عناصر الخطبة
1/التحذير من الاغترار بالدنيا وبالشيطان 2/أعظم توبيخ وأشنعه 3/شدة عداوة الشيطان للمسلم 4/الاستعاذة بالله والتحصن من الشيطان.اقتباس
تتجلى للمسلم عداوة هذا اللعين، ومكائده وأكاذيبه، كما تتجلى له الهداية إلى الطريق الموصِّل إلى الله، وإلى تلك الدار الغالية الشريفة... الابتلاء عظيم والخطب جسيم، الشيطان يجري منا مجرى الدم، وهو عدوّنا وحبائله كثيرة ومتنوّعة...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة من النار والسكنى في دار المقربين.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله لإرشاد العالمين إنسهم وجنهم أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون: فإن الله -تعالى- أخبر بصيغة مؤكدة أن المعاد كائن لا محالة، ونهانا عن الاغترار بالدنيا، وكذا نهانا عن الاغترار بالشيطان؛ فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فاطر: ٥]؛ أي: إذا كان الرجوع إليه حاصل ولا بد، فلا تلهوا بالعيشة الدنيئة بالنسبة إلى ما أعدَّ الله لأوليائه وأتباع رسله، من الخير والسعادة، ولا يصرفنكم الشيطان فإنه غرّار كذاب.
وأخبر -تعالى- بأن الشيطان عدو لنا، فقال -تعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)[فاطر: ٦]، أي فعَادُوه أشد العداوة وخالفوه وكذبوه، ثم بيَّن -تعالى- مقصد عدونا في أتباعه وحزبه؛ فقال -تعالى-: (إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)[فاطر: ٦]، أعاذنا الله من ذلك.
معشر المسلمين: لقد وبَّخ الله الموالين للشيطان وذريته أعظم توبيخ وأشنعه؛ فقال -تعالى-: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)[الكهف: ٥٠]، تأملوا فيما جرى من عداوته للأبوين آدم وحواء، وكيف خدعهما حتى خرجا من الجنة، بسبب ما لديه من الكبر والحسد، ومعصية ربه في السجود لآدم، وأن العداوة مستمرة بعد هبوطه والأبوين من الجنة؛ قال -تعالى-: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)[طه: ١٢٣]، ففي هذه القصة العظيمة تتجلى للمسلم عداوة هذا اللعين، ومكائده وأكاذيبه، كما تتجلى له الهداية إلى الطريق الموصِّل إلى الله، وإلى تلك الدار الغالية الشريفة.
عباد الله: الابتلاء عظيم والخطب جسيم، الشيطان يجري منا مجرى الدم، وهو عدوّنا وحبائله كثيرة ومتنوّعة؛ يقول -تعالى- في حكايته عن أعمال هذا العدو: (وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)[النساء: ١١٨ – ١١٩].
ولقد ابتلى الله به المُعْرِضين عن طاعته وامتثال أمره؛ فقال -تعالى- له: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)[الإسراء: ٦٤].
أما عباد الله المخلصين، وإن آذاهم الشيطان فهو غير مُغْوٍ لهم؛ لضَعْف سلطانه عليهم؛ (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)[الإسراء: ٦٥]، فيكفيهم الله بسبب قيامهم بعبوديته كل شر ويحفظهم من الشيطان الرجيم (وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا)[الإسراء: ٦٥].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[إبراهيم: ٢٢].
بارك الله لي ولكم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد، أحاط بكل شيء علماً، ووسع كل شيء رحمة وعلماً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا ملجأ منه إلا إليه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، واحذروا من الشيطان غاية الحذر، فقد ثبت في الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما منكم من أحد إلا قد وُكِّل به قرينه"، قالوا: وأنت يا رسول الله؟ قال: "نعم، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير"، وثبت في الصحيحين من قصة زيارة صفية للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو معتكف، قال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"، أي: فيزين له الفواحش، ولا يألوه جهداً في الخبال.
عباد الله: التجئوا إلى الله فإنه نعم الملتجأ في طرد هذا العدو المبين، وأكثروا من ذِكْر الله فإنه يخنس عند ذِكْره، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره في تفسير "الوسواس الخناس": "الشيطان على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس".
فاذكروا الله في بداية كل شيء من الأقوال والأفعال، وتعوذوا بالله من شرّه عند الغضب وتلاوة القرآن، وفي كل ما ورد التعوذ فيه والذكر.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات