمَّهَاتِ العِباداتِ؛ فَالصَّلَاةُ يُنَادَى لَهَا بِالتَّكْبِيرِ؛ وَتُقَامُ بِالتَّكْبِيرِ، وَتُفْتَتَحُ بِالتَّكْبِيرِ، وَيَنْتَقِلُ المُسْلِمُ بَيْنَ أَرْكَانِهَا بِالتَّكْبِيرِ

وفي الصِّيَامِ شُرِعَ لِلْمُسْلِمِ التكبيرُ مَعَ تَمَامِهِ؛ (وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)[البقرة:185].

وَفي الحَجُّ شُرِعَ فِيهِ التَّكْبِيرُ فِي الطَّوَافِ، وعند الصَّفَا وَعَلَى المَرْوَةِ وعند رَمْيِ الجِمَارِ، بَلْ وفي بَقِيَّةِ أوقاتِ الحّجِّ، قال أنس -رضي الله عنه-: "مِنَّا المُلبِي وَمِنَّا المُكَبِّرُ".

وَعِنْدَ ذَبْحِ الهديِّ والأُضْحِيَةِ يُتقرب إلى اللهِ بالتكبير، (كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[الحج:37].

ولِجَلالِ هذه الكلمةِ شُرِعَ لنا أنْ نقولَهَا في الأَعْيَادِ، وعِنْدَ رُؤْيَةِ هِلالِ رَمضان، وَفِي أُذنِ الموْلُودِ، وَعِنْدَ رُكُوبِ الدَّابةِ، أو صُعودِ مكانٍ مُرتفع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا).أقولُ قولي هذا،

الحَمدُ للهِ حَقَّ حَمْدِه، وأَشْهَدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ تَعظيمَاً لِمجدِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ إقْرَاراً لِحَقِّهِ، صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ عليه وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ. أمَّا بعدُ. فَيَا إخوة الإيمان:

وإذا لَهَجَ اللسانُ، وامتلأَ الوجدان، مِنْ معاني هذه الكلمةِ كَبُرَ في القلبِ مقامُ اللهِ،  فاستعانَ به وحده، وتوكلَ عليه، وفوضَ أمرَهُ إليه، واعتمدَ في كلِّ شأنِه عليه.

يَسْتَحْضِرُ المؤمنُ وهو يُكَبِّرُ، أنَّ شأنَ الله أعظم، فمهما قَدَّمَ العبدُ وقدَّمَ، فالله -تعالى- مُستَحِقٌ لذلك وأكثر.

يَسْتَحْضِرُ المؤمنُ وهو يُكبِّرُ قُرْبَ اللهِ ومعيتَهُ ومحبَّتَه، وأَعْظَمُ عيدٍ يَفرح به العبدُ حينَ يُبَشَّرُ عند أجلِه برضا الله عنه، فَيُحبُّ لقاءَ اللهِ فيُحِبُّ اللهُ لقاءَه.

يَسْتَشْعِرُ المؤمنُ وهو يُكَبِّرُ، عَظِيْمَ أثرِهَا على الجنان، وعظيمَ أجرِهَا في الميزان، ففي الحديث: "التَّسْبِيحُ نِصْفُ الْمِيزَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَؤُهُ، وَالتَّكْبِيرُ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ".

واللهُ أكبرُ هي من الباقيات الصالحات، ومن غراسِ الجنَّات؛ بذلكم قال الخليل -عليه السلام- لنبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- ليلةَ أُسريَ به.

ويكفي كلمة التكبير فضلاً، أنَّ قولهَا وترديدَها، يُزَحْزِحُ عن النَّار؛ ففي  الحديث عند مسلم مرفوعاً: "إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِ مِائَةِ مَفْصِلٍ، فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ، وَحَمِدَ اللَّهَ، وَهَلَّلَ اللَّهَ، وَسَبَّحَ اللَّهَ، وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ شَوْكَةً، أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلَاثِ مِائَةِ السُّلَامَى فَإِنَّهُ يَمْشِي يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنْ النَّارِ".

فاتقوا الله -أيُّها المؤمنون- ورطِّبوُا ألْسِنَتَكُمْ في آخر الأيَّامِ الفاضلات بالذِّكرِ والتَّكبيرَاتِ، فهو عَمَلٌ صالحٌ، ومَكْسَبٌ نَاجِحٌ، وَصَاحِبُه مُوَفَّقٌ فَالِحٌ.

اللهُ أكْبَرُ بِسْـمِ اللهِ مَجْرِاها  *** اللهُ أكبرُ بالتَّـقوى سَنُرْسِيْهَا

اللهُ أكبرُ قُوْلُوْهَا بِلَا وَجَلٍ *** وَزَيِّنُوا الْقلبَ مِنْ مَغْزَى معانيها

اللهم احفظ ألسنتنا من سيئ الأقوال ، وطهر قلوبنا من الأحقاد والأغلال ، اللهم سخر ألسنتنا لذكرك وأطلقها في الدعوة لدينك،

واجعلنا بالحق ناطقين، وللخيرات داعيين، وبالصالحات عاملين، ولوجهك مخلصين.

اللهمَّ أَعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، واحم حوزة الدين، وانصر جنودنا المرابطين، واجعل هذا البلدَ آمناً مطمئناً وسَائرَ بلادِ المسلمينَ.

اللهمَّ وفقْ ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى . (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ). ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المشاهدات 97 | التعليقات 0