الذكر العملي

الحسين أشقرا

2025-07-02 - 1447/01/07
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ فضل الذكر العملي وأثره في تفريج الكرب. 2/ مجالس الذكر ومكانتها في الإسلام. 3/ قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة. 4/ الاقتداء برسول الله ﷺ في العمل والذكر

اقتباس

إن الذكر العملي هو التذكّر الذي يفرّج الله به الكرب، ويرتع به الذاكرون في روضة من رياض الجنة... ولهذا أمر الله عباده بالإكثار من الذكر قياماً وقعوداً وعلى الجنوب، وأثنى على...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين ...

 

قال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ).

 

إن الذكر العملي هو التذكّر الذي يفرّج الله به الكرب، ويرتع به الذاكرون في روضة من رياض الجنة... ولهذا أمر الله عباده بالإكثار من الذكر قياماً وقعوداً وعلى الجنوب، وأثنى على الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، فقال -سبحانه-: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).

 

وما أجمل قول من قال:

عليك بتقوى الله واعلمن بأنه *** رقيباً على الأفعال من أول الدهر

وكن ذاكراً لله في كلّ حالة *** دواماً مدى الأنفاس فيك التي تجري

وفاتحة القرآن حصنٌ فإنها *** لمشهورة البرهان من أعظم السر

 

وللذكر قيمة جليلة عند الله تعالى، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: مرّ الملأ من قريش على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده صهيب، خباب، بلال، عمار وغيرهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أفنحن نكون تبعاً لهم؟ أهؤلاء الذين منّ الله عليهم؟ أطردهم عنك، فلعلك إن طردتهم اتبعناك. فأنزل الله -تعالى-، في سورة معها سبعون ألف ملك، قوله -عز وجل-: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ).

 

لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقياساً للاقتداء، ووحدة أساسية للقياس والاهتداء في حالة السواء.

 

الذين وفقهم الله فاختاروا العيش على منهج الاقتداء بأسوة البشر، ومن هذه القلة: فئة من المحبين لمجالس ذكر العمل الصالح، ومجالس الهدى والعلم، لتحفّهم الملائكة، وتطمئن القلوب، وتتنزل عليهم السكينة والرحمات، ويباهي بهم رب الأرض والسماوات ملائكته من مختلف الدرجات.

 

جاء على لسان عطاء بن رباح -رضي الله عنه-: “مجلسٌ واحد يكفّر سبعين مجلساً من مجالس اللهو واللغو.”

 

وفي هذه المجالس يرتقي العبد بروحه عن ملذات صغيرة... ملذات البهائم والأنعام، التي تُنسي المنبهرين والمنشغلين بها ربهم، فينسون أنفسهم...

 

إن لذة مجالس الذكر تكمن في الاتصال بالواحد الأحد، المتصف بالعزة والملك والعظمة والجبروت...

 

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم، حتى آواهم المبيت إلى غار، فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ، فَقالَ رَجُلٌ منهمْ: اللَّهُمَّ كانَ لي أبَوَانِ شَيخَانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أَغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلًا ولَا مَالًا، فَنَأَى بي في طَلَبِ شَيءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عليهما حتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لهما غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُما نَائِمَيْنِ وكَرِهْتُ أنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُما أهْلًا أوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ والقَدَحُ علَى يَدَيَّ، أنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فيه مِن هذِه الصَّخْرَةِ. فَانْفَرَجَتْ شيئًا لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ.

 

قالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "وقالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لي بنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ، فأرَدْتُهَا عن نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حتَّى ألَمَّتْ بهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي، فأعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ ومِئَةَ دِينَارٍ علَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وبيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، حتَّى إذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قالَتْ: لا أُحِلُّ لكَ أنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلَّا بحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وهي أحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ، وتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذي أعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غيرَ أنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ منها".

 

قالَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "وقالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فأعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُلٍ واحِدٍ تَرَكَ الَّذي له وذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أجْرَهُ حتَّى كَثُرَتْ منه الأمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، أدِّ إلَيَّ أجْرِي، فَقُلتُ له: كُلُّ ما تَرَى مِن أجْرِكَ مِنَ الإبِلِ والبَقَرِ والغَنَمِ والرَّقِيقِ، فَقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ، لا تَسْتَهْزِئُ بي! فَقُلتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بكَ، فأخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ منه شيئًا، اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغَاءَ وجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ".

 

والكيّس العاقل من كان لسانه رطباً بذكر الله، منشغلاً بالعمل الصالح، قائماً وقاعداً وعلى جنبه، ولا يلتفت لقلة السالكين، ليحظى بالمراتب العالية، ويذكره الله في الملأ الأعلى، والموفق من وفقه الله لذكره، وشكره، وحسن عبادته.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life