النميمة: تعريفها، وأضرارها، وطرق مواجهتها

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ

2025-07-19 - 1447/01/24
عناصر الخطبة
1/وجوب الحرص على ما يديم المودة ويقويها 2/تعريف النميمة وبعض أضرارها 3/كيف يواجه المسلم من حمَل إليه نميمة؟ 4/الوصية بحفظ اللسان

اقتباس

مَنْ حُملت إليه نميمة فعليه ستة أمور: ألَّا يُصَدِّق النمَّامَ، وأن ينهاه عن ذلك، وأن يتثبَّت ويتأنَّى، وألَّا يظنَّ بأخيه الغائبِ سوءًا، ولا يحمله ما نُقِلَ إليه على التجسُّس، وألَّا يحكي تلك النميمةَ، مستعِينًا بالله في ذلك، مبتغيًا وجهَ اللهِ ورضوانَه...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله حمدًا لا ينفد، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادة من به اعتصم وله تزلل وتعبد، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبي الأمجد، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه وعلى من تعبد.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: من أراد الفوز والفلاح، ورام العزة والنجاح، فليلزم التقوى وطاعة المولى؛ (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 71].

 

إخوةَ الإسلامِ: من الأصول العظمى في الإسلام وجوب تحقيق كل ما يكون سببًا للأخوة والمودة بين المسلمين، وتحجيم كل ما يسبب العداوة والبغضاء بين المؤمنين، ومن أعظم ما يخل بهذا الأصل مسلك وخيم ووصف ذميم؛ ألا وهو نقل الكلام بين الناس لقصد الإفساد وإيقاع العداوة والشحناء، وإثارة الفتن والبغضاء، وهو ما يُسمَّى في الاصطلاح الشرعي بالنميمة.

 

النميمةُ تَرفَعُ الإخاءَ، وتُورِث البغضاءَ، وتُمزِّق الوحدةَ، وتُفرِّق الجماعةَ، فكم هتكت من أستار، وأورثت من أحقاد، ولهذا جاء تحريمُها في القرآن والسُّنَّة، وعدَّها العلماءُ كبيرةً من كبائر الذنوب، يقول الله -جل وعلا- في معرض الذم: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)[الْقَلَمِ: 10-12].

 

وقد توعَّد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- صاحبها بقوله: "لا يدخل الجنة قتات"(مُتفَق عليه)، وفي رواية لمسلم: "لا يدخل الجنةَ نمَّامٌ"، قال أهل العلم: "النمام يسمع الكلام مباشرة، ثم ينم به وينقله"، والقتات يستمع على الآخَرين وهم لا يعلمون، ثم ينم بما يسمع.

 

النميمة جمعت من المحرمات كثيرًا، ومن الموبقات شيئًا كثيرًا، ولهذا فكل ما ورد في الوحيين من النهي عن الخيانة فهو قاطع في التحريم للنميمة؛ لأن النمام إن كان صادقًا فيما نقل فهو خائن للمنقول عنه، وإن كان كاذبًا فهو أشر، ويدخل تحت جريمة الكذب التي علم تحريمها القطعي في أدلة الوحيين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى، قال: فَشِرَارُكُمُ ‌الْمُفْسِدُونَ ‌بَيْنَ ‌الْأَحِبَّةِ، ‌الْمَشَّاؤُونَ ‌بِالنَّمِيمَةِ، الْبَاغُونَ للْبُرَآءِ الْعَنَتَ"(أخرجه أحمد وغيره، وهو حديث حسن بمجموع شواهده)؛ ذلكم أن مآلها فساد كبير، ونتيجتها شر كثير، وغايتها وثمرتها الإفساد العريض، والشر المستطير.

 

أيها الأحبة: من قبيح ما في النميمة أنَّها تجمع أيضًا جريمة نكراء؛ ألا وهي الغيبة التي هي كبيرة من كبائر الذنوب، ولهذا قرر أهل العلم كلية صحيحة؛ وهي: أن كل نميمة غيبة، وليس كل غيبة نميمة؛ لأن النميمة نقل كلام القائل إلى المقول فيه، وهو أي القائل يكره كشف ذلك؛ ولهذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- حالة سيئة من عقوبة النمام، كما في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر على قبرين، فقال: "إِنَّهُمَا ‌لَيُعَذَّبَانِ ‌وَمَا ‌يُعَذَّبَانِ ‌فِي ‌كَبِيرٍ، ‌أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ بَوْلِهِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ..." الحديثَ.

