عناصر الخطبة
1/ذم الإسراف وخطورته 2/كثرة صور الإسراف 3/الإسراف في الذنوب والمعاصي 4/الإسراف في المباحات 5/الإسراف في الطعام والشراب والولائم.اقتباس
إسراف في النظر إلى ما حرم الله في كل ساعة، وربما أقل، إسراف بسماع ما حرم الله، إسراف بالكلام فيما حرم الله، إسراف في الكسب مما حرم الله، إسراف في البعد عن طاعة الله، جوارح خلقها الله للطاعة؛ سمع وبصر ويد ورجل وقلب، خلقها الله للطاعة، فسَّخرها المسرف في المعصية حتى انعكس فِعْلها على القلب فقسا القلب، ثم ضعف الإيمان.
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، صلى الله وسلم وبارك عليه ما تعاقبت الليالي والأيام.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[سورة آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[سورة النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[سورة الأحزاب: 70].
عباد الله: احذروا مما حذَّر الله منه؛ فإن الله -عز وجل- إذا حذّر من شيء ونهى عنه فإن في مخالفته العطب والزلل والشر والخسارة وسوء العاقبة، وإن الله -تعالى- حذّرنا ونهانا عن الإسراف.
الإسراف، وما أدراك ما الإسراف! وكلنا مسرفون إلا من عصم الله، لا أحد يُبرئ نفسه، الإسراف خلق يبغضه الله لا يحبه ولا يحب صاحبه.
الإسراف في المعاصي، إسراف في المعاصي والذنوب والآثام وكسب السيئات، إسراف إلى حد الكفر عند كثير من المسلمين، ناهيك عن الكفار فإنه لا شأن لنا بهم، إسراف إلى حد النفاق إلى حد الشرك، واسراف إلى حدٍّ تستوي فيه الطاعة والمعصية عند كثير من المسلمين، وكل يتأمل حاله ويراجع أعماله يجد العجب.
إسراف في النظر إلى ما حرم الله في كل ساعة، وربما أقل، إسراف بسماع ما حرم الله، إسراف بالكلام فيما حرم الله، إسراف في الكسب مما حرم الله، إسراف في البعد عن طاعة الله، جوارح خلقها الله للطاعة؛ سمع وبصر ويد ورجل وقلب، خلقها الله للطاعة، فسَّخرها المسرف في المعصية حتى انعكس فِعْلها على القلب فقسا القلب، ثم ضعف الإيمان؛ والله -تعالى- يقول: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[سورة الأنفال: 24]؛ (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[سورة الشعراء: 88-89]؛ (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ)[سورة الزمر:22].
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ"، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ"(صحيح مسلم).
والمسرف في المعاصي: لا يتقن العبادة؛ فذهنه شارد، ويتكاسل عن الطاعة، وتفوته مواسم الخير، فعزمه خائر ولا يتأثر بآيات القرآن؛ فقلبه منكوس، وطبعه مطموس، وصدره ضيّق، ومزاجه متغيّر، وطبعه محبوس يحتقر المعروف وتسهل عليه المعصية ولا يعتبر بنزول المصيبة.
وكل ذلك -أيها الأحبة- بسبب الإسراف وتجاوز الحد في المعصية؛ مسرف على نفسه ما يستحي من الله حق الحياء، مسرف حتى بلغ الإسراف إلى الاستهانة بالمعصية والتعود عليها، وكأنها حلال، وقد يأتي الموت غفلة فلا تنفع الحسرات ولا تفيد الزفرات، ومن مات وهو مسرف فلا تسأل عن حاله ومآله؛ قال الله عن المسرفين: (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ)[سورة غافر:43].
وقال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)[سورة غافر:28]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسرافنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[سورة آل عمران: 147]، (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)[سورة الأعراف: 80-81].
قال -صلى الله عليه وسلم-: "كان رجلٌ يُسرِفُ على نفسِه، لمَّا حضره الموتُ قال لبنيه: إذا أنا متُّ فأحرِقوني ثمَّ اطحَنوني، ثمَّ ذروني في الرِّيحِ، فواللهِ لئن قدَر اللهُ عليَّ ليُعذِّبُني عذابًا ما عذَّبه أحدًا، فلمَّا مات فُعِل به ذلك، فأمر اللهُ الأرضَ فقال: اجمعي ما فيك ففعلتْ، فإذا هو قائمٌ فقال: ما حملك على ما صنعتَ؟ قال: خشيْتُك يا ربِّ، أو قال: مخافتُك، فغفَر له"(أخرجه البخاري ومسلم).
ولا يقال لمسرف في المعاصي: احرق نفسك، لكن نقول: ارجع إلى الله، وتب إلى الله، واتق الله في نفسك، واستغفر لذنبك قبل أن تموت، واستجب لأمر الله -تعالى- الذي يقول: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[سورة الزمر: 53-58].
الإسراف من تزيين الشيطان للمعصية وتهوينها، ومن تزيين النفس الأمارة بالسوء، ومن تزيين رفقاء الشر؛ يزينون المعصية حتى يقع فيها المسرف، ثم تنفلت نفسه وتهوي به في دركات الشقاء والذنب والكدر والتعاسة (كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[سورة يونس:12].
