ومضى نصف العام والتقاعد
حمد الفهبد
حمد بن تركي الفهيد
ومضى نصف العام التقاعد ورجب
الحمدُ للهِ نحمدُه حَمْدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيهِ كما يُحبُ ربُنا ويَرضَى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه شهادةً فرضًا، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه؛ خيرُ أهلِ الأرضِ طُولاً وعَرْضًا، فصلَّى اللهُ وسلمَ عليهِ تسليمًا أَحْضَى وأَمْضَى. أما بعدُ:
اتقوا الله تفلحوا وتسعدوا
عبادالله
اعتبروا يا أولي الأبصار بمرور الأعوام وتردد الأيام، قال تعالى: ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس: 40].
فها أنتم ترون أننا في منتصف العام ، وأن الستة الاشهر الماضية قد انتهت بخيرها وشرها، فيجب أن تدركوا أن مرور الليالي والأيام والأعوام يتبعه مرور الأعمار، وعلى هذا فالواجب علينا أيها الإخوة أن نعتبر بسنيننا الماضية، كم هلك فيها من هلك؟ وربح فيها من ربح؟ وخسر فيها من خسر؟
فيجب أن نحاسب أنفسنا، وأن نتدارك ما فات بالعمل المثمر النافع لنا ولأبناء وطننا ولآخرتنا ولدنيانا، وأن لا نكون صُمًّا بُكمًا تمر علينا الحوادث وتنصرم أمامنا الأعوام والأيام من غير أن ندرك لها معنى، أو نتعظ بها، فيجب أن ندرك أن الحياة ليست نومًا وأكلًا وشربًا فقط، فارفعوا من شأن أنفسكم وأَعْمِلُوا أيديكم وأذهانكم، واعلموا أن الحياة دقائق وثواني، كما قيل:
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له:
إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرها
فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني
ايها المسلمون
واحدْ سبعةْ هوَ منتصَفُ السنةِ الهجريةِ، وهو موعدٌ مرتقبٌ لقومٍ سيبدأُ عُمرُهمُ الثاني.
ايها المسلمون
واحدْ سبعةْ موعدٌ مرتقَبٌ لإخوانِنا المتقاعدِينَ عن العملِ الوظيفيِ.
أَيُّهَا المُتَقَاعِدُ الكَرِيمُ: قَدْ كُنْتَ تَنْتَظِرُ تِلْكَ الفُرْصَةِ بِفَارِغِ الصَّبْرِ، وَهَذِهِ هِيَ مَرَاحِلُ الحَيَاةِ فِي تَنَقُّلاتِهَا وَتَقَلُّبَاتِهَا، فأخوكَ ينتظِرُ الفُرصةَ بعدَك، كما كنتَ تنتظِرُ الفرُصةَ ممن قبلَك؛ فمُوظفُ اليومِ مُتقاعِدُ الغدِ، ومُتقاعِدُ اليومِ مُوظَّفُ الأمسِ، ومن الطريفِ المعلومِ: أن موعِدَ انتهاءِ الخدمةِ معروفٌ ومحسوبٌ بالشهورِ والأيامِ. فلماذا التضايقُ ولماذا الحزنُ؟! فهذه هيَ مراحِلُ الحياة في تنقُّلاتها وتقلُّباتُها وغِيَرِها وعِبَرِها: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ).
أَيُّهَا المُتَقَاعِدُ المتجدِّدُ: لَئِنْ شَعُرْتَ بِضَعْفِ بَدَنِكَ فَلْتَعْلَمْ أنَّهُ قَدْ قَوِيَ عَقْلُكَ، وَلَئِنْ لاحَ الشَّيْبُ فِي رَأْسِكَ فَلَقَدْ ظَهَرَتْ الحِكْمَةُ فِي رَأْيِكَ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ).
