يوم عرفة والأضحية وتوعية الحجاج وفق التعميم
أحمد بن علي الغامدي
إنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ
وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
أَمَّا بَعْدُ:فَلَا زِلْنَا نَتَفَيَّأُ فَضْلَ اللَّهِ عَلَيْنَا فِي عَشْرٍ هِيَ أَعْظَمُ أَيَّامِ العَامِ، وَإِنَّ مِنَ العَشْرِ لَيَوْمَيْنِ هُمَا الأَعْظَمُ فِيهَا قَدْرًا، يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ
فَأَمَّا يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي كِتَابِهِ الكَرِيمِ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "الشَّاهِدُ: يَوْمُ الجُمُعَةِ، وَالمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ"
عِبَادَ اللَّهِ: يَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ كَمَالِ الدِّينِ، وَتَمَامِ النِّعْمَةِ، فَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
( اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا ).
.ويَوْمُ عَرَفَةَ هو يَوْمُ عِيدٍ لِلْمُسْلِمِينَ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ"
ويَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ المُبَاهَاةِ بِأَهْلِ المَوْقِفِ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
"إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا".
ويَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ العِتْقِ مِنَ النَّارِ،رَوَى مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ المَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:"ويَوْمُ عَرَفَةَ هُوَ يَوْمُ العِتْقِ مِنَ النَّارِ، فَيُعْتِقُ اللَّهُ فِيهِ مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ، فَلِذَلِكَ صَارَ اليَوْمُ الَّذِي يَلِيهِ عِيدًا لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ فِي أَمْصَارِهِمْ، لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي العِتْقِ وَالمَغْفِرَةِ".
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ:"وَقَدْ تَكُونُ الرَّحْمَةُ الَّتِي تَنْزِلُ عَلَى الحُجَّاجِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَعَلَى مَنْ شَهِدَ الجُمُعَةَ: تَنْتَشِرُ بَرَكَاتُهَا إِلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الأَعْذَارِ، فَيَكُونُ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَحَظٌّ مَعَ مَنْ شَهِدَ ذَلِكَ"
عِبَادَ اللَّهِ: إِذَا كَانَ أَهْلُ المَوْسِمِ قَدْ ظَفِرُوا بِالوُقُوفِ فِي عَرَفَةَ، فَإِنَّ لِأَهْلِ الأَمْصَارِ صَوْمَ ذَلِكَ اليَوْمِ العَظِيمِ،وَصَوْمُهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ،كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ". فاجْتَهِدُوا – عِبَادَ اللَّهِ – فِي هَذَا اليَوْمِ بِالدُّعَاءِ،فَإِنَّ لِلصَّائِمِ دَعْوَةً لَا تُرَدُّ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". فَجِدُّوا – رَحِمَكُمُ اللَّهُ – فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَأَلِحُّوا، فَلَعَلَّ نَفَحَاتِ اللَّهِ تَعَالَى تُصِيبُكُمْ، فَفَضْلُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ تَسَعُ أَهْلَ المَوْقِفِ وَغَيْرَهُمْ، فَلَا يَحْرِمَنَّ عَبْدٌ نَفْسَهُ خَيْرَ اللَّهِ فِي هَذَا اليَوْمِ العَظِيمِ.
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنَ المُسْلِمِينَ،وَأَنْ يَكْتُبَ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَأَهْلِينَا الرَّحْمَةَ وَالمَغْفِرَةَ وَالعِتْقَ مِنَ النَّارِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية : الحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى
أَمَّا بَعْدُ:فَمِنْ أَعْظَمِ الأَيَّامِ الفَاضِلَةِ فِي هَذِهِ العَشْرِ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَهُوَ يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ،
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَوْمُ النَّحْرِ». وَمِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ:ذَبْحُ الأُضْحِيَةِ، وَكُلَّمَا كَانَتِ الأُضْحِيَةُ أَكْمَلَ فِي صِفَاتِهَا، فَهِيَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ، وَأَعْظَمُ أَجْرًا.قَالَ تَعَالَى:﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾.وفِي الآيَةِ الكَرِيمَةِ: حَثٌّ وَتَرْغِيبٌ عَلَى الإِخْلَاصِ فِي الأُضْحِيَةِ،
وَأَنْ يَكُونَ القَصْدُ وَجْهَ اللَّهِ وَحْدَهُ، لَا مُجَرَّدَ عَادَةٍ، وَلَا فَخْرًا، وَلَا رِيَاءً، وَلَا تَسْمِيعًا بِثَمَنِهَا أَوْ نَوْعِهَا أَوْ حَجْمِهَا.
أَيُّهَا الحَاجُّ الكَرِيمُ: مِنْ تَمَامِ الحَجِّ: أَنْ يَتَحَلَّى الحَاجُّ بِآدَابِ الحَجِّ، وَمِنْ ذَلِكَ(: الصَّبْرُ وَالرِّفْقُ وَاللِّيْنُ، وَتَجَنُّبُ التَّدَافُعِ وَالأَذَى، َكَفُّ اللِّسَانِ عَنِ الجِدَالِ وَالرَّفَثِ وَالفُسُوقِ).
قَالَ تَعَالَى:﴿ الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ۚ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحَجِّ ﴾.
وَمِمَّا يَنْبَغِي عَلَى الحَاجِّ مُرَاعَاتُهُ: الِالْتِزَامُ بِالأَنْظِمَةِ وَالتَّعْلِيمَاتِ الصَّادِرَةِ مِنَ الجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ،
وَالبُعْدُ عَنِ التَّعَرُّضِ المُبَاشِرِ لِلشَّمْسِ،وَالحِرْصُ عَلَى شُرْبِ المَاءِ الكَافِي، وَتَجَنُّبُ أَمَاكِنِ الزِّحَامِ،وَالِالْتِزَامُ بِالمَوَاعِيدِ وَالإِرْشَادَاتِ الصِّحِّيَّةِ.
أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَ الحُجَّاجِ حَجَّهُمْ،وَمِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ ضَحَايَاهُمْ، وَمِنَ المُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ طَاعَاتِهِمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدُّعَاءِ.
عباد الله :صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ،فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ:
( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) .