23 - مظاهر إهانة القبور

ماجد بن سليمان الرسي
1446/12/19 - 2025/06/15 10:46AM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

***

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أنه تعالى خلق الخلق ليعبدوه ولا يشركوا به شيئًا كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾، وأرسل الرسل لذلك قال: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلـٰه إلا أنا فاعبدون﴾، ونهى عباده عن أن يشركوا معه في عبادته أحدًا غيره فقال: ﴿ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين﴾، وبـين لنا أن الشرك أعظم الذنوب فقال: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما﴾.

***

أيها المؤمنون، تقدم في الخطب الماضية بيان بعض مظاهر الغلو في القبور المنتشرة في بعض بلاد المسلمين، واليوم نتكلم بما يسر الله عن مظاهر إهانة القبور، حيث أن الإسلام دينٌ وسط، فكما أنه نهى عن تعظيم القبور فإنه نهى عن إهانتها، وصدق الله ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾.

***

أيها المسلمون، ومظاهر إهانة القبور أربعة:

الأول: الجلوس على القبـر أو الوطء عليه، ودليل النهي عن ذلك حديث مرثد الغنوي أنه )صلى الله عليه وسلم) قال: «لا تَجلسوا على القبور، ولا تُصَلُّوا إليها»([1]).

وقوله )صلى الله عليه وسلم): «لأِن يَجلس أحدُكم على جمرة فتحرِق ثيابه، فتخلُص إلى جِلده خيرٌ له من أن يَجلس على قبـر»([2]).

وفي رواية: «مِن أن يَطأ على قبـر»([3]).

وقال جابر (رضي الله عنه): «نهى رسول الله )صلى الله عليه وسلم) أن يُـجصَّص القبـر (أي يطلى بالجبس)، وأن يُقعد عليه، وأن يُـبنى عليه»([4]).

***

أيها المؤمنون، المظهر الثاني من مظاهر إهانة القبور: المشي بـين القبور بالنعال، ودليل النهي عن ذلك حديث بشير بن الخصاصية )رضي الله عنه) أن رسول الله )صلى الله عليه وسلم) رأى رجلًا يمشي في نعلين بـين القبور فقال: «يا صاحب السَّبتيتين (وهي نوع من النعال) أَلْقِهما»([5]).

أما المشي في المقبـرة بالنعلين بعيدًا عن القبور في الأماكن التي لم تحفر بعد أو في الطرق المعدة للمشي في المقبـرة فليس فيه بأس، وإنما المحرم هو المشي بـين القبور.

***

عباد الله، المظهر الثالث من مظاهر إهانة القبور: قضاء الحاجة فيها والمشي عليها، ودليل النهي عن ذلك حديث عقبة بن عامر )رضي الله عنه) قال: قال رسول الله )صلى الله عليه وسلم): «لأن أمشي على جمرةٍ أو سيفٍ أو أَخصِف نَعلي برِجلي (أي أخرزها بالمِخصف، وهي آلة الخرز) أحبُّ إليَّ مِن أن أمشي على قبـر مسلم، وما أُبالي أوسط القبور قَضيت حاجتي أو وسط السوق»([6]).

قال ابنُ تيمية )رحمه الله): «فإن قبـر المسلم له من الحرمة ما جاءت به السنة، إذ هو بـيت المسلم الميت، فلا يُترك عليه شيء من النجاسات بالاتفاق، ولا يُوطأ ولا يُداس ولا يتَّكأ عليه عندنا وعند جمهور العلماء، ولا يُجاوَر بما يؤذي الأموات من الأقوال والأفعال الخبـيثة، ويُستحب عند إتيانه السلام على صاحبه والدعاء له، وكلما كان الميت أفضل كان حقه أوكد»([7]).

***

أيها المؤمنون، المظهر الرابع من مظاهر إهانة القبور: نبش القبور، ودليل تحريمه ما رواه مالك عن عمرة بنت عبد الرحمـٰن أنه سمعها تقول: «لعن رسولُ الله )صلى الله عليه وسلم) المختفي والمختفية»، يعني نبَّــاش القبور([8]).

ومن جهة أخرى فإن في نبش القبور تعريضًا لعظام الميت للكسر، وكسر عظم الميت المسلم حرام لقوله )صلى الله عليه وسلم): «إنَّ كسر عظم المؤمن ميتًا مثل كسره حيًّا»([9]).

أما إذا بلِي الميت وصار ترابًا كما هو الحاصل في المقابر القديمة فحينئذ يجوز نبش القبـر ودفن غيره فيه بعد تنحِية عظامه، ولكن هذا يكون إذا دعت الحاجة إلى ذلك كضيق البلد ونحوه.

***

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

***

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

أعد الخطبة: ماجد بن سليمان، واتس: 00966505906761



([1]) رواه مسلم (972)، ورواه النسائي (759) بلفظ: «لا تُصَلُّوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها»، ورواه أحمد (4/135) بلفظ: «لا تجلسوا على القبور، ولا تُصلوا عليها».
([2]) رواه مسلم (971).
([3]) رواه أحمد (2/528)، وصححه محققو «المسند».
([4]) رواه مسلم (970).
([5]) رواه أبو داود (3230)، والنسائي (2048)، وابن ماجه (1568)، وأحمد واللفظ له (5/83)، وحسنه الألباني في «صحيح أبي داود».
([6]) رواه ابن ماجه (1577)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (11773)، وصححه الشيخ ناصر في «إرواء الغليل» (63).
([7]) «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/665).
([8]) رواه مالك في كتاب (الجنائز) واللفظ له، باب (ما جاء في الاختفاء)، والبيهقي في «الكبرى» (8/270).
([9]) رواه أبو داود (3207)، وأحمد (6/58) واللفظ له عن عائشة )رضي الله عنها)، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود».

المرفقات

1749973584_خطبة جمعة في مظاهر إهانة القبور.doc

1749973584_خطبة جمعة في مظاهر إهانة القبور.pdf

المشاهدات 24 | التعليقات 0