 

إخوةَ الإسلامِ: قال العلماء: "ومَنْ حُملت إليه نميمة فعليه ستة أمور: ألَّا يُصَدِّق النمَّامَ، وأن ينهاه عن ذلك، وأن يتثبَّت ويتأنَّى، وألَّا يظنَّ بأخيه الغائب سوءًا، ولا يحمله ما نُقِلَ إليه على التجسُّس، وألَّا يحكي تلك النميمةَ، مستعِينًا بالله في ذلك، مبتغيًا وجهَ اللهِ ورضوانَه"، ولهذا فمن مسالك ذوي العقول الراجحة، والنظرة الثاقبة، ما نقل عن السلف، ومن ذلك ما روي أن رجلًا جاء لخالد بن الوليد -رضي الله عنه- فقال: "إن فلانًا يشتمك، فقال: تلك صحيفته، فليملأها بما شاء"، وجاء رجل إلى الشافعي -رحمه الله-، فقال: "فلان يذكرك بسوء"، فأجابه: "إذا صدقت فأنت نمام، وإذا كذبت فأنت فاسق، فاجتنبنا وانصرف"، وجاء رجل إلى وهب بن منبه -رحمه الله- فقال: "إن فلانًا شتمك"، فقال: "أما وجد الشيطان رسولًا غيرك؟!"، وقال بعضهم لمن نقل إليه كلامًا: "القائل يا هذا رماني بسهم لم يصبني، فلماذا حملت السهم وغرسته في قلبي؟!".

 

فاتقوا الله -عباد الله- واحذروا من كل خُلُق ذميم، وتحلَّوْا بالفضائل تطيبوا دُنيا وأخرى، وتسعدوا أبدًا ودومًا.

 

اللهمَّ تُبْ علينا إنكَ أنتَ التوابُ الرحيمُ، واغفر لنا إنكَ أنتَ الغفورُ الرحيمُ، وبارِكْ لنا فيما سمعنا وعلمنا، اللهمَّ إنَّا نسألك التوفيق والسداد يا ذا الجلال والإكرام.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ذي الجلال والإكرام، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ العزيز العلام، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، خير من تعبد لله وقام، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه الكرام.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها المسلمون: مَنْ حَفِظَ لسانَه غَنِمَ ونَجَا، ومن استعمله في الخيرات فاز وارتقى، يقول الله -جل وعلا-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فليقل خيرًا أو ليصمت"(مُتفَق عليه).

 

ثم أكثِرُوا من الصلاة والتسليم على سيدنا وبينا محمد، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه في كل وقت وحين، اللهمَّ ارض عن الخلفاء الراشدين، وعن الآل والصحابة أجمعين، اللهمَّ الطف بنا والمسلمين، اللهمَّ ارض عَنَّا وأرضنا يا منان يا عليم، اللهمَّ يا حي يا قيوم جد علينا بفضلك العميم، وبكرمك الجسيم، اللهمَّ وفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده لما تحب وترضى، اللهمَّ احفظهما بحفظك، واكلأهما برعايتك، اللهمَّ كن لهما عونًا ومُعينًا، وموفقا ومسددا، اللهمَّ وفِّقْ جميعَ ولاةِ أمورِ المسلمينَ لما تحبه وترضاه يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهمَّ اجمع كلمة المسلمين على الحق، اللهمَّ الطف بإخواننا المسلمين في فلسطين، اللهمَّ ارحمهم برحمتك الواسعة، اللهمَّ اشف مرضاهم ومرضى المسلمين، اللهمَّ وأزل الهم عن جميع المؤمنين، اللهمَّ عليك بأعداء المسلمين، اكسر قوتهم، واشدد وطأتك عليهم يا قوي يا عزيز، عليك توكلنا، وإليك أنبنا، وبك اعتصمنا، ولا حول ولا قوة إلا بك، يا علي يا عظيم.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life