أَيُّهَا المُتَقَاعِدُ العابدُ: كَمْ مْنَ المَشَارِيعِ الأُخْرَويةِ التي كُنْتَ تَتَمَنَّاهَا فَها هِيَ فُرْصَتُكَ؟ (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).
أَنَّ مَفْهُومَ العِبَادَةِ وَاسِعٌ، لا يَنْحَصِرُ بِكَثْرَةِ صَلاةٍ ولا قِرَاءَةِ قُرْآنٍ، فَأَعْمَالُ البِرِّ –بفضلِ اللهِ- يزيدُ عددُها على أيامِ عُمُرِك، وفرصةٌ طيبةٌ متاحةٌ أن تكونَ عضوًا أو متعاوِنًا معَ جمعيةٍ تطوعيةٍ تناسِبُكَ. واحذرْ البِطالةَ والعَطالةَ، وَمَا أَحْكَمَ ابْنَ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- حِينَ قَالَ: إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَرَاهُ فَارِغًا، لَا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَلَا فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ( ). فاحذر ايها المتقاعد ان يكون شغلك الشاغل هـو التنقل بين مجالس القيل والقال ناسيا او متناسيا المجالس الاماكن التي تقربك من رب الارض والسموات
أَيُّهَا المُتَقَاعِدُ الواعِدُ: حكيمٌ مَن يَنظرُ إلى التقاعُدِ على أنه بوابةٌ تتفتَّحُ على بيئةِ عملٍ جديدٍ، فحياةُ المرءِ وحيويَّتُه ليستْ متوقفةً على عملٍ نظاميٍّ، أو مربوطةً بوظيفةٍ مُؤقَّتةٍ.
أَيُّهَا الفضلاءُ الأوفياءُ: مِنْ حَقِّ إخْوَانِنَا المُتَقَاعِدينَ عَلينَا أَنْ نَعْتَرِفَ بِفَضْلِهِمْ وَحَقِّهِمْ. فإنَّهُمْ أَفْنَوا زَهْرَةَ شَبَابِهِمْ فِي أَعْمَالِهِمْ طَلَبَاً لِعَيْشٍ كَرِيمٍ، وَسَعْيَاً لِخِدْمَةِ المُسْلِمِينَ وأَولادِهِمْ. وهَا هُمْ بَعْدَ عَشَرَاتِ السِّنِينَ يَحُطُّونَ رِكَابَهُمْ، وَيُسَلِّمُونَ الزِّمَامَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ. ومن جميلِ الوفاءِ الذي نشهدُهُ أن يقيمَ زملاءُ المتقاعدِ حفلَ تكريمٍ له، وربَّما هدايا له ولأهلهِ. فما أجملَ الوفاءَ من أهلِ الوفاءِ. {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}.
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى أما بعدُ:
شهر رجب
جَاءَ الْإِسْلَامُ فَعَظَّمَهُ وَجَعَلَهُ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ،فَيَدْخُلُ
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}.
فَالذَّنْبُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهِ،
وَلَا نَزِيدُ عَلى مَا شَرَّعَ اللهُ لَنَا وَلَا نُنْقِصْ.
وَشَهْرُ رَجَبَ لَمْ يَثْبُتْ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ تَخْصِيصُهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَةِ.
إِنَّ الْوَاجِبَ فِي مِثْلِ هَذِهِ
الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ تَرْكُ ظُلْمِ
النَّفْسِ فِيهِنَّ بِتَرْكِ
الْمُحَرَّمَاتِ، وَتَجَنُّبِ
الْمَنْهِيَّاتِ، وَالِاسْتِزَادَةِ مِنْ
فِعْلِ الْخَيْرَاتِ،وَالِانْكِبَابِ
عَلَى الطَّاعَاتِ وَعِبَادَةِ اللهِ. بِدُونِ ذِكْرِ فَضِيلَةٍ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ بِدُونِ دَلِيلٍ، فَعِبَادَةُ اللهِ -تَعَالَى- فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَتَزِيدُ فِي مَاخَصَّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ عَنْ غَيْرِهَا حَيْثُ اخْتُصَّتْ بَعْضُ الشُّهُورِ بِبَعْضِ الْعِبَادَاتِ،
كَصِيَامٍ مُعَيَّنٍ وَصَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ ذِكْرٍ مُعَيَّنٍ.
