المرور على الصراط وعقوبة أهل النار

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2025-10-06 - 1447/04/14
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/أحوال الناس يوم الحشر 2/صفة الصراط والعبور عليه 3/من عقوبات أهل النار 4/التحذير من أعمال أهل النار.

اقتباس

كيف بنا إذا وُضِعَ الصراط على متن جهنم، وهي نار حامية وقعرها سبعون خريفاً، وهو مدحضة مزلة، وعليه كلاليب معلقة، تأخذ من أمرت بأخذه، فمخدوش ناجٍ، ومكدوس في النار،... فمن الذي يعلم أنه سيسلم، وما حال الساقط فيها؟ أين أعمالنا الصالحة؟ أهي التخلف عن الجماعات؟ أم اللعب واللهو والغيبة؟ أو الغش في المعاملات؟

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، أحمده -سبحانه- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك العظيم، الذي أعد جنته العالية للمتقين، والنار السافلة للمجرمين.

 

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، تأهبوا للقائه والوقوف بين يديه، تذكروا -رحمكم الله- الحشر للمتقين، بأنه سيكون على نجائب من نور، وأن المجرمين المكذبين للرسل المخالفين لهم يساقون عنفاً إلى النار؛ قال -تعالى-: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا)[سورة مريم: 85-86].

 

 بل إن الكافر يُحْشَر ماشياً على وجهه، قال -تعالى-: (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا)[سورة الفرقان: 34]، وفي الصحيح عن أنس -رضي الله عنه-، أن رجلاً قال: يا رسول الله كيف يُحْشَر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال: "إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة".

 

 وتذكروا أيضاً: أن الصراط الذي سيُنْصَب على متن جهنم، من أعظم أهوال يوم القيامة، وأنه لا فوز إلى الجنة إلا بالمرور عليه، قال -تعالى-: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)[سورة مريم: 71-72]، فما أعظمه من اختبار وامتحان! وما أوضحه من تمييز بين المتقين والظالمين! وما أعدله من حكم! وما أبلغه من زجر! وما أشده من هول!

 

فيا عباد الله: كيف بنا إذا وُضِعَ الصراط على متن جهنم، وهي نار حامية وقعرها سبعون خريفاً، وهو مدحضة مزلة، وعليه كلاليب معلقة، تأخذ من أمرت بأخذه، فمخدوش ناجٍ، ومكدوس في النار، ويقسم أبو هريرة فيقول: "والذي نفسي بيده إن قعر جهنم لسبعين خريفاً".

 

 فمن الذي يعلم أنه سيسلم، وما حال الساقط فيها؟ أين أعمالنا الصالحة؟ أهي التخلف عن الجماعات؟ أم اللعب واللهو والغيبة في البيوت والفلوات؟ أو الغش في المعاملات؟ أو اتباع الهوى والاستمتاع بالشهوات، والغفلة عن الدار الآخرة، والجدُّ في زخرف هذه الحياة؟ فما أعجب حالنا حين نتأمل فيها.

 

 ألا يجدر بنا ونحن نعرف هذا كله، أن نهتم بأوامر الله، ونعظم حرماته، وننقاد لطاعته، ونخضع بين يديه، مستحضرين لعظمته ومتذكرين لرقابته، خائفين في ساحته من عظيم هيبته وجلال قدره، ومؤملين من سعة فضله، والمنّ برحمته.

 

 أيها المسلمون: إن مما يزجر النفس عن الوقوع في معصية الله، تذكُّر عقوبة أهل النار، ومن ذلك: أنهم يُسحَبون في النار على وجوههم، ويقال لهم: (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)[سورة القمر: 48]، وقال -تعالى-: (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)[سورة الحج: 19-22]، وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)[سورة فاطر: 36-37].

 

 فما أعظمها من زواجر لمن تأملها وتدبَّرها! ما أسوأ حال الكافرين وهم في عويل وصراخ في نار جهنم! جلودهم تحترق وأرجلهم مقيدة بالسلاسل، وأيديهم موثقة بالأغلال، ورائحتهم منتنة، ودارهم مظلمة موحشة، يضربون فيها بمقامع من حديد، يتمنون الموت فلا يحصل لهم، ويطلبون الخروج منها، فيقول لهم الجبار: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)[سورة المؤمنون: 108].

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)[سورة الزخرف: 74-80]، بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي نزل الكتاب تبياناً لكل شيء، هدى ورحمة وبشرى للمسلمين، نحمده -تعالى- ونشكره ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهو إلهنا ومولانا، لا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً.

 

 أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- بالبعد عن أعمال أهل النار لتسلموا منها، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا)[سورة الجن: 23]، فالمعصية والاستكبار والفسوق وكراهة الحق وطاعة الهوى والشيطان، ومحبة أعداء الله وبغض أوليائه، والميل إلى الدنيا، والغفلة عن الآخرة، والاستخفاف بشريعة الله، والتهاون بها، وعدم المبالاة بانتهاك حرمات الله، كل هذه الأشياء من أعمال أهل النار.

 

فاتقوا الله عباد الله: ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، تأهبوا للقاء الله والوقوف بين يديه، تزودوا بالأعمال الصالحة للعبور على الصراط، ولكي تفوزوا بمغفرته ومرضاته ودخول جناته.

 

 واتقوا النار ولو بشق تمرة، أنيبوا إلى ربكم وأسلموا له.

 

اللهم وفَّقنا لأعمال أهل الجنة، وجنّبنا أعمال أهل النار، واجعلنا من الراشدين، بمنك وفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life