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبِّت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين عدد ما خلق وذرأ وبرأ، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وقدوة للناس أجمعين.
عباد الله: الإسراف في المباحات، الإسراف في أمور الدنيا؛ تجاوزنا الحد، أسرفنا، ترفّهنا، بذرنا أكثر عبثنا بالنعم، إسراف في الولائم في العزائم في المناسبات والزواجات، أكل بلا حدود تُرْمَى بقيته في القمامة، وغيَّرنا في بلاد المسلمين يأكلون من القمامة ما وجدوا ما يأكلون، أين العقول أليس فينا رجل رشيد يغير ويبدل مما يفعله الناس من الإسراف، ويحذرهم من عقوبة القوي المتين، نصف ما يُطْبَخ في البيوت يُرمَى به.
الفرد منا يأكل ويأكل إلى حد الإسراف حتى انتشرت الأمراض بين الناس من كثرة ما يأكلون، أُناس يموتون من كثرة الأكل، والله -تعالى- يقول لنا: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[سورة الأعراف: 31]، ويقول -تعالى- عن عباده الاتقياء: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[سورة الفرقان:67].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحثّنا ويعلمنا أن ابن آدم ما ملأ وعاءً شر من بطنه، وأرشدنا -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا مِن بطنٍ، بحسبِ ابنِ آدمَ أُكُلاتٌ يُقمنَ صُلبَهُ، فإن كانَ لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِهِ وثُلثٌ لشرابِهِ وثُلثٌ لنفَسِهِ"(صحيح الترمذي للألباني).
طريقتنا في الأكل غير صحية كثير يسرفون في العشاء ثم ينامون وهم مُتْخمون مُثْقلون ولا يأتي عليهم الصباح إلا وقد أُصيبوا بالأمراض... الضغط والسكر والصداع والكسل والهمّ، وقد حذّر الحكماء والأطباء والعلماء عن الإسراف في الطعام خاصة في الليل... كثرة أكل وقلة حركة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قبل ذلك: "ما ملأَ آدميٌّ وعاءً شرًّا مِن بطنٍ..." الحديث.
إسراف في ضياع الوقت، البيوت تسهر طوال الليل الأبناء والبنات والنساء، ثم تضيع صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر.
إسراف في فضح البيوت وإخراج أسرارها عبر وسائل التواصل؛ تصوير لما يدور في المنزل من طعام وشراب وزوّار وسفر ومطاعم ومطابخ... نقل مباشر.
مقارنات من الزوجات والأزواج، فسدت بيوت كثيرة، وتبعثرت أُسُر كثيرة من أجل تلك البرامج.
إسراف في ماء الوضوء، إسراف بل تبذير بالماء في كل مكان، وزوروا محطات التحلية ترون ما يذهل، أين تذهب تلك المياه؟ أين تُصَبّ؟ في البيوت إسراف بالماء عجيب ولا حسيب ولا رقيب، والله لو تقف تلك المحطات شهرًا واحدًا أن يصاب الناس بمصيبة كبرى في بيوتهم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "كُلوا واشرَبوا وتَصدَّقوا والْبَسوا ما لم يخالِطْهُ إسراف أو مَخيَلةٌ"(حسّنه الألباني).
وقال الله قبل ذلك: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)[سورة الإسراء:29]، (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[سورة الفرقان: 67]، (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ...)[سورة لإسراء:27]، ومن يرضى أن يكون من إخوان الشياطين؟ إنهم المسرفون.
أثبتت الأيام وخاصة مع الوباء أننا نستطيع الاقتصاد والتغيير والتعديل في أمور حياتنا، اقتصدنا في زواجاتنا وفي مناسباتنا، وتيسرت كثير من الأمور، الزواجات الآن في البيوت وفي الاستراحات الصغيرة، وفَّرنا كثيرًا من الأموال؛ فهل عابنا ذلك؟ هل نقص ذلك من قدرنا وكرامتنا؟ هل عيَّرنا الناس؟ فلماذا لا نُغيِّر دائماً إلى الأفضل؟ لماذا لا نترك الإسراف ونرضي الله عنا؟ هل ننتظر إلى أن ينزل وباء أو مصيبة ثم نفيق!
ألا فلنتقِ الله -أيها الناس- نتقي الله فلا نكن من المسرفين، لا نسرف على أنفسنا بالمعاصي؛ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا)[سورة لقمان:34]، ولا نسرف على أنفسنا في أمور دنيانا، فإن ذلك ما يُبغضه الله ويعاقب عليه بالجوع والقحط والزلازل والبراكين والحروب وقلة البركة والأوبئة والأمراض؛ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)[سورة إبراهيم:28].
اللهم إنا نعوذ بك من شر أنفسنا وشر الشيطان وشركه، ربِّ أوزعنا شكر نعمك والوقوف عند حدودك، اللهم جَنِّبنا سخطك ومقتك برحمتك وكرمك يا أرحم الراحمين.
وصلوا وسلموا...
التعليقات