فيَا عِبَادَ اللهِ: يَعْتَقِدُ بَعْضُ النَّاسِ بِلا دَلِيْلٍ أنَّ لشَهْرِ رَجَبٍ بَعْضَ الخَصَائِصِ وَالْعِبَادَاتِ. ومِمَّا أَحَدَثَوُهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ استحبابهُم صِيَامَهُ أَوِ الاعْتِمَارَ فِيْهِ؛ اِعْتِقَادًا مِنْهُمْ أَنَّ لِلْعُمَرَةِ فِيهِ مَزِيَّةً، وَلكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ اِعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ،
.
قالَ الشيخُ ابنُ عثيمينَ –رحمَهُ اللهُ تعالى-: ليسَ لشهرِ رجبٍ مَيزةٌ عن سواهُ من الأشهُرِ الحُرُمِ، فلا يُخَصُ لا بعمرةٍ ولا بصيامٍ ولا بصلاةٍ ولا بقراءةِ قرآنٍ( ).أ.هـ. لَكِنَّ لَوْ اعتَمَرَ فِي رَجَبٍ مِنْ غَيْرِ اِعْتِقَادِ فَضْلٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ لِأَنَّهُ تَيَسَّرَ لَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَلَا إِشْكَالَ.
عبادالله
وأما الإسراءُ والمعراجُ الذي اشتُهرَ عند كثيرٍ من الناسِ أنه في رجبٍ، وفي ليلةِ السابعِ والعشرينَ منه، فلا صحةَ له إطلاقاً.
قالَ ابنُ القيمِ: لَا يُشْرَعُ لِلْمُسْلِمِينَ تَخْصِيصُ اللَّيْلَةِ الَّتِي يُظَنُّ أَنَّهَا لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ بِقِيَامٍ وَلَا غَيْرِهِ( ).
وكل هذا من المحدثات، وهو مبني على غير برهان تاريخي فإنه لا يعلم جزما متى كانت ليلة الإسراء والمعراج، والمؤرخون اختلفوا في تحديدها، ولو كان في ضبط ذلك خيرٌ لاعتنى به السلف الأولون وسبقونا إليه
وخير الأمور السالفات على الهدى… وشر الأمور المحدثات البدائع
وقد نبه العلماء المتقدمون والمتأخرون على هذه البدعة، وتزداد الحاجة إلى ذلك في عصرنا لوجود
الانفتاح الإعلامي, حيث تبث بعض المحطات الإذاعية والقنوات الفضائية هذه الاحتفالات وتروج لها عبر الأثير والفضاء، فينبغي العلم والحذر من تشرب هذه المحدثات أو الانسياق وراءها.
فيا أهلَ التوحيدِ والسُنةِ: «اتَّبِعُوا، وَلَا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ،
فإن كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ»( ).
• فاللهم لكَ الحمدُ يا مَن هو للحمدِ أهلٌ.
• اللهم لك الحمدُ على التوحيدِ والسُنةِ في بلدٍ يُحكّمُ الكتابَ والسنةَ، حيث الحرمانِ والأمانُ ومأرِزُ الإيمانِ.
• اللهم احفظْ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ.
• اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
• اللهم وأيدْ بالحقِ إمامَنا، ووليَّ عهدِه، وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ.
• اللهمَ لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من وديانٍ وشِعابٍ.
• (اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.
• اللَّهُمَّ أَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا رَبِيعَهَا، وَأَنْزِلْ فِي أَرْضِنَا سَكَنَهَا، وَارْزُقْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)( ).
• اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